ترأس رئيس أساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران ادوار ضاهر، قداسا احتفاليا في كنيسة النبي ايليا الغيور في شكا، لمناسبة الصوم الكبير، بدعوة من كاهن الرعية الاب باسيليوس غفري ووكلاء الوقف والحركات الرسولية في الرعية. شارك في القداس رئيس الاكليريكية الكبرى الارشمندريت ماريو ضاهر، الارشمندريت ساسين غراغوار، المونسنيور انطوان ميخائيل، والأبوان سايد قزحيا ويوحنا الحاج، بحضور رئيس بلدية شكا فرج الله كفوري وحشد كبير من المؤمنين، وخدمت القداس جوقة الرعية بقيادة المرنم ايلي واكيم.
وخلال القداس منح المطران ضاهر الاخ أليوت رعد رتبة شماس، متمنيا له التوفيق في خدمته ورسالته الجديدة، وسط الزغاريد ورش الورود.
بعد الانجيل المقدس، ألقى ضاهر عظة تمنى فيها “ان يتمكن اللبنانيون من التغلب على كل الصعوبات التي تواجههم، خصوصا الازمتين الاقتصادية والمعيشية، وانتشار ما يعرف بفيروس كورونا”، مشددا على “ضرورة الوحدة بين اللبنانيين واحترام الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى في حفظ أمن الوطن والمواطنين، إضافة الى الحفاظ على وحدة الصف اللبناني ومشاركة جميع أطياف المجتمع في إيجاد حل للأزمة الراهنة”.
وقال: “في هذا الأحد المبارك، تكرم الكنيسة الشرقية الذخائر المقدسة. وقد أمر بإقامة هذا العيد المطوب الذكر البطريرك مكسيموس الثالث مظلوم سنة (1843) الاحتفال به وجمع وألف القطع التي تتلا في هذا الاحتفال”.
أضاف: “إن الكنيسة، عندما وضعت في الأحد الثاني تكريم الذخائر المقدسة، أرادت تذكير الإنسان بأنه مقدس. وعندما تأملنا في تكريم الأيقونات الأحد السابق، رأينا أن الإنسان هو أجمل أيقونة صنعها الله، وأنه صورة الله ونافذة على السماء للآخرين. في هذا الأحد، تحث الكنيسة المؤمن وتذكره بأن جسده هو هيكل الروح القدس. فحين نقف أمام ذخائر قديس، نشعر بعظمة وخوف ووقار. لنتأمل كم هو عظيم ومقدس هذا الجسد الذي نحمله في حياتنا. فنحن نحمل فيه نعمة الروح القدس الذي حل فينا في سر المعمودية والتثبيت”.
وأردف: “أيها الأحبة، القديسون أكرموا الله في أجسادهم، التي تقدست بالأسرار المقدسة وأعمال التوبة والتقشف والإماتة والصوم والسهر والصلاة. فهم مثالنا في مسيرة الصوم المقدس، ويستحقون إكرامنا لهم. ولهذا يقام هذا العيد ويطاف بالذخائر المقدسة في هذا الأحد.
وذخائر القديسين توضع في المذابح والهياكل لدى تكريس الكنائس الجديدة، ولا يجوز إقامة الليتورجية الإلهية عادة إلا على هيكل يحوي في داخله ذخائر القديسين. أو على قطعة من القماش تعرف “بالأنديميسون” وتحتوي على إحدى الذخائر.
كما في الأحد الأول من الصوم أكرمنا الأيقونات المقدسة. وفي هذا الأحد الثاني نكرم الذخائر المقدسة. وفي الأحد الثالث القادم نكرم الذخيرة المقدسة التي تفوق الذخائر كلها، أعني ذخيرة عود الصليب المكرم. ونقيم الطوافات في هذه الآحاد، لكي ترافقنا في مسيرة الصيام نحو أسبوع الآلام وأفراح القيامة المجيدة”.
وتابع ضاهر: “أما إنجيلنا اليوم فيخبرنا عن بعض اليهود الذين أتوا بمخلع إلى يسوع طالبين، طبعا، أن يحله ويخلصه من عاهته الجسدية. لكن يسوع التفت بشكل غريب إلى هذا المخلع – والشلل أوضح الأمراض ظهورا للعيان – وكأنه لم ير إلا المرض الذي اهتم هو أن يشفيه، وقال للمخلع: “مغفورة لك خطاياك”، ففوجئ اليهود.
تترك لنا هذه الأحداث أسئلة عديدة. ما مفهوم يسوع للخطيئة الذي جعله يتجاهل الحاجة الجسدية ويركز على المرض الروحي؟
لكل إيمان مسيرة وغاية، والإساءة إلى ذلك هو الخطيئة. يحدد القديس سيرافيم ساروف غاية الإنسان المسيحي ب”اقتناء الروح القدس”، لذلك كل ما يعوق هذه المسيرة هو خطيئة.
على كفة هذا الميزان يجب أن نزين الرشوة، والمصلحة، وسائر الرغبات…وليس على موازين عقلانية أبناء هذا الدهر. هذه هي خطيئتنا الكبيرة، كما تقول الرسالة اليوم، أنه إن كان الذين قد أهملوا بشارة جاءت على لسان ملائكة قد أدينوا، “فكم هي خطيئتنا نحن، إن أهملنا خلاصا كهذا” رافضين أن نسعى في طلب النعمة؟.
