أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن العدل هو الركيزة الأساس للحكم، والمحامين أحد أهم مداميك العدل وجناح من أجنحته، معتبرا أن القضاء هو الحجر الأساس لقيام دولة الحق والقانون، وقال: “لا دولة بدون سلطة قضائية مستقلة نظيفة تنشد العدالة والحقيقة”.
وشدد في كلمة ألقاها في الاحتفال بمئوية نقابة المحامين الذي أقيم قبل ظهر اليوم في قصر العدل، على أن تطهير الجسم القضائي “كان أولى أولويات حربنا على الفساد الذي نخر كل مؤسساتنا”، معتبرا أن القضاء يجب أن يبقى فوق الشبهات، وسلطة دستورية مستقلة، تنقي ذاتها بذاتها وفق الاليات المعتمدة قانونا، من دون تشهير او ابتزاز او استغلال من اي كان”.
وأضاف: “القضاء لن يكون في عهدنا منظومات مرتهنة لأحد بل سلطة تمارس رسالتها بوحي من ضمير القاضي الحر والنزيه والمحايد فتتوافر معه ضمانات المتقاضين كاملة وغير منقوصة”.
ولفت رئيس الجمهورية إلى دعوته لمؤتمر يبحث شؤون القضاء في لبنان سيعقد قريبا في القصر الجمهوري تحت عنوان “من أجل عدالة أفضل”، هدفه إطلاق حوار وطني صريح بين جميع المكونات المعنية بالعدل والعدالة، للإضاءة على مكامن الخلل في الوضع القضائي الحالي وأسبابه وكيفية استنهاض السلطة القضائية المستقلة.
وقائع الاحتفال
وكان الاحتفال بمئوية نقابة المحامين الذي رعاه رئيس الجمهورية، بدأ عند العاشرة صباحا في قاعة “الخطى الضائعة” في قصر العدل، في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، والرئيس أمين الجميل، والرئيس تمام سلام، ونائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، ووزير العدل البرت سرحان، ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، وعميد السلك الديبلوماسي السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتيري، والسفير الفرنسي برنار فوشيه، والسفير البريطاني كريس رامبلينغ، والسفير القطري محمد حسن جابر الجابر، والسفير الايراني محمد جلال فيروزنيا، إضافة الى عدد من الديبلوماسيين العرب والاجانب، وعدد من النواب الحاليين والوزراء والنواب السابقين، ونقيبي وأعضاء مجلس نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، ونقباء المحامين السابقين، ورئيس وأعضاء المجلس الدستوري، ورئيس واعضاء مجلس القضاء الأعلى، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس مجلس شورى الدولة، رئيس وأعضاء هيئة التفتيش القضائي، رئيس التفتيش المركزي، رؤساء المحاكم في المحافظات، رئيس مجلس الخدمة المدنية، رئيس الهيئة العليا للتأديب، وعدد كبير من القضاة والمحامين والشخصيات والفعاليات السياسية والتربوية ورؤساء الجامعات، ونقباء المهن الحرة وكبار موظفي الدولة.
كذلك حضر عدد من المدعوين الاجانب من حقوقيين وأكاديميين، من بينهم نقباء المحامين في باريس والهوت دو سين وليون وكاين والسنغال، وأعضاء مجلس نقابة محامي باريس، والمجلس الوطني لنقابات المحامين في فرنسا.
الشدياق
وبعد النشيد الوطني، ألقى عريف الحفل الاعلامي ماجد ابو هدير كلمة، عرض بعدها فيلم وثائقي عن تاريخ نقابة المحامين، ثم ألقى نقيب المحامين في بيروت وطرابلس أندره الشدياق كلمة النقابة.
وقال: “فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إن الديار والقلوب تهتف لقدومكم، وترحب وترحب، لتطيب اللقيا برعايتكم وحضوركم إحتفالية اليوبيل المئوي لنقابة المحامين في بيروت، متكلفين مشكورين بالمجئ هذه الصبيحة، إلى قصر العدل، ” كأب لكل اللبنانيين”، إلى “أم النقابات”، أقدم وأعرق نقابة في هذا المشرق، تسمعونها كعادتها تشهد للحق. ليس في هذا الترحيب غلو، لا بل كلام متصاعد من العقل قبل اللسان، ومن وجدان السادة النقباء السابقين وزملائي أعضاء مجلس النقابة، فلكم في الصدر الصدارة.
