اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “الحاجة اليوم اكثر من اي وقت مضى الى التركيز على ما يجمع اللبنانيين ويقود سفينتهم الى بر الامان”، واشار الى “اتساع رقعة التفاؤل بامكان النهوض بالدولة الى حيث تلاقي آمال اللبنانيين وتطلعاتهم بعد ما تم انجازه في الفترة الماضية”.
واذ لفت الى “الضغوط الكبيرة التي يتحملها لبنان، سياسيا او اقتصاديا او امنيا، والعمل على مواجهة هذه الضغوط وتعطيلها واحدا واحدا”، اكد “العمل على إطلاق خطة اقتصادية تحدد رؤية طويلة الأمد للنهوض الاقتصادي”، وشدد على ان “أمامنا هدف كبير برمزيته لتحقيقه وهو العمل على اقفال ملف المهجرين نهائيا، ومعه طي صفحة من تاريخ لبنان طال انتظار خواتيمها السعيدة”.
مواقف الرئيس عون جاءت خلال حضوره حفل ازاحة الستار عن نصب بطل الاستقلال الامير مجيد ارسلان الذي اقامه رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني وزير المهجرين طلال ارسلان على اوتوستراد خلدة – الاوزاعي في مدينة الشويفات، وحضره إلى قرينته الأميرة زينة ووالدته الاميرة خولا جنبلاط، الشيخ نصر الدين الغريب، الوزير السابق مروان خير الدين، النائب السابق مروان ابو فاضل، محافظ الجنوب منصور ضو، رئيس المحكمة الاسئنافية الدرزية العليا القاضي الشيخ فيصل نصر الدين، وقاضي المذهب الدرزي الشيخ نزيه أبو ابراهيم، قائمقام عاليه بدر زيدان، رئيس بلدية الشويفات زياد حيدر وأعضاء مجلسها البلدي ومخاتيرها، واعضاء المجلس السياسي والهيئة التنفيذية ورؤساء الدوائر في الحزب الديموقراطي اللبناني وأفراد العائلة الارسلانية.
وكان من المقرر اقامة الاحتفال في 12 تشرين الثاني الماضي، الا انه ارجىء بسبب الظروف التي طرأت في اعقاب اعلان استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من الرياض.
الوصول ووقائع الحفل
وكان رئيس الجمهورية وصل يرافقه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل إلى مكان الاحتفال، في العاشرة قبل الظهر، حيث كان في استقباله عند المدخل الوزير أرسلان والشيخ الغريب والقاضي نصر الدين اللذين رافقا رئيس الجمهورية وارسلان الى مكان اقامة الاحتفال.
ارسلان
وبعد مصافحة الرئيس عون الحضور وعزف النشيد الوطني، القى الوزير ارسلان كلمة، فقال: “صاحب الفخامة الرئيس العماد ميشال عون، رئيس الجمهورية اللبنانية الموقر، سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نصر الدين الغريب المحترم، أهلي وإخواني الأعزاء جميعا، يا صاحب الفخامة. من هذه البقعة الأصيلة من أرض وطننا الحبيب لبنان، من مدينة الشويفات التي انطلق منها الأسلاف الصالحون المجاهدون حماة الثغور لإعمار هذا الجبل العزيز الذي تعود أن يكون عاصيا على الغزاة الطامعين، جبل الرجال الرجال الذين شهد لهم تاريخ الوطن بالشجاعة والإباء والتضحية والفداء. وبقلب مفعم بالإحترام والمحبة والتقدير، نقول لكم: حللتم أهلا… ووطئتم سهلا… يا صاحب الفخامة، وحدهم الرجال يكرمون الرجال، وحدهم الرجال يعرفون قيمة الرجال، فمن غير المستغرب أبدا أن تتزامن إزاحة الستار عن النصب التذكاري لبطل الإستقلال الزعيم الوطني الأمير مجيد أرسلان، عراب الجيش اللبناني الباسل. مع حلول عهدكم الكريم، أنتم المشهود لكم بالوطنية والتضحية والإقدام. من غير المستغرب أن يصدر عن شخصكم أنتم بالذات، هذا التصميم على تكريم الرجل الذي أمضى حياته في خدمة الوطن، الرجل الذي لم يركع في حياته، إلا لتقبيل علمنا اللبناني العزيز، يوم قيادته للتمرد الإستقلالي في بشامون في وجه الإستعمار، الرجل الذي لم يميز يوما بين لبناني وآخر، فأمضى عمره في خدمة وطنه وأهله في الجبل وفي كل لبنان، لبنان عائلته الكبرى”.
