… قبل أشهر قليلة، كان «السؤال المحوري» في بيروت هل من الممكن الفصل بين مسار الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي في لبنان وبين «المشروع الكبير» الاستراتيجي لـ «حزب الله» كذراعٍ عسكرية لإيران وأدوارها التوسعية في المنطقة؟
… وفي الأيام الأخيرة صار «السؤال المركزي» يتمحْور حول مدى القدرة على توفير مقوّمات صمود «ستاتيكو الواقعية»، الذي ارتكز على إطفاء محركات المواجهة مع «حزب الله» مقابل «حماية الاستقرار» وإطلاق مرحلة التحفيز الاستثماري والاقتصادي، في ظلّ «العاصفة» التي هبّتْ من جبهة «العلاقة المفخَّخة» بين رئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري حاملةَ معها «رياحاً ساخنة» دستورية – طائفية يطلّ من «خلف غبارها» صراعٌ لم يعد خافياً حول نظام الطائف.
ورغم «تعليق» معالجة واقع «حزب الله» في المعادلة اللبنانية كانعكاسٍ لوضعيته في المعادلة الإقليمية والذي عبّر عن مراجعةٍ لمرحلة من «التصادم» الداخلي لم تغيّر حرفاً في مشروع الحزب ولا أدواره، فإن الأزمة المتدحْرجة بين عون وبري، وكلاهما حليفٌ لـ «حزب الله»، على خلفية مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش الذي لم يحمل توقيع وزير المال (الشيعي) قبل أن تتمدّد الى ملفّ الإصلاحات ذات الصلة بالقانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات النيابية في 6 مايو المقبل، باتت تعبّر عن صعوبة إقامة «جدار فاصِل» بين الصراعات الإقليمية التي وجد لبنان نفسه في قلْبها انطلاقاً من أدوار «حزب الله» فيها وبين الوقائع المحلية التي ترتبط بها حكماً باعتبار ان أي ترجمة لموازين «الربح والخسارة» في الخارج ستكون في الداخل اللبناني و«خريطة توازناته» الدقيقة.
ومن هنا لم يعد ممكناً، في رأي مصادر مطلعة في بيروت، التقليل من وطأة «حرب الرئيسين» التي يخلع معها تدريجاً المكوّن الشيعي ولا سيما الرئيس بري والقريبين منه «القفازات» في التعبير عن جوهر «أزمة المرسوم» بوصْفها دستورية – ميثاقية و«خط دفاع» عن «الوجود المقرِّر» لهذا المكوّن في السلطة التنفيذية عبر وزارة المال التي يراد تكريسها عُرفاً للطائفة الشيعية في كل الحكومات وتثبيت توقيعها على كل المراسيم في السلطة التنفيذية، بمعنى اقتناص «فيتو صافٍ» لا يحتاج الى أي «تتمات عددية» ليصبح فاعلاً.
وتعتبر هذه المصادر أن بري قال كلمته من أوّل الطريق حول حتمية اقتران مرسوم الأقدمية بتوقيع وزير المال، وهو مشى أمس الى طهران (للمشاركة في مؤتمر اتحاد مجالس الدول الاعضاء بمنظمة التعاون الاسلامي) وتردّد انه سيعود الى المصيلح (الجنوب) لإطلاق ماكينته الانتخابية بعدما أقفل باب البرلمان أمام إدخال أي تعديل على قانون الانتخاب وفق ما يطالب «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) لأن «ما كُتب قد كُتب والانتخابات بموعدها»، مشيرة الى ان رئيس البرلمان يخوض وبالنيابة والشراكة مع «حزب الله» معركةً «استراتيجيةً» تتصل بحصة المكوّن الشيعي في النظام الحالي والرغبة في مواصلة «قضْمه» بما يحقق تعديله تحت سقفه إن لم يكن ممكناً الإطاحة به لاعتبارات داخلية وخارجية.