هي نقابة الحق طبعا، وهي أيضا نقابة الحرية، الحرية الواجب إبقاؤها تحت سقف الحقيقة، على النحو الذي أوضحه كلامكم في 7 ايلول 2018 لدى منحكم الدكتوراه الفخرية من جامعة اللويزة، وجوهره متوافق مع قسمِ المحامي. فالمحاماة لا تتساكن والعبودية وإلا أصبحتا سلبيتين تتلاغيان وضدان لا يتلاقيان. والحرية ليست منة مخلوعة ولا منحة مغدقة، إنما الحرية تنال إثر جلجلة من الشقاء والتضحيات. ومن أدرى منكم، صاحب الفخامة – ولا أكاثر- بفقه معاني ومغازي هذه الكلمات؟ انتم من، لمجرد مناداتكم بالحرية – ولسخرية القدر- مِن على نفس اليم الماخرة الأبجدية عبابه إلى العالم، ومن ذات البلدة التي ولدت فيها “عامية أنطلياس”، أقلكم زورق حربي إلى بارجة عسكرية، في ليلة دامسة الظلمة من ليالي الأسبوع الثالث من آب 1991، تنفيذا لإبعاد غير منصوص عليه أصلا في قانون العقوبات غلف بنفي قسري تلته عودة، فنضال متجدد متوج بإنتخابكم لتولي السدة الرئاسية الأولى. بتم رجل كل الألقاب، لا بل إن الألقاب عدت عدوا إليكم لتجتمع في رجل أوْلى دوما الدور، لا الموقع، أعلى المراتب في سلم قيمه، حتى لدى إتحاد الدور والموقع معا بلغتم الذروة في التصميم والعزم والحكمة، فأضفيتم على رئاسة الدولة، المؤسسة الدستورية العليا الأسمى، هالة من مهابة وقورة ومكانة مرموقة.
دولة رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري، الزميل الفذ، اللامع في دنيا المحاماة، والمكرم منذ أعوام ستة من قِبل نقابتنا لمضي خمسين من سني عمره على إنتسابه إليها والمقلد لهذه الغاية ميدالتيها، لا يغيب عن ذاكرتنا ما قلتم عام 1994 بمناسبة يوبيلنا الماسي: “معجزة المحاماة أنه من بين جناحيْها تتولد الديمقراطية، وهذه تبقى أم المحاماة دائما. أرأيت وليدا يصبح حاضنا وحضنا ؟ ان المحامين في عالمنا الشرق أوسطي والعربي على الخصوص سيرعون قضية شعوبهم في سلوك الطريق إلى بناء أنظمة ديمقراطية برلمانية، وفي سلوك طريق السلام الأهلي في مجتمعاتهم، لأنهم اولا وأخيرا ودائما كلمة الحق أمام سلطان جائر”. ولا زلتم، دولة الرئيس، في الحياة البرلمانية فقيه لغة وقانون، تبرعون بالكياسة والسياسة تلمعون بالقول والتلميح. فإليكم، أعطر التحيات المقرونة، عند إنتهاء سنتنا اليوبيلية هذه في تشرين الأول المقبل وبالتزامن مع إنطلاق إنعقاد دورة المجلس النيابي، بباقة من إقتراحاتِ قوانين مؤلفة من مادة واحدة وحيدة ترتدي صفة المعجل المكرر تشق طريقها مباشرة أمام الهيئة العامة لمجلس النواب، عربون إسهام منا بالدور التشريعي للنقابة وأنتم ما انفككتم يوما عن إيلاء ملاحظاتها على مشاريع واقتراحات القوانين كل إهتمام، أسوة بما فعلتم منذ أشهر، عندما تلوْتم حرفية رأيي كنقيب للمحامين في الجلسة العامة لمجلس النواب يوم أقر قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي.
دولة رئيس الحكومة الأستاذ سعد الدين الحريري، أطلت علينا هذه المناسبة والسعد منها وفيها، فيا سعد اللبنانيين بكم تعملون من أجل طمأنينتهم ورخائهم، والأبن سر أبيه، نستذكر معكم ما كتبه والدكم، الرئيس الشهيد في الكتاب الماسي ليوبيلنا سنة 1994، وحرفية كلامه: “فيا أصحاب الرسالة محامي لبنان أعتز بكم مسؤولا ومواطنا، فأنتم الذين مارستم الديمقراطية يوم تعطلت الديمقراطية في هذا البلد، أنتم الذين أكدتم الحرية يوم تعذرت الحرية فيه، انتم الذين تمسكتم بسيادة القانون يوم كاد القانون أن يغيب عنه. أفخر بكم كأي لبناني، لأنكم ما أنقطعتم عن العطاء”…
دولة الرئيس، بإزاء سعيْكم المبرور لجلب الرساميل والإستثمارات لرفْدِ إقتصاد الوطن وماليته العامة بما يعزز النهوض من الركود وضخ جرعة من الأمل في النفوس، أكرر ما نقلته إليكم، باسم النقابة في مثل هذه الأيام من العام المنصرم، بأن لكم منها وافر الإستعداد للمشاركة إلى جانبكم في إعداد مختلف النصوص القانونية سبيلا لإنجاح مؤتمر سيدر الذي تسعون إلى تحقيق مفاعيله.
