تدعو مصادر ديبلوماسية واسعة الإطلاع على العلاقات اللبنانية – الغربية، لبنان إلى الاستفادة من الفرصة المتاحة حالياً في رغبة المجتمع الدولي في مساعدته لتحسين اقتصاده والبنى التحتية، في إطار دعمه لإيواء اللاجئين السوريين، واقتناصه الفرصة يعني التفاتة لمصلحته، وجعل العالم يستثمر فيه، وينمّي اقتصاده. فالاردن حصل على تمويل دولي كبير مقارنة بالدول الأخرى التي تأوي لاجئين. وإذا حصل، أو أُنجز الحل السياسي في سوريا، يأخذ لبنان حصة كبيرة من عملية إعادة الإعمار. واستفادته من الطرف الدولي، لا علاقة لها بمستقبل وضع اللاجئين في لبنان والخوف من مؤامرات ما.
وتؤكد المصادر، أن أهم ما يفعله لبنان في هذا المناخ، وضع مشروع جدي على الطاولة لمساعدته اقتصادياً كونه يأوي نازحين. وهو مستعد أن يلبّي ويدفع التمويل اللازم. وهذا ما يؤثر في المجتمع الدولي أكثر من الشكوى من كثرة الأعداد ومن عدم القدرة على التحمل، ومن الشكوك حول مصيرهم. وتشير إلى أنه صحيح أن الدول تطلب من لبنان أن لا يعمل على عودة النازحين إلى بلادهم حالياً، وتعارض فكرة اعادتهم إلى المناطق المستقرة في سوريا سواء كانت في يد النظام أو المعارضة على السواء، لأنها تعتبر أن اعادتهم في هذه الظروف تشكّل خطراً عليهم ويمكن للنظام أن يقتل أو يسجن مواطنين هم من المعارضة إذا دخلوا مناطقه «الآمنة». لكن على الرغم من هذا الموقف الدولي، إلا أن أية دولة لم تقل أن على لبنان توطينهم ومنحهم الجنسية ولا هذا مطلوب أساساً.
وتقول المصادر، من المؤكد أن لبنان لن يقبل بتوطينهم، كما لم تطرح أية جهة دولية ذلك. لكن طرح اعادتهم إلى مناطق هادئة في سوريا يعارضه المجتمع الدولي لسببين:الأول، أنه طالما لم تحل الأزمة السورية، لن يقبل أحد بإعادتهم. وهذه الأزمة غير واضحة المصير، والأوروبيون لا يريدونهم أن يأتوا إلى أوروبا، لكن من دون أن يكون لديهم نية بأن يبقوا مدى العمر في لبنان. ثم أن المناطق التي تعتبر هادئة ليست مستقرة. فتارة يحتل النظام منها، وتارة تعود المعارضة إليها.
وهذا الخيار مطروح داخلياً، أيضاً لسببين، أن بعض الأطراف في لبنان تهدف من وراء ذلك إلى فتح قنوات الإتصال بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية حول اعادتهم إلى المناطق الهادئة، ثم للإفساح في المجال أمام الحكومة السورية من أجل الإتصال مع الغرب للحصول على مساعدات إنسانية لهؤلاء. والإتصال بين الحكومتين غير مقبول دولياً وكذلك من افرقاء في الحكومة على خلفية النزاع الطائفي الذي فرضته الأحداث السورية. والدول لا تقبل بعودتهم إلا في ظل ظروف إستقرار في المناطق التي يعودون إليها. فضلاً عن أنها تعتبر أن النظام يقوم بتطهير ديني وعرقي في مناطقه.
المشكلة تكمن في أن لا أحد يعرف كيف ستحل الازمة السورية. انما الأجواء الآن التي تصدر عن جهات خارجية حول الإبقاء على ١٢ مليون سوري في سوريا، والإبقاء على من هم خارج سوريا حيث هم، هو كلام مرحلي آني طالما لا حل في سوريا، وليس كلاماً مستقبلياً، المجتمع الدولي يريد في ظل إنعدام الحل، أن يبقى اللاجئون حيث هم. الا أن الطرح الدولي بوجود مناطق آمنة في سوريا، يعتبر مشروعاً دولياً كبيراً، انما لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ، وتركيا تشدد على قيام هذه المنطقة، ويبقى القرار للأميركيين والروس معاً.
أما بالنسبة إلى التخوف من أن يتحمل لبنان وجود اللاجئين السوريين على أرضه لمدة طويلة، والتخوف من إمكان توطينهم، فتفيد مصادر ديبلوماسية بارزة، أن المناطق الآمنة في سوريا تحل الموضوع جزئياً. كما أن المعالجة يجب أن تبدأ منذ الآن، بدلاً من الإنتقادات والشكوى والحديث عن مؤامرة. وبالتالي، هناك مبدأ السيادة للدول على اراضيها، أي المبدأ العام هو العودة. لذلك أن موضوع إبقاء اللاجئين في الدول مبدأ سيادي لا يمكن لأية جهة فرضه على لبنان. لكن لبنان يستطيع الخروج مما قد يفرض عليه، تسويق فكرة أن إبقاء اللاجئين في الدول حيث هم هو مبدأ سيادي لا أحد يفرضه. ويستطيع لبنان أيضاً البحث مع الدول بتقاسم عادل للأعباء بين الدول وهو مبدأ عام.
ويمكنه الخروج من التوطين بإضافة عبارة إلى مبدأ عودة اللاجئين إلى بلادهم، وهي بقاؤهم في الدول بما يسمح دستورها. إذ أن حق العودة في الأساس يتم خلال تخيير اللاجئين بين العودة وعدمها. وبالتالي الدستور اللبناني لا يسمح بالتوطين. عندما انعقدت القمة العربية في بيروت في ٢٠٠٢ جرى بحث مسألة توطين الفلسطينيين. وقد رفض لبنان وربط القبول بالتوطين لدى الدول التي تستطيع ذلك ودستورها يسمح به.
المناطق الآمنة قد تتحقق وقد لا تتحقق، لكن لا يستطيع لبنان إلا أن يحتاط لكل شيء ويسعى بمجهود فعلي للحؤول دون ما يعارضه دستوره.
(المستقبل)