ومن هنا تجد المصادر نفسها ان السقف ارتفع الى أقصى حدّ في الساعات الماضية بين فريقيْ عون وبري، ولا سيما بعد كلام لرئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي غمز من قناة رئيس البرلمان بكلامه من عكار عن ان «الصوت كان مسحوقاً لكن أيام سحق الأصوات وأيام المحادل انتهت بقانون الانتخاب الجديد شرط ان نكون حاضرين… ولهذا ترون انزعاج المحتكرين من عودة الشراكة، والانزعاج من تطبيق الإصلاحات الانتخابية لأنها تعيد الحقوق لا سيما للمناطق».
ولم تتأخر الردود على باسيل من فريق بري وكان أبرزها من النائب علي بزي الذي اتهم باسيل بادعاء انه «الوكيل الحصري للشراكة الوطنية»، وبالتعاطي مع الشراكة بـ «منطق الشركة»، مؤكداً أن «اللبنانيين لا يحتملون إنجاز الانتخابات النيابية بنفس السيناريو الذي انجزتم فيه استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية بعد شغور رئاسي استمر لسنتين ونصف السنة»، وسائلاً «الله ان يحمي لبنان من فلتات لسان معاليه…».
وسبق ذلك كلام لوزير المال قال فيه «حاول البعض أن يقزّم أمر التوقيع الشيعي على مرسوم ضباط دورة 1994»، مضيفاً: «فليعلم الجميع أننا في موقع قوة ولسنا في موقع ضعف لا في الحكومة ولا البرلمان»، قبل ان يصعّد النائب هاني قبيسي معلناً «أن شعبنا وشهداءنا لا يقبلون ان تفرض عليهم سياسة طائفية متزمتة تسعى لتعزيز دور فريق على آخر»، لافتاً في ما خص أزمة المرسوم الى «اننا نرى حاجة لتوقيع وزير المال ولن نوافق على أي شيء آخر دون ذلك، لاننا نرى في الممارسة التي اتبعت تهميشا لدور الطائفة الشيعية بحقها في التوقيع على المراسيم التي كرّسها الدستور واتفاق الطائف».
وفي غمرة هذا الاشتباك الذي بات يطرح علامات استفهام حول تأثيراته المحتملة على «الثقة الدولية» بالوضع اللبناني مع بدء الاستعدادات لعقد 3 مؤتمرات دعم للبنان ابتداءً من نهاية فبراير مع مؤتمر «روما 2» (لدعم الجيش والمؤسسات الامنية) ثم «سيدر 1» في باريس لدعم الاستثمار اوائل ابريل وبعده «بروكسيل 2» حول النازحين السوريين نهاية الشهر نفسه، يمضي رئيس الحكومة سعد الحريري في محاولة طمأنة الخارج الى استقرار البلاد وهو ما أكد عليه أمس بتشديده على ان «الاستقرار الأمني والسياسي أولويتنا».
وخلال مشاركته في وضْع حجر الأساس لمبنى سفارة دولة الإمارت في الرملة البيضاء، أعلن الحريري ضرورة التزام جميع الأفرقاء اللبنانيين بسياسة النأي بالنفس، لافتاً الى ان «لبنان جزء من المنظومة العربية وعلينا حفظ علاقاتنا مع جميع الدول العربية»، ومعتبراً ان «الإمارات كما دول الخليج لطالما دعمت لبنان وشعبه في كل الظروف، وهذه رسالة الى اللبنانيين ان الإمارات تهتم لوضع لبنان السياسي والاقتصادي واستقراره»، ومشيراً الى «ان الإمارات مع المملكة العربية السعودية هي داعمة دائماً للبنان وهذا يُطْمئننا دائماً».
من جهته، أكد السفير الاماراتي حمد سعيد الشامسي أن «وضع حجر الاساس فاتحة خير لتأسيس علاقة أقوى بين لبنان ودول الخليج بقيادة السعودية»، معلناً «ما يهمنا هو نجاح الحكومة وان تكون قادرة على أداء واجبها تجاه المواطن اللبناني وإن شاء الله نكون امام أيام خير بقيادة الرئيس الحريري».
وأضاف: «موقفنا واضح من لبنان… السعودية والإمارات والكويت ودول الخليج المعتدلة دائماً تعمل لصالح مصلحة استقرار لبنان وشعب لبنان، ونحن عائدون بقوة إلى لبنان».
(الراي)