معالي وزير العدل الرئيس الدكتور ألبرت سرحان، صاحب المسيرة القضائية الطويلة في مجلس شورى الدولة المستقيمة رأيا ونصاعة وإجتهادا، أراح نقابة المحامين تصريحكم منذ عشرة أيام، بأن “لا غطاء لأحد في موضوع مكافحة الفساد” وتأكيدكم بأنه ” لا وجود لسلطة قضائية مستقلة بدون وجود قضاة مستقلين وهم الأكثرية”، وأيضاحكم إن “خضوع القاضي لأي ضغوط لا يبرر مخالفته للقانون وعدم قيامه بوظيفته على النحو الأفضل”، وإنبعثت طمأنينة لدى زملائي بفعل إصراركم ان “الإمتيازاتِ المتمتع بها القاضي يقتضي أن تكرس في سبيل أداء مهمته في إحقاق العدل بين المواطنين بحيث يستحيل تبرير أي جنوح في العمل القضائي”، معالي الوزير، تجربتكم المديدة لن ترضى على دوْر عدل متصدعة ومهملة، وفي بعضها شمعة تضاء في زاوية يجلس فيها على القوس من يحكمون بإسم الشعب اللبناني.
حضرة رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس الأول جان فهد، رأس السلطة الدستورية القضائية المستقلة، دستورا وقانونا، كما ان العقد حجران يلتقيان ليؤلفا قوسا، إن أقواس المحاكم لا تكتمل إلا بتلاقي القاضي والمحامي، فالمحاماة تهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق، وتساهِم في تنفيذ الخدمة العامة ولذا يمنح من يمارسها الحقوق والحصانات والضمانات. والنقابة، لا سيما في القضايا المتعلقة بالفساد، كانت سباقة في التصدي لمسألة الإثراء غير المشروع واجتثاث جذوره، وكيف لا وزميلان طلاعان وضعا تشريع ” من اين لك هكذا ؟ ” تحت قبة البرلمان منذ عام 1953. وان مجلس النقابة سينصرف كعادته إلى دراسة كل طلب إذن بالملاحقة الجزائية يرِده بالصدد بدقة متناهية وبمسؤولية كاملة، بما يحفظ حقوق المحامي في ممارسته المهنة، وبقدْر ما يرفض تغطية أي زميل مرتكب يأبى في الوقت عينه أي محاولة قد تجنح إلى التحامل عليه.
أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة، السادة القضاة، السادة النقباء، ضيوفنا النقابيين من مشارق ومغارب، أيتها الزميلات، أيها الزملاء، أيها الكرام، مئة عام مرت كأنها إغماضة عين، أو سرحة خيال، فمئوية النقابة معني بها كل محام، مهنيا، ووطنيا كوكيل طوعي عن قضايا الأمة.
على الصعيد المهني، إن السنين نقشت على جبين زملائي أماجيد الرؤوس المضفورة بأكاليل العلم والخلق، يتراكم فيها الوقت وضاء وينقضي معها الزمان تقادما علاماتِ ثبات وشهاداتِ إنتصار لتغلبهم على صعاب نهشت من عمرهم وما قضت على حلمهم. وإذا رحل عنا من رحل، فلْننْهل من حكمة Auguste Comte القائل أن “الأموات يحكمون الأحياء”: “les morts gouvernent les vivants “، فكأنهم يرحلون عنا ولا يرحلون منا. هامات غابت، وخلفت بعدها هالات من نور. وموعدنا اليوم لقاء جامع لأهل القانون تتمثل فيه أجيال متعددة، من نقباء، ومحامين كبار، إلى نسور المحامين الجدد يقتحمون المحراب والصعاب على أحصنة من علم وثقافة وقيم. فالمحامي يطيب جرحا، يهدئ روعا، يرفع جورا، يلطف مصابا، ويسترد حقا، يمضي على الدوام وفي وجدانه إيمان الرسل وشجاعة الفرسان وعلى لسانه ينهمر المنطق ويتفجر البركان. محامو نقابتي بحاثون في النهار ومؤرقون في الليالي، غيارى على حال من أؤتمنوا على أماناتهم ووكالاتهم، على كرامات وعلى سلامة حياة. هم الذين جعلوا أجسادهم حواجز، وأصواتهم أسوارا، ومكاتبهم معاقل وروباتِهم متاريس دفاع شرس نصرة للحق وللحقيقة. يودِعهم الناس همومهم والأسرار والمخاوف، فيصْحبون الأوراق الجافة المتجهمة، يتصفحون المستندات يقلبوها، باحثين عن بصيص أمل في زواياها والخفايا.
