بشارة شربل:
لم تكن التسوية الرئاسية التي أجلَسَت العماد ميشال عون في كرسي بعبدا أسوأ خيار. كان هناك أسوأ منها، وهو أن يتولى جبران باسيل منصب رئيس الظل بوصفه الوريث الشرعي والوحيد لمن توكَّل بلا تكليف مهمَّة تخليص لبنان.
و”الصهر الرهيب” الذي وُصف بـ “الرجل الذي لا ينام” هو فعلاً ديناميكي وذكي. لكن نتائج لياليه البيضاء ونشاطه الحَرَكي المفرط أهلكت عهداً أوقع معه كل لبنان وأدخله في أزمةٍ جعلته يعجز عن تكليف رئيس للحكومة مؤهّل من قماشة نواف سلام لمباشرة إنقاذٍ عاجل.
لسنا بصدد هجاء جبران باسيل. يكفيه ما قالته عنه الساحات. لا نريد شيطنته أو تحويله “كبش فداء”. فـ”منظومة الفساد والإفساد” المندمج فيها بالتكافل مع قراصنة المصارف و”الكابتن” رياض، مسؤولة كلّها عن الانهيار وعن إفقار اللبنانيين والاحتيال عليهم من التسعينات حتى “العودة المظفرة” من باريس ومشاطرة الفاسدين “كعكة المحاصصة” بشعار “الاصلاح والتغيير”.
لكن، لا بدّ من أن نتوقف عند الصفاقة اللامتناهية، منذ اندلاع انتفاضة الشعب اللبناني: لم يكتف وزير خارجيتنا بالترويج للفتنة وسفك الدماء في مواجهة حراك سلمي حضاري، بل أصرَّ من أعلى المنابر العالمية على التنديد بآمال اللبنانيين وتحذير المجتمع الدولي من عواقب الثورة بلغةٍ خبيثة وضيعة لا تليق برأس الدبلوماسية وخليفة شارل مالك وفيليب تقلا وغيرهما، ولا تناسب موقعاً حَكَمَ اللبنانيون بأنّ شاغِلَه “دون المواصفات”.
من بودابست الى روما ثم جنيف، تسافر مع صحبك على حساب المواطنين الفقراء، او مَن لا يسجّلون املاكهم بأسماء واجهات، ثم تشتم خيرة أهلهم لرغبتهم في تغليب “مواطنية الأفراد” على “طائفية المكوّنات”، ودولةَ القانون على المزرعة التي دخَلتَها شريكاً مضارباً بسهمٍ ذهبي، فسُخّرت لكَ الدولةُ وأجهزتها وأوتيتَ الأتباع في المناصب. وإذ ضاق البرُّ عنك بفضيحة السدود… ملأتَ البحرَ سفيناً بالصفقات، ووعدتَ اللبنانيين بالمنّ والسلوى بعد الكهرباء، فما حصدوا إلا العتمة والتعتير ومرارة الانتظار.
كفاك ترويجاً لكارثة تنسُبُها الى الانتفاضة، وتحذيراً بالياً من أن يحلَّ بنا ما حلَّ بسوريا بفضل أصدقائك في النظام. كفاك استهتاراً بالمجتمع الدولي وابتزازاً بورقة المهاجرين وإطلاق العنان لقوارب اللاجئين. بضاعتك فاسدة بحجم المنظومة التي تنتمي اليها. وليس ذنبُ اللبنانيين تحوّلك “شخصاً غير مرغوب فيه” في عواصم القرار. أوقف هذا البازار. أقلِع عن هذا الهراء.