مع بداية الشهر الثامن لانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية تضيق هوامش الحركة والمناورة أمام الفريق المحسوب على الرئيس، بعدما أسهم هذا الفريق، بالتذاكي والتشاطر حيناً، وبقلة الخبرة والغرور أحياناً كثيرة، في إطالة فترة التعثر لانطلاقة العهد، وتضييع حالة الزخم الطبيعية التي ترافق بدايات كل عهد جديد عادة!
وواقع الأمر أن «التيار الوطني الحر» ورئيسه، لم يوفقوا في اختيار الخطوات الأولى التي تُسهّل انطلاقة العهد، وتحقق نقلة نوعية فارقة، عمّا كان عليه الوضع في فترة الشغور الرئاسي، وما رافقها من تأزم واهتراء في أداء المؤسسات الدستورية، إلى حد التعطيل المتعمّد لمجلسي النواب والوزراء، الأمر الذي تكرر في مطلع العهد الحالي بالنسبة للسلطة التشريعية، وكاد أن يمتد الى السلطة التنفيذية، بسبب معارضة انعقاد مجلس الوزراء لأسابيع، بحجة مناقشة المشاريع الانتخابية في اللجنة الوزارية!
لقد ذهب «فريق الرئيس» أبعد من ذلك، عندما رفع سقوف الخطاب الشعبوي، وخاض في مزايدات طائفية وفئوية، سرعان ما تحول إلى أسيرها، بعدما جوبه برفض معظم طروحاته، حتى من أقرب الحلفاء إليه.
وعوض الاستفادة من وقوف أكثرية سياسية ونيابية وازنة إلى جانب الرئيس، وسرعة تأليف الحكومة، قياساً على الحكومات التي سبقتها، وتوظيف الدعم العربي والغربي لعودة العافية إلى المؤسسات الدستورية والاستفادة من كل ذلك، لتأمين انطلاقة مريحة للعهد، تُعزّز الرهانات الداخلية والخارجية على ترسيخ الاستقرار اللبناني، واستعادة الثقة بقدرة لبنان على تجاوز الصعوبات، وتداعيات فترة الشغور الخطرة!
عوض البناء على تلك القواسم المشتركة، بادر الوزير جبران باسيل إلى طرح خطاب «تصحيح التمثيل المسيحي» في المشاريع الانتخابية التي طرحها تباعاً، والتي أثارت زوبعة من الخلافات والنقاشات، أجهضت طروحاته في المهد، وأدت إلى انتقال المبادرة السياسية إلى أطراف أخرى، بينهم الخصم، ومنهم الحليف للتيار الوطني!
ثمة من يعتقد أن «تصحيح التمثيل المسيحي» انطلق، بل وتحقق جزء مهم منه، بوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية تحت شعار «الرئيس القوي»، وبالتالي فإن اللهث وراء «تصحيح التمثيل المسيحي» في المشاريع الانتخابية، لم يكن ضرورياً، بعدما تبين أن بعض الأطراف السياسية يهمها عرقلة انطلاقة العهد، و«فركشة» تنفيذ الشعارات والوعود التي وردت في خطاب القسم!
وجاءت اقتراحات الصوت التأهيلي في القضاء، على القاعدة المذهبية والطائفية، لتكشف مدى ابتعاد «حزب الرئيس» عن الطروحات الوطنية، التي تؤكد على الشراكة بين اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم، والتي تُعزّز الممارسة الديمقراطية وتحريرها، ما أمكن، من القيود الطائفية والمذهبية.
وعندما سقط الصوت التأهيلي، سارع إلى طرح عملية نقل عدد من المقاعد المسيحية من الأقضية ذات الغالبية المسلمة إلى الدوائر ذات الأغلبية المسيحية، الأمر الذي يعتبره البعض بمثابة عودة مقنعة إلى المشروع الأرثوذكسي، وما قد يثيره من عواصف سياسية، واستفزازات طائفية، قد تصل إلى حدّ فتح جهنم المزايدات، من كل حدب وصوب، ويعيدنا إلى طرح المناصفة من جديد، والعودة إلى الديمقراطية العددية!
هل هكذا نحمي لبنان، الصيغة والكيان، في زمن العواصف الهوجاء التي تتربص ببلدان المنطقة؟