من بيروت هم، أو إلى بيروت قدِموا، من ساحل، من ريف، من جبل، من حدود جنوبية وشمالية وشرقية، من لبنان، من كل دولة لبنان الكبير التي أعلنت في الأول من أيلول 1920 ضمن الحدود الطبيعية للوطن المستعادة في تتويج للمرحلة الأخيرة من تكوينه التاريخي ككيان دستوري وسياسي. وعلى غرار “العسكري عباس” المنقول إلى بعلبك، في مسرحية ” فخر الدين” للأخوين رحباني الخالديْن المحاكيين أسطورة وطن محفورة ذاكرته في الوجدان، والمجيبِ إبنته فيروز “عطر الليل”: ” العسكري ما بيسأل بيتو البارودة بيحملا وبيرحل”، إن المحامين لا يسألون، بيتهم ثوب المحاماة يرتدونه ويرحلون. وفي ذلك، أنتم قدوتهم، صاحب الفخامة، بتنقلكم إبان حياتكم العسكرية ذودا عن حياض الأمة، من بعلبك إلى القطاع الشرقي في الجنوب وأقاصي عكار في مشتى حسن فإلى مختلف موقِعات المعارك الهادفةِ إلى إسقاط الشرعية اللبنانية. وفيما الخواطر والتأملات تدركني وانا أنظر إلى براكين الإختراعات تنفجر في كل ميدان وتفور من كل حدب وصوب في زمن بات فيه كوكبنا مختبرا تثور فيه الإكتشافات، وفيما يرى أصحاب أبحاث، إستشرافا للأعوام العشرين القادمة، إن ثلاثين إلى أربعين بالماية من المهن الحرة قد تكون مهددة بالإندثار، من نحو أول، وفي ضوء ما كتبه، من نحو ثان، البروفسور الفرنسي Louis Assier-Andrieu منذ أعوام قليلة:”Les avocats sont à la croisée des chemins, tiraillés entre l’héritage toujours vivace de la défense des libertés publiques et l’emprise croissante des logiques économiques et des progrès technologiques “.
وانطلاقا من تاريخ نقابي عريق ومن الدور الطليعي للمحامين كرواد فكر وأسياد مهنة تنهل من تراثها لاحقة بركب الحداثة، ومواجهة لكل من الذكاء الإصطـناعي l’intelligence artificielle وظاهرةِ الإنسـان الآلـــي la robotisation وتشريع الحقوق الرقمية le droit du numérique، بادرت إلى قيام لجنة تعنى بغدِ المهنة ووضعِ استراتيجية مهنية تطويرية تحديثية عصرية كفيلة، بمواجهة التحديات المتربصة بنقابتنا.
أما على الصعيد الوطني،
حيثما هم المحامون، هم وكلاء طبيعيون للوطن بنعمة الهوية وميثاق الحياة. محامون ساهموا في إعداد التشريعات عندما إنفجرت أزمة بنك إنترا على خلفية محاولة الإنقضاض على السرية المصرفية اليافعة وإحدى لآلئ الوطن التشريعية، بهدف إرساء ثلاثية أقتصادية مالية ذهبية قائمة على مرتكزات متانة القطاع المصرفي، وتغطية العملة الوطنية بالمعدن الأصفر، وحرية التحاويل النقدية بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر. محامون كانوا، ونقابتهم في الطليعة، المرحبين بإقرار المجلس النيابي أواخر الثمانيات القانون المحظِر بيع أو رهن إحتياط السبائك الذهبية إلا بموجب صك تشريعي. ولا يزالون لغاية هذه اللحظة يقاربون بوعي وعناية التكيف مع المحاولات الخبيثة والمشبوهة الرامية إلى ضرب المقومات الإقتصادية والمالية للدولة والمتمظهرة بضرورة إقرار تشريعات متعلقة بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال توسلا لفرض عقوبات على النسيج اللبناني الإجتماعي الواحد. زملاء أيضا من أصحاب الإختصاص، لما وقعت ” إتفاقية قاهرة ” بتاريخ الثالث من تشرين الثاني 1969 حاروا في تصنيفها من زاوية القانون الدولي العام، فألغاها مجلسنا النيابي الضام أكثر من ثلاثين محاميا منتصف الثمانيات، فيما، من جملة الويلات التي استجرتها، التخلي عن جزء من السيادة الوطنية، وخلق statut d’extra-territorialité للشعب الفلسطيني المشرد قهرا من أرضه المحتلة، وتعارضها مع آخر إتفاقية هدنة موقعة في 23 آذار 1949 بين لبنان وإسرائيل في جزيرة رودس من أصل أربع سقطت في حزيران 1967، مما عبد الطريق أمام تسلح مخيمات اللاجئين الفلسطينين المحيطة بالعاصمة وبعض البلدات اللبنانية.
فخامة الرئيس، رمز الوطن والساهر على المصلحة العليا للبلاد، متوافقا مع ركنيْ الدولة المحيطيْن بكم، إن النقابة التي شهدت على كل من تحرير أول أرض عربية غزاها الكيان العبري حتى بيروت عام 1982، والإنسحابِ الإسرائيلي دون أي قيد أو شرط إلى ما وراء الحدود الجنوبية المرسمة، ما عدا النقاط المتحفظ عليها، وبإزاء إستمرار رزوح مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر وقرية النخيلة تحت إحتلال العدو، تعلن بالفم الملآن:
أولا: تمسكها بعزم لا يلين وبتصميم لا حيْد عنه، بإتفاق الهدنة الموقع بين لبنان وإسرائيل بمساعي مبعوث الأمم المتحدة آنذاك رالف بانش:
1- لكون هذه الإتفاقية المتصدرة معظم القرارات الدولية بدءا من القرار 425 وصولا إلى القرار 1701 تنص في مادتها الخامسة على ان الحدود النهائية للبنان هي تلك الفاصلة بينه وبين دولة فلسطين المحتلة، الأمر الذي يستفظعه العدو الإسرائيلي لما له من تبعات قانونية بالغة المدلولات من جهة، ولتضاربها، من جهة أخرى، والنظرية العبرية بإنتفاء وجود حدود جغرافية نهائية لكيانها التوسعي المتحول اليوم إلى دولة قومية – يهودية، بدليل ضم الكنيست الإسرائيلي بموجب قانونين صادرين على التوالي في 1980 و1981 القدس الشرقية وثلثي مرتفعات الجولان إلى أرض إسرائيل.