انطلاقا من هذه النظرة إلى الخطيئة ندرك لماذا أراد المسيح أن يغفر لذلك المخلع خطيئته قبل شفاء أعضائه. بنظرة عقلانية فقط نستطيع أن نتساءل بحق ما هي دواعي الصوم، فهو تعذيب للجسد، أو لماذا الصلاة التي قد تبدو بلاهة، ولكن إن كنا نطلب النعمة الإلهية، فالسؤال يعكس ويصير لماذا لا نصوم، ولا نصلي، ولا نسهر؟ هذه هي صرخة القديس غريغوريوس بالاماس اليوم، أن نتحدى العقلانية ساعين وراء النعمة، وذلك بالصوم والسهر والصلاة، متعالين فوق عالم المنطق الدنيوي. “فالبار بالإيمان يحيا”، حتى إذا ما تقبلنا بالطهارة النعمة الإلهية، ندرك ونستحق كلمة المسيح:
يا بني مغفورة لك خطاياك، وها قد عوفيت فلا تعد تخطئ”.
أضاف: “إخوتي، هؤلاء الحاملون المخلع هم القديسين الذين يحملوننا في صلاتهم، ويحموننا بحضورهم في ذخائرهم المقدسة ليقدمونا للمسيح لكي يشفينا. ونحن أيضا ذخائر حية في الكنيسة نحمل بعضنا البعض في الصلاة والصيام، ونقدم بعضنا البعض إلى المسيح طالبين منه الخلاص ومغفرة خطايانا والشفاء من شلل نفوسنا وأجسادنا. فلنجعل تأملنا وصلاتنا في هذا الأسبوع من أجل تقديس أجسادنا والبيئة التي نعيش فيها، ولنتذكر دوما قول القديس بولس: “أما تعلمون أن أجسادكم هي هياكل للروح القدس”.
وقال: “لا معنى لوجود شماس في الكنيسة ولا معنى لوجود كاهن في الرعية إذا لم يرتبط هذا أو ذاك ارتباطا وثيقا بالناس. فالشماس أو الكاهن لا يعمل لذاته أو لعائلته أو لأي فئة من الفئات. إنه في خدمة الناس أيا كان شكل هذه الخدمة، سواء وكلت إليه خدمة رعية أو أي مهمة أخرى.
إنه أولا مبشر بكلام الله. هذا هو الأساس الذي تبنى عليه كل الخدمات. فعالمنا يحتاج إلى سماع كلام الله لأنه نورنا وحياتنا والمرجع الذي نعود إليه في كل مواقفنا.
فالواجب الأول للشماس هو نشر بشارة الإنجيل ليستنير الناس بها ويتبنوها في حياتهم الخاصة وفي علاقاتهم العائلية والاجتماعية. كذلك لا بد أن نذكر بأن الكاهن أو الشماس هو أولا خادم المحبة. وبخاصة للبعيدين عن الكنيسة، للمرضى والضعفاء والحزانى والمسنين، على مثال المسيح، يخدم الشماس الجميع بدون استثناء وخدمته فقط هي سبب قداسته.
باسمي الشخصي وباسم جميع أخوتي الكهنة الملتئمين حول هذا الهيكل المقدس وهذا الجمهور الحاضر، أهنئك أيها الشماس إليوت لاختيارك النصيب الصالح، ببدء مسيرتك الجديدة، مسيرة القداسة والتضحية وبذل الذات، واحفظ كلمة الرب وتأملها في قلبك على مثال العذراء مريم، كما أهنئ رفيقة دربك ريموندا وأولادكما كريستينا ماريا، بيار، أنجيلا وإيلي، والأهل ولاسيما والديك العزيزين بيار ونجوى، كما أهنئ، العائلة والأقارب والأصحاب وجميع الذين تعبوا على تربيتك الإنسانية والروحية واللاهوتية ولاسيما القيمين والأباء والمعلمين في معهد اللاهوت في إكليريكية مار أنطونيوس البدواني في كرم سده، وستجد في قلب مطرانك وإخوتك الكهنة محبة كبيرة وعاطفة الأب لأبنائه واحترام الأب لأخوته. باركك الله وثبت خطواتك في طريق القداسة والبر”.
وختم:” لا يسعني إلا أن أوجه كلمة شكر خاصة إلى مختلف اللجان والهيئات والأصدقاء الذين تولوا بعفوية وأريحية، الشؤون التنظيمية والتكريمية التي سبقت ورافقت هذا الاحتفال، وفي مقدمهم قدس الأب العزيز باسيليوس غفري كاهن الرعية الغيور، ولجنة الوقف، وجميع أبناء الرعية والحركات الرسولية والأخويات والشبيبة والجوقة والذين شاركونا هذا الاحتفال، رئيس إكليريكية القديسة حنة في الربوة الأب ماريو بو ضاهر مع الأخوة المحترمين، ورابطة الأخويات (طلائع وشبيبة العذراء في إقليم البترون)، كما أشكر رجال الصحافة والإعلام المقروء والمسموع والمرئي وخصوصا تيلي لوميار – نور سات التي تنقل وقائع هذا الاحتفال مباشرة، وشكري الكبير لكل ضباط وعناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والشرطة البلدية”.
وبعد القداس طاف المطران ضاهر والآباء والمؤمنون في محيط الكنيسة، حاملين ذخائر القديس باسيليوس الكبير وجاورجيوس المظفر، وسط التراتيل الدينية وقرع الاجراس، ومن ثم مسح ضاهر جميع المشاركين في القداس بالزيت المبارك.