لكن ما حصل انّ حادثة قبر شمون وما تلاها أغرقت الساحة اللبنانية بأزمة تكاد تهزّ ركائز الحكومة، وهو ما دفع بالمعنيين خلال الايام الماضية لطرح الاسئلة واستكشاف الأبعاد الاقليمية لهذه الازمة، وانّ هنالك من يود إرسال رسائل مشفرة عبر صندوقة البريد اللبنانية.
لكن الجواب الذي توصّل اليه الجميع من اوساط داخلية او ديبلوماسية خارجية بأنّ التعطيل الذي يجمّد الحكومة ويهدد بهز ركائزها لا علاقة له بأي أبعاد خارجية، وانّ اسبابه الفعلية تكمن في الرؤوس الحامية.
فالاستقرار السياسي والامني في لبنان هما مطلبان اساسيان يتمسك بهما الغرب والشرق، وبتعبير أدق العواصم الغربية، كما طهران، لما فيه مصلحة الجميع. والدليل على ذلك انّ حلاً كاد ان يبصر النور تضمّن يومها موافقة جنبلاط المبدئية على طرح المجلس العدلي على التصويت في مجلس الوزراء من ضمن بنود أخرى تلحظ لقاء مع النائب طلال ارسلان في قصر بعبدا، وإدلاء جنبلاط بموقف مدروس بعد اللقاء.
لكن جنبلاط سرعان ما تراجع بعد سماعه خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لترتفع معه توجساته وقلقه.
وقيل انّ جنبلاط قال للرئيس سعد الحريري لاحقاً: لقد قسّم السيد حسن خطابه الى جزءين، يتمحور الأول حول القدس والثاني حول قبر شمون.
ومنذ تلك اللحظة صار جنبلاط اكثر حذراً في مقاربته للحلول المطروحة خشية ان تشكل فخاخاً سياسية وقضائية. وبعبارة أوضح بات يعالج هذا الملف من زاوية «معركة وجود» ووجود نوايا لتطويقه. وهو يراقب بحذر وبكثير من الريبة اندفاعة ارسلان وتعاضد حلفائه من خلفه، وعلى اساس انّ هنالك فرصة لتوجيه ضربة لجنبلاط قد لا تتكرر دائماً.
لكن في الواقع لم تظهر اي بصمات خارجية لها علاقة بترتيب جديد للمعادلة اللبنانية.
فعَدا اهتمام الاميركيين والفرنسيين بجنبلاط وإعادة الغطاء الدولي فوقه، وهو ما كان قد افتقده واشتكى منه خلال المراحل الماضية، فإنّ اي رسائل خارجية لم تُرصد لناحية تعطيل الحكومة او تطييرها، كما يلوّح البعض بقصد «البهورة» لا أكثر.
فحين وقعت حادثة قبرشمون كان «حزب الله» منزعجاً من الحسابات الخاطئة وتهوّر بعض حلفائه، فالتوقيت خاطئ ويجب التفرغ للصراع الاميركي – الايراني.
ووضع «حزب الله» سلّماً من 3 درجات لكيفية تعامله مع الازمة الحاصلة:
أولاً ـ اعتماد حلول تصالحية، وهو ما عبّر عنه بوضوح البيان الصادر عن كتلة «الوفاء للمقاومة».
ثانياً ـ دعم حليفه طلال ارسلان في موقفه المطالب بالمجلس العدلي، ولو انه لم يبادر مسبقاً للتنسيق معه.
ثالثاً ـ المحافظة على الحكومة وعدم الدخول في متاهات تهدد مصيرها.
لكنّ خطاب السيد نصرالله جاء قوياً وجديداً من نوعه في طريقة انتقاد جنبلاط.
يومها ارتفع منسوب حذر جنبلاط الى الحد الاقصى، وتجمّدت مبادرة مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم.
وصار ارسلان أسير موقفه حيال إحالة القضية الى المجلس العدلي، وهو قال انه لم يعد قادراً على تبرير اي تراجع له أمام شارعه. فهو متمسّك بمطلبه ومتسلح بدعم حلفائه له و»ليسقط في التصويت في مجلس الوزراء، المهم أن آخذ حقي بأنني أحلتُ مطلبي على الحكومة».
في المقابل، إنّ جنبلاط ينظر بارتياب الى ما يمكن ان يكون فخاً، ذلك انّ وقوف «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» خلف ارسلان قد يؤدي الى إغراء او ربما «إرهاب» أحد وزراء الحريري ودفعه للانتقال الى الضفة الاخرى وتمرير المجلس العدلي، ومنه الذهاب لاستدعاء الوزير اكرم شهيّب، وربما الذهاب أبعد من ذلك.
ويعلم جنبلاط أنّ «حزب الله» منزعج الى أقصى الحدود منه، خصوصاً انه قرأ موقف جنبلاط حيال مزارع شبعا من زاوية خارجية وجعله في استياء بالغ. وجاء الاهتمام الاميركي والفرنسي المتجدد تجاه المختارة ليرسم الكثير من علامات الاستفهام حيال المهمة المطلوبة من جنبلاط مستقبلاً. لكنّ ارتياب جنبلاط وحذره لا يعني بالضرورة انّ «حزب الله» يريد ان يتحرك الآن ليطوّقه.
رغم ذلك فإنّ جنبلاط لا يريد فتح نوافذ قد تدخل منها الرياح في المستقبل القريب.
وما بين معركة الوجود لجنبلاط والفرصة التي لا يريد ارسلان تفويتها يتأرجح مجلس الوزراء ويهتزّ، ولو من دون وجود أفق خارجي. فالسفيرة الاميركية لم تبدِ أمام سائليها قلقها من الاستقرار الداخلي في لبنان، إذ قالت إنّ اللبنانيين في الغالب يبتكرون الحلول عندما يصلون الى حافة الهاوية تماماً كما حصل مع الموازنة.
وقد يكون البعض حاول «اجتراح» هذه الحلول من خلال ترتيب مقايضة بين التعيينات والمجلس العدلي.
لكنّ ارسلان رفض ربما لثقته بأنه سيحظى بحصّة «حرزانة» تقارب الثلث في ملف التعيينات الدرزية، متكئاً على تطمينات الوزير جبران باسيل.
وهو ما يعني صراعاً آخر سيهزّ الحكومة في حال تجاوز أزمة قبرشمون، وحيث تشير المعطيات الى انّ سلة «القوات اللبنانية» ستكون فارغة في التعيينات المسيحية.