2- لإستحالة التخلي أو التنازل عن ” أحد أقسام الأراضي اللبنانية ” على ما جاء في حرفية المادة الثانية من الدستور.
3- لإرتداد كل المفاهيم القانونية هذه إلى مقدمة الدستور التي تحظر التوطين والتقسيم، بما يعزز مشروعية قراريْ الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الأول رقم 181 الذي يولي مدينة القدس نظاما خاصا برعاية دولية بإدارة الأمم المتحدة والمعروف باللاتينية بنظام Corpus separatum، والثاني رقم 194 الذي يكرس حق عودة الشعب الفلسطيني إلى دياره.
4- لاعتبار الخط الأزرق خطا وهميا تحاول إسرائيل أن تتخذه منه قاعدة إنطلاق عند النقطةBP23 على بعد عدة أمتار من الحدود، إنتهاكا السيادة البحرية الأقليمية اللبنانية حيث المكتشفات النفطية والغازية المعتبرة بمثابة مورد من مواردِ ثروة البلاد الطبيعية التي هي بحمى الدستور.
ثانيا: إثْر إقامة علاقات ديبلوماسية مع سوريا وإنزياح الأيام السود التي شابت الوشائج بين البلدين، ومع ارتقاب العودة الآمنة للنازحين السوريين، وعِقب إنتهاء الجيش اللبناني من نزع الألغام المزروعة من قبِل التنظيمات الإرهابية وإنبلاج فجر جديد على اللبنانيين كافة بعد النصر المبين لعملية ” فجر الجرود”، وتحقيقا للمادة الأولى من الدستور التي تحدد بدقة متناهية خط الحدود بين لبنان وسوريا، من المأمول أن تعاود المحادثات بالصدد بين الدولتين من النقطة التي توقفت عندها لجنة الغزاوي-الخطيب مطلع السبعينات لإنجاز الترسيم النهائي لحدودنا الشرقية.
ثالثا وأخيرا: ان النقابة التي تحتضن رسالة المحاماة والوطن – الرسالة وقضايا حقوق الإنسان، تشد على أيديكم، صاحب الفخامة، لإنشاء ” أكاديمية الأنسان للتلاقي والحوار”، تلك المبادرة التي أطلقتم في خطابكم أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول 2017.
أما كلمتي الأخيرة، فهي لكم أيها الزملاء، تعالوا نستولد همما، من صوم الفصح الآتي عند المسيحيين قيامة مجيدة، ومن صوم مقبل آخر عند المسلمين في شهر رمضان المبارك ننْشده مكللا بفطر سعيد، لنهب هبة واحدة من أجل الإبقاء على نقابتنا التي غدت لنا أما وأبا ومنزلا، نقابة قوية قادرة مقتدرة متوهجة، وبغية الحفاظ على سيادة وإستقلال الوطن وقراره الحر ووحدة أراضيه. السلام على سالكي درب الحق والحرية، الهدف يستحق، إنها نقابة المحامين، إنه لبنان”.
فهد
ثم ألقى رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد الكلمة الآتية:
“فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يطيب لي، أن أرحب بكم في قصر العدل، تحلون فيه، وأنتم القاضي الأول، للمرة الثانية منذ انتخابكم على رأس الدولة، ومعكم دولة رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري، ودولة رئيس مجلس الوزراء الرئيس سعد الدين الحريري، تشاركون مع أركان الدولة والجسم القضائي، نقابة المحامين في يوبيلها، فتعطون للمناسبة بعدها الوطني.
هنا، في رحبات دار الحرية، ومدرسته العلى وقلعة الوطنية… يلوح للمستذكر ماض رافل بالمآثر والقيم، ويلوح للمتبصر غد يستلهم المنجزات، ويعد بأن يمضي قدما في العطاء وفتنة الإبداع وحلاوة التميز ومقتضى الحداثة. كانت صاحبة المئوية الغراء، على امتداد العقود، وبلا كلل، حارسة أمينة من حراس الحق. داعية متقدمة من الدعاة الى التكامل والانفتاح. مناضلة مستبسلة في ساحات الدفاع عمن لحق بهم حيف. راعية من رعاة حكم القانون ونشر المساواة في ظلاله. وكانت على الأخص الأخص، شريكة أصلية في بلورة مفهوم العدالة وفي الحرص على توسيع دائرتها، وعلى جعلها تسود وتثمر وتسهم في توطيد الأمان الاجتماعي. وكانت المحتفى بمئويتها سباقة الى الموقف الشجاع والرأي الصواب كلما لاح في الأفق خطر يهدد رموزا وقيما وصروحا نذرت العمر للدفاع عنها.
