خلال السنتين الأخيرتين من الحرب العالمية الثانية، تعرض العديد من المدن الألمانية لعمليات قصف تسببت في سقوط مئات آلاف الضحايا، حيث اتجهت طائرات الحلفاء لشن غارات على المناطق الصناعية المختصة في الإنتاج الحربي، والتي دعمت بشكل كبير جهود الحرب الألمانية.
ومن خلال مثل هذه الغارات الجوية، والتي استخدمت خلالها في أغلب الأحيان القنابل الحارقة، سعى الحلفاء لحرمان الجيش الألماني من المعدات العسكرية، التي استغلها لتحقيق انتصارات سريعة خلال السنوات الأولى للحرب، بهدف تعجيل سقوط النظام النازي واستسلام ألمانيا.
وإضافة لمدينتي هامبورغ (Hamburg) ودرسدن (Dresden)، واللتين تعرضتا لحملات قصف جوي خلال عامي 1943 و1945 أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 70 ألف شخص، كانت مدينة بفورتسهايم (Pforzheim) الواقعة بالجنوب الغربي لألمانيا مسرحاً لواحدة من أكثر الغارات الجوية دموية بالحرب، حيث أغارت طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني على هذه المدينة خلال الأشهر الأخيرة للحرب لتتسبب في سقوط عدد كبير من القتلى.
ومنذ منتصف سنة 1944، وضع سلاح الجو البريطاني مدينة بفورتسهايم ضمن قائمة أهدافه بناءً على تقارير وزارة الخارجية البريطانية التي صنّفت هذه المدينة كواحدة من المدن المغذية للاقتصاد الألماني.
وعرف عن مدينة بفورتسهايم، والتي قدّر عدد سكانها بنحو 60 ألف نسمة حينها أنها احتوت على مصنع مختص في صناعة الأنابيب المعدنية، إضافة إلى بعض المصانع الصغيرة الأخرى المختصة في إنتاج قطع أجهزة الرادار والراديو والبريسكوب والتي اعتمدت عليها صناعة الغواصات الألمانية.
وعلى الرغم من خلوها من المؤسسات الصناعية الكبرى التي أنتجت الذخيرة والدبابات والطائرات، اعتبرت مدينة بفورتسهايم هدفاً هاما للبريطانيين بسبب احتوائها طريقا رئيسيا وخط سكك حديدية يربطها بمنطقة بادن (Baden) استغله الجيش الألماني لنقل المعدات العسكرية. وخلال شهر آب/أغسطس سنة 1944، أدرج الحلفاء اسم بفورتسهايم ضمن قائمة المدن التي يستوجب قصفها. فعلى حسب تقرير صادر حينها لمسؤولين عسكريين من الحلفاء، احتوت منازل مدينة بفورتسهايم على ورشات عمل اعتمدت لإنتاج الأسلحة ودعم جهود الحرب الألمانية.
وعقب بعض الغارات الخاطفة عليها ما بين أواخر سنة 1944 ومطلع سنة 1945، تعرضت بفورتسهايم يوم 23 من شهر شباط/فبراير سنة 1945 لقصف جوي استمر لنحو 22 دقيقة ألحق بها دمارا واسعا. ففي حدود الساعة السابعة و50 مساء حلت 367 قاذفة قنابل بريطانية من نوع أفرو لانكستر (Avro Lancaster)، رفقة عدد من طائرات الاستطلاع الأخرى، لتلقي 1575 طنا من القنابل المتفجرة والحارقة على المدينة.
استمر القصف البريطاني 22 دقيقة حيث ألقيت آخر قنبلة في حدود الساعة الثامنة واثني عشرة دقيقة مساء لتشهد بفورتسهايم بعد ذلك بدقائق ظهور عاصفة نارية التهمت مناطق واسعة منها وأجبرت الكثيرين على القفز والموت غرقا بنهر المدينة. وعلى حسب الطيارين البريطانيين، ارتفع الدخان لأكثر من 3000 متر في سماء بفورتسهايم، كما كان من الممكن مشاهدة النيران من على بعد 160 كلم.
أسفر القصف البريطاني عن مقتل 17600 من سكان بفورتسهايم، أي ما يقارب ثلث سكانها، حسب التقارير الرسمية، حيث توفي أغلبهم إما حرقا أو اختناقا بينما أصيب عشرات الآلاف بحروق مختلفة، فضلاً عن ذلك تحولت المدينة إلى كومة خراب عقب القصف حيث دمّر ما يزيد عن 80% من مبانيها.