في المعلومات أنّ الديبلوماسية الاميركية صُدمت بنتائج قمة طهران. ومكمن صدمتها جاء من الموقف الروسي الذي بدا غير متفاهم مع العناوين الاميركية وظهر ذلك واضحاً في إدلب.
فالطائرات الروسية والسورية كانت واكبت انعقاد القمة بغارات جوية أرادت منها توجيه رسائلها الى الاميركيين وخصوصاً الى الوفد التركي المشارك في القمة. وما أن أقفلت القمة على فشل حتى التهبت إدلب بغارات روسية- سورية كثيفة.
قد تكون روسيا مستاءةً من الاستهدافات الجوّية المتكرّرة التي شنّتها طائرات الدرونز على قاعدتها في حميميم والتي انطلقت من إدلب بموافقة تركية ورعاية اميركية. لذلك فإنّ المرحلة الأولى من العملية العسكرية والتي ستبدأ قريباً ستتركّز على حماية امن قاعدة حميميم العسكرية والسيطرة على أطراف محافظة إدلب اضافة الى مناطق ملاصقة لمحافظات حماه وحلب واللاذقية، قبل العودة من جديد الى التواصل التفاوضي بين روسيا والولايات المتحدة الاميركية حول كيفية صياغة الحلّ والتصوّر السياسي المستقبلي لسوريا وللدستور.
ذلك أنّ المشكلة في إنجاز حلٍّ عسكري كامل هي وجود حوالى 40 الف عنصر مسلّح ليس لديهم طريق للفرار، أضف الى ذلك أنّ تركيا والتي تُمسك بالكثير من المفاتيح الميدانية الأساسية تتقاطع مصالحُها في إدلب مع مصالح الاميركيين.
صحيح أنّ موسكو كانت أرسلت قوات من المجموعات الخاصة في الجيش الى إدلب وستشارك في عملية تأمين أجواء قاعدة حميميم، إلّا أنّ الرئيس الروسي حاذر دائماً وما يزال من الغرق في وحول الحرب واستنزاف قواته ما يشكّل ضربةً داخلية قاسية له بعد جحيم افغانستان ايام الإتّحاد السوفياتي.
أما الجيش السوري فباشر تعاوناً عسكرياً مع الأكراد وهو ما فاقم من القلق التركي. ووفق مصادر ديبلوماسية فإنّ الرئيس التركي لم يُخفِ ذلك خلال أعمال القمة الثلاثية. فهو ركّز على تعاظم «خطر» الأكراد عند حدوده والمساحة الواسعة التي باتوا يسيطرون عليها والتي تقارب 26 % من مساحة سوريا الإجمالية والتي تشمل مناطق «بترولية». لكنّ الأخطر ليس في الوحول التي ستحيط بمعارك إدلب انما بالفوضى التي ستنتج عن التناقض الاميركي- الروسي.
واشنطن سارعت للإعلان عن بقاء قواتها في سوريا، وباشرت بمناورات عسكرية في جنوب شرق سوريا بالقرب من قاعدة التنف في رسالة موجّهة بوضوح لروسيا التي من المفترض أن تكون الضامنة الدولية للجنوب السوري.
كذلك فإنّ الرئيس الاميركي دونالد ترامب الجريح يتحدث عن خيارات عسكرية في سوريا تدرسها القيادة العسكرية.
ولكنّ الأهم أنّ الفوضى التي تنتظر الساحة السورية تبدو مرشحة لأن تشمل أكثر من ساحة وفي طليعتها العراق واليمن وحتى الساحة الفلسطينية حيث يُجرى تصفية وكالة الأونروا والضغط على السلطة الفلسطينية للذهاب الى طاولة المفاوضات لإنجاز كونفدرالية أردنية- فلسطينية تؤدّي الى تكريس يهودية إسرائيل.
في تشرين الثاني المقبل المرحلة الثانية من الضغوط على إيران وأيضاً انتخابات نصفية اميركية ستفتح الباب أكثر فأكثر على احتمالات إزاحة ترامب وهو ما قد يزيد من نسبة قراراته المتهوّرة.
صحيح أنّ قرار الانجرار باتّجاه حرب واسعة في الشرق الاوسط غير موجود حتى الآن على الاقل، لكنّ جميع الأطراف الاساسية تستعدّ للحرب كما لو أنها واقعة غداً. ولا جدال بأنّ المدخل الى هذه الحرب سيكون عبر لبنان بين الجيش الاسرائيلي و«حزب الله». فإسرائيل ما برحت تجهّز جيشها لخوض هذه الحرب والتي «تهندس» لها على أساس انها ستكون مختلفة كثيراً عن سابقاتها، وكذلك «حزب الله». ويكاد لا تمر فترة قصيرة إلّا ويجري الجيش الاسرائيلي مناورات واسعة تحاكي الحرب مع «حزب الله».