عقود تلي عقودا، ومواقف تتزاحم مع مواقف… في ميدان الحريات… في ميدان الوطنية والمواطنة.. في ميدان استقلال القضاء… حيث كان المحامون يثبتون أنهم في ذروة الحكمة إذا بسطت موائد الحوار، وفي ذروة الشجاعة إذا تفاقمت الأخطار. في ذروة الانتباه إذا كان المنطق هو السيد، وفي ذروة التنبيه إذا كانت السيادة للتعمية والتضليل. في ذروة السكون إذا صلحت الأحوال، وفي ذروة الغليان إذا دعا داعي النضال. أمامكم وأمامنا، يا رفاق الدرب وشركاء التطلع، ومستظلي السقف الواحد حجرا ورمزا وتوقا وقلما، ونصا لكم فيه من عمائر الفقه مثلما لنا من خمائر الاجتهاد… أمامكم وأمامنا-والزمن ليس هينا- تحديات، تواكبها انتظارات.
يرنو الناس إلى عدالة أسرع، وأفعل، وأشمل. ينشدون تيسير الوصول الى القضاء. لا يفهمون كيف تواجههم عقبات الشكل في حين أن الأساليب العصرية ترجح الجوهر على العرض. يتهامسون حول استقلال السلطة القضائية، واستقلال القاضي، في حين أنهما من المسلمات، أو هكذا ينبغي أن يكونا. يعرفون أن مسؤولية المحامي تضاهي مسؤولية القاضي في تسريع المحاكمات. يحلمون بألا يكون طرفا العدالة، أو ركناها، في قلعتين متواجهتين، لأن في أنظمتهما المناقبية، وفي تقاليدهما ما يقصي هذا الخيار… هذه الحقائق، والانتظارات، تستحيل تحديات واجهناها وسنستمر في مواجهتها. لم يتخل المحامون يوما عن دورهم، ولم يتخل القضاء كذلك. وإنه لا خوف من أزمة تظهر، أو عاصفة تهب، إذا أحسن القيمون على أي مرفق التعامل معها، وواجهوها بالتصميم على صدها، يدا بيد، إرادة بإرادة، ومسؤولية بمسؤولية.
فليكن العام الجاري، اليوبيلي بامتياز، عام الأمل بعقود أفضل، بل بقرن كامل أفضل. يوبيل مئوي للبنان الكبير، ولمحكمة التمييز التي نحتفل في حزيران القادم بمرور المئة على إنشائها، ولهذه النقابة الجليلة التي نحفو بها. وسيشهد هذا العام كذلك انعقاد مؤتمر بعنوان “نحو عدالة أفضل”، بمبادرة من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في سبيل إطلاق حوار وطني شفاف وصريح فيما بين المكونات المعنية باستنهاض القضاء، وبرصد مكامن العلل في الوضع القضائي الراهن تمهيدا للمعالجات المؤاتية.
إن العلاقات التاريخية بين القضاء والمحاماة، بحتميتها، ومتانتها، وأبعادها الأخلاقية السامية، ودعائمها المستمدة من كتاب الحق ومن يقظة الجناحين وسهرهما على مسار العدالة… إن هذه العلاقات الجوهرية، الطيبة، المنزهة… كفيلة بأن ترسخ ثقة المتقاضين بالمؤسسات الفاعلة في تقرير مصائرهم، على الصعد كافة، من الحرية المقدسة حتى أصغر حق من الحقوق. وإن لمتانة هذه العلاقات دورا بينا في تسديد السهام الى مواطن الفساد الذي بات الهدف الأول والهاجس الاكبر في معركة الشفافية والمساءلة التي اخذت، هي أيضا، حيزا أوسع ، في عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون. إنني، باسم السلطة القضائية، وباسمي الشخصي، أشارككم، حضرة النقيب وأعضاء مجلس النقابة والأساتذة المحامين، الحفاوة والإعتزاز بهذا اليوم الجلل. إنه من محطات الكرامة والعزة في تاريخ لبنان”.
