خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه-
في الطريق، سيراً على الأقدام، للعزاء بوالد الصديق طارق كرامي في جامع السلام (لن ننسى ولن نسامح)، تستوقفك محطّات عديدة لمن رحلوا، وقد تركوا في القلب كما في المدينة أثراً يفيض طيبة وعلامات فارقة!
هنا ال Pain Dor.هنا كتب جبّور الدويهي روايته العالميّة “مطر حزيران”.”جبّور” الأكثر وفاءً لمدينة طرابلس، يصرّ على النزول اليومي إليها صيفاً من إهدن، من أجل فنجان قهوة مرّة في مقهى الأندلس، ونصف صحن من الحمّص المطحون في مطعم الدنون، دون أن ينسى المرور بالبينكي لحديث عابر وعميق في أكثر الأحيان.”جبّور” الذي غادر على عجل، تراه عند مرورك يكتب بشغف على لابتوبه فوق طاولة عند زاوية، لا تزال تتوقّع عودته في كلّ حين!
هنا ال Maison du Café قبل أن تحلّ مكانها باتيسيري Bouche Sucree، وقبل أن يرحل “العميد” وترحل معه جرأة قلّ مثيلها في رجالات كثر. في مختلف تقلّبات المدينة وظروفها الصعبة والدامية أحياناً، طالما أصرّ على ما هو عليه، رغم المخاطر والمحاذير، أي أن يقدّم المشروبات الروحيّة لمن يفتّش في قلب طرابلس عن قنّينة بيرة مثلّجة على رصيف مقهاه الواسع، أو عن كأس نبيذ أحمر في مطعم Entrecote الملاصق.العميد معن ضنّاوي كان صلباً إلى حدّ التهلكة، وإلى حدّ أن تستوقفك ذكراه فور عبورك السريع!
في الطابق الأوّل من المبنى نفسه، هنا وسيم عزّ الدين.إنّه الرجل الذي تعاطى السياسة بشيء من الهواية، والذي تعاطى الأعمال في المملكة السعوديّة دون أن يخسر شيئاً من قلبه وبساطته وطراوة البسمة واللسان.لم تصنع منه الثروة رجلاً آخر.عاد كما ذهب مهندساً بسيطاً، رغم ما جناه عرق جبينه من ملايين وملايين..رحل، تاركاً وراءه إسماً ناصع البياض، كثلج يبرق تحت أشعّة شمس حارقة!
في الطريق إلى العزاء، تعزّي نفسك بذكريات وأسماء يفوح منها عطر الليمون الذي غلبته حضارة الإسمنت!