فعدا الصواريخ التي تعتقد إسرائيل أنها تناهز المئة وخمسين ألفاً والتي أصبح بعضُها دقيقاً، يتحضّر الجيش الاسرائيلي لكيفية مواجهة مجموعة الرضوان لدى «حزب الله» المتخصّصة باجتياز الحدود والقتال في الداخل خصوصاً وأنّ عناصر هذه المجموعة شاركت في معارك حلب ومناطق أخرى صعبة واكتسبت خبرات قتالية كبيرة يفتقد اليها الجيش الاسرائيلي.
الإيكونوميست البريطانية كانت قد وصفت هذه المجموعة بالقادرة على القتال في الجبال والتلال والتقدّم بسرعة قلّ نظيرُها وهي على درجة عالية من الاحتراف. واعتبر المحلّل العسكري الإسرائيلي «بن كاسبيت» أنّ مجموعة الرضوان قادرة على السيطرة بسرعة على مواقع إسرائيلية وتحقيق انتصار نفسي هائل على إسرائيل التي لم تخسر أرضاً منذ حرب 1973.
لكنّ الحرب المقبلة إذا وقعت لن تشبه سابقاتها، فإسرائيل تدرك أنها غير قادرة على تكرار خسارتها العسكرية. لذلك ستكون الحرب اوسع بمعنى إنزالات إسرائيلية تصل الى شمال لبنان وتطال جبالاً استراتيجية وهو ما يفسّر التركيز الاسرائيلي على المظلّيين. وتتحدّث إسرائيل عن عمليات في العمق اللبناني وأن تقوم بعمليات «خنجرية» بهدف الوصول الى الترسانة الصاروخية لـ«حزب الله» بعدما تعذّر ضربُها من الجوّ.
لكنّ «حزب الله» يجري تحضيراته آخذا بعين الاعتبار النوايا الاسرائيلية. لا بل أكثر فإنّ الجبهة لن تنحصر هذه المرة بلبنان، بل إنّ الرد سيشمل سوريا حيث ستصبح روسيا في وضع العاجز عن ضبط الساحة. لذلك مثلاً تعتقد واشنطن أنّ إبقاء قواتها في شمال سوريا ولو كانت صغيرة إنما سيعرقل تحركات مجموعات «حزب الله» باتّجاه جنوب سوريا.
ويبدو أخيراً أنّ الساحة العراقية لن تكون هادئةً بدورها، ولو بوجود كلام عن احتمال مساندة المدفعية الاميركية من البحر. ويخشى البعض من التهاب الوضع ليس فقط في اليمن، بل في مناطق كثيرة من الخليج العربي اضافة الى غزة.
الصورة المرعبة هذه تشكّل الرادع الفعلي للانزلاق باتّجاه أيّ مغامرة عسكرية، رغم أنّ التحضيرات بين طرفي المواجهة قائمة على قدم وساق وهي تتحدث عن الربيع المقبل كموعد حاسم.
ولكن، إضافة الى توازن الرعب الموجود، إلّا أنّ البعض يتحدث عن ضوابط اخرى تمنع وقوع الحرب ومنها خسارة ترامب الجريح للانتخابات النصفية وانشغاله لاحقاً بالدفاع عن بقائه في البيت الأبيض، اضافة الى أنّ المؤسسة العسكرية الاميركية ترفض الحرب ولو أدّى ذلك الى استقالة كبار مسؤوليها وفي طليعتهم رئيس اركان الجيوش الاميركية.
وثانياً ترجيحات الديبلوماسيين الاميركيين بأنّ مرحلة الضغوط على إيران ستبدأ بالتراجع بدءاً من مطلع السنة المقبلة مع سعي موسكو لتكريس موقعها في الشرق الأوسط ومكاسبها الكبيرة على المستوى الدولي وبالتالي إحياء دورها بين واشنطن وطهران وإيجاد حلول للملف النووي وخصوصاً الملف السياسي.
ولكن بانتظار بدء العام المقبل، لا مبالغة في الحديث عن فوضى خطرة ستسود الأشهر المقبلة.
فوضى الأشهر المقبلة: لا بدّ من الحذر
جوني منير:
لا مبالغة في القول إنّ مزيجاً قاتلاً من الضباب والفوضى يرمي بثقله على الشرق الأوسط. كان من المفترض أن تشكل القمّةُ الثلاثية التي عُقدت في طهران بين إيران وروسيا وتركيا تحوّلاً إيجابياً لصالح الوضع الملتهب في سوريا، إلّا أنها وعلى العكس من ذلك زادت من غموض الصورة ودفعت بالأوضاع للمزيد من التعقيدات.