سرحان
وألقى بعدها الوزير سرحان الكلمة الآتية:
“فخامة الرئيس، دولة رئيس مجلس النواب، دولة رئيس مجلس الوزراء، يشرفني أن أشارك كوزير للعدل في احتفالية اليوبيل المئوي لنقابة المحامين في بيروت تلبية لدعوة كريمة من حضرة النقيب وأعضاء مجلس النقابة، هذه النقابة التي أثبتت خلال كل تلك السنين أنها مثال للوطن يتطلع إليها اللبنانيون دائما كحصن منيع للديموقراطية وللحريات. إن هذا الإحتفال برعاية فخامتكم وحضوركم شخصيا مع أركان الدولة، يتجاوز المعنى الإحتفالي لهذه المناسبة، إذ يدل على اهتمامكم بالعدالة بجناحيها: القضاء والمحاماة، اهتماما كبيرا عبرتم عنه في خطاب القسم، وفي مناسبات أخرى عديدة. ولا عجب في ذلك، فأنتم فخامة الرئيس، بحكم مركزكم على رأس الدولة، وبوصفكم رمزا لوحدة الوطن وحاميا للدستور، أنتم القاضي الأول الذي يدرك أن حال البلاد والعباد لا تستقيم إلا باستقامة القضاء الذي هو حجر الزاوية في بناء الدولة، لأن دوره يقوم على توزيع العدالة بين الناس والحفاظ على حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم، إذ عبثا نتكلم عن قيام الدولة إذا لم يكن قضاؤها سيد نفسه، مستقل الإدارة والقرار، بعيدا عن التجاذبات السياسية، منزها عن كل الأهواء، متمتعا بكفاءة عالية، متسلحا بالقانون وبالضمير، قائما بواجبه دون أن يخشى أحدا.
إننا لا ننظر إلى هذه المناسبة كاحتفال يقام في مكان وزمان محددين وإنما كنقطة انطلاق لورشة إصلاح كاملة متكاملة في القضاء، ليست مكافحة الفساد فيه سوى الخطوة الأولى باتجاهه، ولا بد أن تتبعها خطوات أخرى وصولا إلى إصلاح جذري يتناول الأشخاص والنصوص في آن معا، ويكون لنقابة المحامين وعلى رأسها سعادة النقيب شدياق المعروف عنه بالخبرة والعلم والوطنية، فيه دور طليعي في مواكبة الخطوات الإصلاحية المطلوبة على هذا الصعيد. من هذا المنطلق، نعلن تمسكنا الصريح بمبدأ استقلال السلطة القضائية الذي كرسه الدستور، وهو مبدأ يفترض قبل كل شيء توفر الإرادة السياسية التي تلمسنا بشائرها في رغبة فخامة الرئيس وصاحبي الدولة، والتي تحتاج، لكي تترجم عمليا إلى اقتناع راسخ لدى جميع اللبنانيين بأن العدل هو فعلا أساس الملك، وأن لا عدل بدون سلطة قضائية مستقلة، وأن هذا الإستقلال ليس ضمانة لفئة من المواطنين فقط بل للجميع دون استثناء. وإذا كنا في هذا المقام نأسف كبير الأسف لما يتعرض له الجسم القضائي بين الحين والآخر من تشهير وإساءة، فإننا نرى أن اكتساب القضاة لثقافة الإستقلال وممارستهم له ونزاهتهم وكفاءتهم في إدارتهم لمهامهم، هي الحصانة الكبرى التي تحميهم من كل تجريح، فضلا عن أن استعادة الناس لثقتهم بقضائهم من شأنها أن تجعل أي تعرض للقضاء، أمرا يرفضه الرأي العام. على الرغم من كل شيء، تلوح لنا، بفضل دعمكم، فخامة الرئيس، صاحبي الدولة، بشائر رجاء لا مفر لنا من التعلق بها وبضوء الأمل المنبعث منها، مؤمنين بأن هذا الضوء سينمو ويملأ العتمة، وستشرق على لبنان شمس قضاء مستقل، عند ذلك يصير في مقدورنا أن نتنعم كلنا بدفء العدالة وأن نطمئن إلى مستقبل وطننا”.
الرئيس عون
ثم القى الرئيس عون كلمة قال فيها:
“العدل أساس الملك”
وإذا كان العدل الركيزة الأساس للحكم فأنتم أيها المحامون أحد أهم مداميك العدل وجناح من أجنحته، تجدون وتتعبون من أجل إحقاقه، ولعل تعبكم الأكبر هو في إرساء التوازن بين حقوق موكلكم وبين تحقيق العدالة. فحق الدفاع المقدس يدخل ضمن مفهوم ضمانات المتقاضي المنصوص عنها في المادة 20 من الدستور اللبناني، وهو يتساوى مع ضمانة القاضي كي يستقيم ميزان العدالة.
قليلة هي المهن التي تفرض قسم اليمين قبل المباشرة بها؛ في الجندية تقسم يمين الذود عن الوطن وحماية الأرض، في الطب تقسم يمين صون حياة الانسان والعناية بالصديق كما بالعدو، أما في المحاماة، فأنتم تقسمون يمين المحافظة على سر المهنة والعمل بأمانة والتقيد بالقوانين والأنظمة والالتزام بالأخلاق لاستحقاق الثقة والاحترام. والقسم ليس مجرد كلمات تتلى في مناسبة وتنسى في ما بعد، بل هو حارس الضمير وهو التزام يرافق صاحبه على الدوام ويرسم طريقه، وقسمكم الذي تؤدونه يوم تنتسبون الى نقابتكم يرسم لكم الطريق الصحيح للنجاح المهني وأيضا الأخلاقي، وهو حصانتكم، ولا أعني هنا الحصانة القانونية بل تلك الأخلاقية التي تحمي وتصون من الانزلاق، من الخطأ، ومن كل أنواع الفساد.
