الانتخابات في عكار تستحق المتابعة هذه المرة؛ ليس فقط لأن النظام الانتخابي يسمح بكسر الأحادية الحريرية التي ورثت الأحادية السورية، وقبلها أحادية البكوات التي تحكمت بهذه الدائرة لعقود، إنما لأن هناك تموضعاً سياسياً واضحاً ومرشحين جدد وأكثر من مرشح يعتقد أنه غرانديزر
لا شيء أكثر من المرشحين إلى الانتخابات النيابية في دائرة عكار هذه الأيام، ولوائح؛ لوائح تذهب بركّاب وتجيء بركّاب آخرين، وسجالات تنتقل من المنطقة والحزب إلى العائلة الواحدة فتجتمع البصارات لمعرفة إذا كان الوالد سيترشح أو ابنه.
والأكيد أن هناك من يتاجر بعيداً عن الأنظار بحبوب الهلوسة التي لا يكاد يتناولها أحد المرشحين حتى يتخيل نفسه «غرانديزر» ويبدأ القول، من دون حياء، إنه قادر على تأمين آلاف الأصوات التفضيلية. أبرز غرانديزر على مستوى لبنان وعكار تحديداً هو وزير العدل السابق أشرف ريفي الذي يعتقد أنه القوة الانتخابية الأولى وسط الناخبين السنة في عكار، فيما تعجز الماكينات التقليدية عن رصد ثلاثة مخاتير ــ ثلاثة لا أربعة ــ يدورون في فلك ماكينته، علماً بأن أرقام الناخبين وفق آخر تحديث أجرته وزارة الداخلية يبين أن عدد الناخبين السنّة يبلغ 186541 ناخباً، مقابل 30617 مارونياً، 37541 أرثوذكسياً و3414 كاثوليكي، ما يعني أن عدد المقترعين المسيحيين لن يتجاوز 35 ألفاً في أفضل الأحوال، مقابل نحو مئة ألف مقترع من الطائفة السنية، ووسط هؤلاء لا ناقة للتيار الوطني الحر والقوات وغيرهما من الأحزاب المسيحية ولا جمل، وإن كان رئيس حزب الكتائب سامي الجميل يواصل «مسرحية» استقبال كتائبيّي وادي خالد بين شهر وآخر. فوسط الناخبين السنّة في عكار، هناك أربعة لاعبين: أولهم، تيار المستقبل الذي تراجع نفوذه كثيراً ولا يمكن الشعور بحجمه الكبير كما كان الوضع قبل سنوات، لكنه لا يزال قوة انتخابية كبيرة لا يستهان أبداً بها.
كل من المستقبل والبعريني وريفي يمثل حجر زاوية أساسياً للائحة، رغم التفاوت في أحجامهم ثانيهم، النائب السابق وجيه البعريني الذي لديه كتلة انتخابية واضحة المعالم أثبتت ثباتها والتزامها معه في أصعب الأيام. ثالثهم، اللواء أشرف ريفي الذي يجد خطابه السياسي صدى وسط الناخبين، لكنه صدى متفلّت لا يمكن تقديره أو وضعه في صندوق أو التيقن من أنه سيقترع يوم الانتخابات كما يريد ريفي، وهذه نقطة ضعف تفرض على اللائحة المدعومة من ريفي أن تبقي يدها على قلبها حتى انتهاء الفرز. رابعهم، من يدورون في فلك المستقبل، لكنهم سينتخبون ضده هذه المرة إذا لم يتبنّ ترشيحهم أو يعمل على استيعابهم. هؤلاء يبدأون عند النائب خالد ضاهر ولا ينتهون عند عشائر وادي خالد. وبناء على ما سبق، يمكن القول إن هناك لائحة يمثل تيار المستقبل حجر زاويتها، ولائحة ثانية يمثل البعريني حجر زاويتها، ولائحة ثالثة يمثل ريفي حجر زاويتها، فيما سيجد المستقبليون الجديون، لكن غير المنضبطين، مكاناً بسرعة على أي لائحة من هذه اللوائح الثلاث. ولا شك أن تفاهم المستقبل مع ريفي أو المستقبل مع البعريني أو البعريني مع ريفي سيؤدي إلى انعطافة كبيرة في العملية الانتخابية في عكار. الأمر المؤثر الثاني هو موقف نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس الذي سيعطي دفعاً مسيحياً كبيراً للائحة المستقبل ويمكنها من معالجة بعض الثغر المالية في حال تحالفه معها، علماً بأن خوضه الانتخابات من دون تفاهم مع المستقبل غير مطروح. أما السؤال الجديّ الثالث، فيتعلق بموقف التيار الوطني الحر. ففي حال تحالف التيار مع المستقبل، سيكون هناك لائحة ثانية قوية جداً. أما في حال عدم تحالف التيار والمستقبل، وبالتالي تحالف التيار والبعريني، فسيكون هناك لائحتان متوازنتان، ولائحة ثالثة يمكن أن تؤمن الحاصل الانتخابي. وهنا يمكن الاستفاضة أكثر:
في حال تحالف تياري المستقبل والوطني الحر في لائحة واحدة، ستتألف اللائحة الثانية من النائب السابق وجيه البعريني، ومرشح قوي من منطقة وادي خالد، ومرشح سنيّ ثالث من ساحل القيطع. ولا شك أن الأصوات العلوية والمرشح العلويّ الأكثر جدية سيكون ضمن هذه اللائحة. أما أرثوذكسياً، فأمام هذه اللائحة مجموعة كبيرة من الخيارات في حال كان العونيون ونائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس أو من يمثله مرشحين على اللائحة الحريرية، فهناك أولاً إميل عبود شقيق رئيس اتحاد بلديات الشفت أنطون عبود، وميزته تكمن في امتلاك عائلته ماكينة قوية تعمل دون انقطاع على مدار العام وعلاقة أكثر من جيدة مع رؤساء بلديات القرى المجاورة لهم. وهؤلاء ينشطون في منطقة عونية بشكل عام، لكن ماكينة التيار الضعيفة مقارنة بماكينتهم والمشاكل الشخصية وحرد بعض العونيين وضعف التواصل تجعلهم أقرب إلى الناخبين بكثير، علماً بأن عبود لن يكون مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكنه سيجد جميع القوميين بقربه. ولا بدّ هنا من القول إن آل البعريني كانوا يفضلون عدم ترشيح عبود لأن ماكينته كانت ستجير الصوت التفضيلي للبعريني إذا لم يكن هو شخصياً مرشحاً. ثانياً النائب السابق عبدالله حنا الذي لا ينطلق من مؤيديه التقليديين في بلدته رحبة، إنما يضاف إليهم رئيس اتحاد بلديات الجومة وبلدية رحبة فادي بربر ويُفترض انتظار المفاوضات السياسية لرؤية إن كان الشيوعيون سيواصلون تحالفهم البلديّ مع حنا في النيابة أيضاً، علماً بأن الحزب الشيوعي حاسم في قراره خوض الانتخابات في جميع المناطق اللبنانية ضد لوائح السلطة، وهذه اللائحة تعتبر في عكار اللائحة المناوئة للائحة السلطة. والجدير ذكره في موضوع حنا أيضاً أنه كان نائباً في كتلة المستقبل بين عامي 2005 و2009، لكنه اليوم واضح وحاسم ونهائي في تأييده للنظام السوري في مواجهة التكفيريين. ثالثاً النائب السابق كريم الراسي الذي ينتظر نتيجة التفاهمات بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية ليتبين إن كان هناك مكان له على لائحة المستقبل أو لا، علماً بأن الحسابات المنطقية تبين أن ترشحه على لائحة المستقبل لا يفيده أبداً لأنه يحتاج إلى عدد أصوات تفضيلية كبير جداً ليضمن فوزه على هذه اللائحة، فيما سيكون منافساً جدياً في حال الحصول على عدد أصوات تفضيلية مقبول على اللائحة الثانية. أما المرشح المارونيّ على هذه اللائحة فيمكن أن يكون النائب السابق مخايل الضاهر الذي يمكن أن يجير للائحة عدداً مهماً من الأصوات، أو المرشح جوزف مخايل، أو المرشح زياد بيطار الذي توحي حركته الانتخابية بأنه لن يتقيد بقرار حزب التيار الوطني الحر وينوي مواصلة الترشح، مسوّقاً لنفسه على «فايسبوك» بطريقة توحي بأنه مرشح «المجتمع المدني» في عكار، علماً بأنه ندد بالتمديد التقني الأخير الذي شارك نواب حزبه فيه واعتبر في مواقفه أن «تمديدكم احتلال». والأكيد هنا أن هذه الخيارات كلها ستبقى قائمة في حال تحالف تياري المستقبل والوطني الحر، أما في حال انضمام التيار الوطني الحر إلى البعريني، فسيقفل الباب أمام جميع هؤلاء المرشحين ليسمي التيار وحده المرشحين المسيحيين. ولن يكون بوسع هؤلاء جميعاً تأمين الحاصل الانتخابي للائحة أخرى من دون البعريني طبعاً.
أما اللائحة الثالثة، التي يقول اللواء أشرف ريفي إنه يدعمها، فتضم ثابتين أساسيين حتى الآن هما العميد المتقاعد جورج نادر الذي يقول إنه يمثل جميع مجموعات الحراك المدنيّ التي نشطت في بيروت، ورئيس الجامعة المرعبية غسان المرعبي الذي ثمة هالة كبيرة بشأن حجمه، لكنه لم يختبر جدياً بعد. ويمكن القول في هذا السياق إن حالة كل من المرعبي ونادر مشابهة: يمكن أن يكون حجمهما مئة ألف صوت ويمكن أن يكون صوتاً واحداً؛ لا أحد يعلم. ويرجح أن ينضم إلى هذه اللائحة النائب خالد ضاهر. ولا يُستبعد أيضاً أن تشارك فيها القوات اللبنانية، إذ لا مكان لمرشحها عن المقعد الأرثوذكسي، وهبة قاطيشا، سواء على اللائحة الأولى أو الثانية. وحال القوات في هذا السياق من حال ضاهر الذي يصعب أن يوافق الحريري على استيعابه مجدداً، كما يستحيل موافقة البعريني وعبود والعلويين على ترشحه معهم، فيما سيمثل انضمامه إلى هذه اللائحة ضربة موجعة لنادر الذي اكتسب شعبيته من رفضه المس بكرامة الجيش، فيما سيجد نفسه حاملاً راية ريفي ومتوسطاً كلاً من القوات اللبنانية وخالد ضاهر.
(غسان سعود – الاخبار)