اعتبر الصحافي روبرت فيسك في مقال نشرته “اندبندت” ان هناك أوجه شبه مؤلمة بين القانون الإسرائيلي لأملاك الغائبين عام 1950، الذي سيطرت فيه إسرائيل على أملاك الفلسطينيين، الذين شردتهم عامي 1947- 1948، وبين قانون الإسكان الذي أعلنت عنه الحكومة السورية ، مشيرا إلى أنه محاولة خفية لتشريد عشرات الآلاف من السوريين، لكنه لن يساعده على الانتصار في الحرب.
ورأى الكاتب ان “قانون 10 يبدو كأنه عملية تهجير سكاني للمناطق التي انتفضت ضد الحكومة السورية بعد عام 2011، وحتى داخل حدود المدن يقول الكثير من السوريين إنه سيتم تجريد عشرات الآلاف من بيوتهم، خاصة في المدن الكبرى التي دكت دكا، وتم تحويلها إلى صورة مصغرة عن ستالينغراد أو درسدن؛ بسبب سنوات القتال، ولن ينتفع من القانون إلا النظام الذي أصدره، خاصة أن الممتلكات التي لن يتقدم أحد بإثبات الملكية لها ستحول إلى ملكية الدولة”.
ويتساءل فيسك عما إذا كانت هذه هي الطريقة لتحقيق “المصالحة” التي يتحدث الروس، وحتى الدولة وداعموها، عنها، ويذكر بما قاله الرئيس بشار الأسد العام الماضي: “صحيح أن سوريا خسرت شبابها وبنيتها التحتية.. لكنها حصلت على مجتمع صحي ومتجانس”.
وسأل الكاتب: “هل هذا ما يريد قانون 10 تحقيقه؟ لأنه يقوم عمليا بحرمان كل شخص عارض النظام، أو فكّر في معارضته، أو كان قريبا من الذين عارضوه، من استعادة ممتلكاتهم، فالنظام لعمل هذا وآلية تطبيق القانون يحملان لمسة شريرة”.
ويشرح فيسك الطريقة التي يعمل فيها القانون الجديد: “فالمناطق المدمرة في سوريا سيتم الاعتراف بأنها مناطق لإعادة التطوير والإعمار، وحتى تثبت ملكيتك للعقار المدمر أو المصاب بأضرار فإن عليك المثول شخصيا بإثباتات الملكية، وخلال 30 يوما، وبالتأكيد فلا أحد من الذين يعيشون خارج البلد وعارضوا الحكومة يمكنهم الحضور، ولا أحد من عشرات الآلاف ممن يعيشون خارج مناطق النظام وهربوا من الخدمة العسكرية ويواجهون أوامر بالاعتقال”.
ويتابع الكاتب: “عندما طرحت الموضوع مع مسؤول بارز في غرفة التجارة السورية، أجاب: لا مشكلة، فيمكن لأصحاب الأملاك تفويض قريب أو محام لإثبات ملكيتهم، وهذا صحيح، فيمكن للقريب الرابع أو الخامس التقدم بإثبات الملكية، إلا أن التفويض بالوكالة يحتاج إلى إذن أمني، الذي لن يمنح لو كان الأقارب يمثلون أشخاصا على قائمة المطلوبين للدولة، وهذا كله قبل أن نواجه يأس ملايين السوريين الذين حرقت أوراق ملكيتهم في بيوتهم أو مؤسسات الحكومة أثناء القتال، فإن لم تكن معك أوراق فكيف ستثبت ملكيتك للأرض؟”.
ويشير فيسك إلى أن “لبنان، الذي يدعم الكثير فيه النظام السوري، ومنهم رئيس الجمهورية، انتقدوا قانون 10؛ لأن لدى لبنان أكثر من مليون نازح سوري فروا مثل الفلسطينيين في عامي 1947 و1948، وربما لن يعودوا أبدا”.
وتنقل الصحيفة عن وزير الصحة ونائب رئيس الوزراء غسان حاصباني، قوله لقناة تلفزيونية سعودية إن الكثير من السوريين في لبنان فقدوا أوراقهم الثبوتية، وتم منع بعضهم من العودة إلى بلادهم؛ بسبب الخوف على حياتهم أو محاكمتهم، فيما تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن 11 مليون نسمة شردوا داخليا وفي الدول المضيفة أثناء الحرب.
ويلفت فيسك إلى أن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل لم يتلق ردا على رسالته من نظيره السوري وليد المعلم، ومن الأمين العام للأمم المتحدة، والتي عبّر فيها عن قلقه، وكتب فيها: “إن عدم قدرة النازحين على إثبات ملكيتهم في الفترة المحددة قد يؤدي إلى خسارتهمم ممتلكاتهم، والشعور بفقدان الإحساس بالهوية الوطنية، ما يحرمهم من أهم حوافز العودة إلى سوريا”.
ويعلق فيسك قائلا إن “هذا لا يعني أن لبنان يريد الدفاع عن النازحين السوريين، بقدر ما يريد منهم مغادرة أراضيه، ويعد المسؤولون اللبنانيون قانون 10 بمثابة تثبيط لعزيمتهم؛ لأنه قد يجردهم من بيوتهم التي سيعودون إليها”.
ويقول فيسك:”بالنسبة لحاصباني فإن الاعتراض واضح على تنفيذ القانون والإطار الزمني 30 يوما ليتقدم السوري بالأوراق الثبوتية، أما بالنسبة لمعارضي الأسد فإن الأمر بسيط، حيث يقوم النظام بتجريد معارضيه السنة من ممتلكاتهم بهدف إعادة بنائها وبيعها بأرباح مرتفعة، وهذا نوع من التطهير العرقي؛ لأن النظام سيسمح لحلفائه الشيعة، بمن فيهم أبناء الطائفة العلوية، بالعيش في المناطق التي سيعاد بناؤها”.
ويتساءل فيسك: “لماذا تتعجل الحكومة السورية والحرب لم تنته بعد؟ فهل هناك داع لإصدار هذا القانون ضد الفقراء واللاجئين والنازحين؟”.
ويتساءل الكاتب عن سبب صدور قانون 10، قائلا: “شاهدنا مصادرة الأراضي في عهد الجمهورية العربية المتحدة، وتأميم 23 مصرفا خاصا، وفعل النظام البعثي في الفترة ما بين 1963- 1965 الأمر ذاته، وعلى نطاق أوسع، وانهارت معظم الشركات في تلك الفترة؛ بسبب الفساد وسوء الإدارة، وهذا كله يظل على نطاق أصغر من قانون 10، الذي يطرح أسئلة مهمة عن سوريا، التي يريد الأسد رؤيتها بعد وقف سفح الدم، فهل هذا هو المجتمع الصحي الذي تحدث عن رغبته في إنشائه العام الماضي؟”.
(إندبندت ـ عربي 21)