فالمحاماة هي أقرب الى الرسالة منها الى المهنة، وهذا ليس بكلام شاعري بل واقعي، لأن السعي الى إظهار الحقيقة وإحقاق العدالة قد يكون مكلفا، وهو جوهر عملكم.
إن سيرة لبنان مع الحقوق طويلة تعود الى القرن الثاني حيث احتضنت بيروت أول وأهم مدرسة للحقوق، وأضحت بحق أم الشرائع، ونقابتكم التي تأسست في بيروت والشمال، في العام 1919 أي قبل أن يرى لبنان الكبير النور يمكن أيضا أن نسميها وبحق، أم النقابات. ولعله من أهم ومضاتها تبنيها الدائم للقضايا الوطنية الكبرى والدفاع عن الحريات العامة.
إن أركان القضاء ثلاثة من أرباب الحقوق، يكملون بعضهم البعض لإجلاء الحقيقة بكل جوانبها، وأعني القاضي والمدعي العام والمحامي، ولا يكتمل إحقاق الحق بدونهم أو إذا أصاب الخلل أي ركن منهم.
والقضاء هو الحجر الأساس لقيام دولة الحق والقانون، فلا دولة بدون سلطة قضائية مستقلة نظيفة تنشد العدالة والحقيقة، وأعيد التذكير هنا بما قاله ونستون تشرشل إبان الحرب الثانية وعندما كانت لندن تحت قصف الطائرات: “طالما القضاء لم يزل بخير فإن بريطانيا بألف خير”.
لذلك كان تطهير الجسم القضائي أولى أولويات حربنا على الفساد الذي نخر كل مؤساستنا، فالقضاء يجب أن يبقى فوق الشبهات، كامرأة قيصر، كالملح الذي لا يجوز أن يفسد… قضاء يتصدى لكافة اشكال الفساد ويقف سدا منيعا بوجهه. وباستقلاله ونزاهته يحرس العدالة ويحميها فيطمئن له المواطنون ، إذ كيف يمكننا أن نحتكم الى من لا ثقة لنا به؟
القضاء- السلطة الذي نرنو اليه ليس حتما قضاء السلطة السياسية، اي القضاء المستتبع سياسيا والذي يصبح فيه القاضي أسير المرجعيات، في حين ان القضاء يجب ان يكون سلطة دستورية مستقلة بمفهوم المادة 20 من الدستور، تنقي ذاتها بذاتها وفق الاليات المعتمدة قانونا، من دون تشهير او ابتزاز او استغلال من اي كان فتكون المساءلة المسلكية او الجزائية من صلب هذه السلطة وليس من خارجها. والقضاء لن يكون في عهدنا منظومات مرتهنة لأحد بل سلطة تمارس رسالتها بوحي من ضمير القاضي الحر والنزيه والمحايد فتتوافر معه ضمانات المتقاضين كاملة وغير منقوصة.
وإيمانا مني بأن القضاء هو ركن من أركان الدولة التي إن فقدت ركنا اصابها الوهن والاندثار، دعوت لمؤتمر يبحث شؤون القضاء في لبنان ، ويجري الإعداد له حاليا وسيعقد قريبا في القصر الجمهوري تحت عنوان “من أجل عدالة أفضل” هدفه إطلاق حوار وطني صريح بين جميع المكونات المعنية بالعدل والعدالة، للإضاءة على مكامن الخلل في الوضع القضائي الحالي وأسبابه وكيفية استنهاض السلطة القضائية المستقلة وفقا لمفهوم المادة 20 من الدستور اللبناني”.
وتوجه الى المحامين: “رسالة المحامي هي أن يدافع أمام القضاء إما عن متقاض بين متقاضين وإما عن متهم بجريمة، وفي كلتا الحالتين تقضي قدسية رسالته أن يدافع عنه بكل الوسائل القانونية والإنسانية ويقدم كل ما يتوفر لديه من حجج وأدلة لتوضيح الصورة أمام القاضي ليتمكن من الحكم وفقا للضمير والقانون ودون التباس أو غموض. إن ضياع العدالة يدمر الفرد والمجتمعات، فالظلم حليف الباطل، ومهما كان ثمن العدل مرتفعا فإنه يبقى أقل كلفة من الظلم”.
وختم: “تقديرا لجهود نقابة المحامين المستمرة منذ مئة عام في ميدان احقاق العدالة أمنحها وسام الاستحقاق اللبناني المذهب من الدرجة الأولى، كما أمنح النقيب اندريه الشدياق وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط تقديرا لتفانيه في خدمة الوطن والعمل النقابي”.
وبعدها، تسلم النقيب الشدياق باسم النقابة، وسام الاستحقاق اللبناني المذهب، فيما قلده الرئيس عون وسام الارز الوطني من رتبة ضابط، بينما قدم النقيب الشدياق الى رئيس الجمهورية درعا تذكاريا للمناسبة.
واختتم الاحتفال بالتقاط الصورة التذكارية.