اضاف: “يا صاحب الفخامة، كما تعلمون أن التحضيرات السابقة قبل أشهر لهذه المناسبة الوطنية كانت معدة لإقامة مهرجان جماهيري حاشد برعاية وحضور واهتمام فخامتكم، لكن الظروف الشديدة الدقة حتمت تأجيل هذا المهرجان والإكتفاء بهذا اللقاء الرمزي المختصر. وإذ أوضح ذلك، فلأنني أفكر بأهلنا الأحباء الأعزاء الأكارم في الجبل، وبالأخص مشايخنا الأجلاء، أوتاد الأرض وأطهارها، وإخواني الموحدين الأوفياء الذين كانوا قد أعدوا العدة للمناسبة الوطنية، وهم بلا شك يقدرون اليوم حراجة الظروف التي يجتازها وطننا الغالي داخليا وإقليميا. فبإسمهم أكرر تقديرنا الغالي لشخص فخامتكم على حضوركم وترؤسكم هذه المراسم. أنتم الذين تم في عهدكم أول تكريم فعلي من الدولة اللبنانية للأمير مجيد، الرجل الذي حمل السلم الأهلي في عقله وقلبه، ولم يفرط يوما فيه، ونحن في مدرسته الوطنية النظيفة على دربه سائرون”.
وتابع: “نعم، بعهدكم أنتم يا فخامة الرئيس. أنتم ابن المؤسسة العسكرية الوطنية. مؤسسة الجيش اللبناني الباسل الذي له منا أعمق المحبة والثقة والمؤازرة. عشتم يا فخامة الرئيس، عاش لبنان”.
ازاحة الستار
بعدها، ازاح الرئيس عون والوزير ارسلان الستار عن نصب الامير مجيد، وهو يمتطي صهوة جواده وحاملا العلم اللبناني. والنصب الذي صممه النحات اميل العياش مصنوع من البرونز، وضع على قاعدة رخامية كبيرة رفعت عليها لوحة كتب عليها “بطل الاستقلال الامير مجيد ارسلان 1908-1983”.
رئيس الجمهورية
ثم القى الرئيس عون كلمة، فقال: “أيها الحضور الكريم، نلتقي في هذه المناسبة لإلقاء التحية على رمز نضالي ساهم في إضاءة شعلة الاستقلال، حين حل ظلام اعتقال رجالات الدولة، وساد في ذهن الانتداب أن غرف قلعة راشيا وقضبانها ستضعف إرادة الوطن والشعب. ننظر إلى الماضي ليس من باب الحسرة على الحاضر، بل من باب الأمل، ومن باب المراجعة للتضحيات التي بذلها اللبنانيون من أجل استقلال وطنهم وكرامة العيش والحفاظ على إرثهم وحضارتهم والتاريخ”.
اضاف: “يقف اليوم امامنا الامير مجيد إرسلان شامخا، تمتد محطات من تاريخ وطننا، تعاضد فيها اللبنانيون أو تفرقوا، لكنهم في النهاية اختاروا لبنان وطنا نهائيا لهم، يدافعون عن ترابه وحدوده وحريته حتى الاستشهاد. وإذا كان هناك من رسالة واحدة وراء نضال الأمير مجيد ومسيرته السياسية، نائبا ووزيرا وزعيما وطنيا ورمزا، فهي ايمانه بدولة لبنانية قوية، متحررة من الوصايات والتبعية ومصانة بوحدة وطنية تعلو مصالح الأفراد والفئات والأحزاب والطوائف. لهذا صوب الأمير مجيد نظره صوب المقومات الكبرى لنشوء الوطن، محاولا زرعها في النفوس. فعرف عنه ترفعه عن الخلافات السياسية الضيقة، وحذره الدائم من وقوع لبنان ضحية المصالح الاقليمية والدولية، ومناهضته للتعصب المذهبي والطائفي الذي يضعف الروح الوطنية ويشتت قوة الدولة ومؤسساتها. وانسحبت روح الفروسية لديه على مواقفه وعزيمته الوطنية التي لا تلين. فحارب بالبندقية حين اقتضى الواجب وقوفه ضد دولة الانتداب، وبعدها ضد العدو الاسرائيلي. وقبل العلم اللبناني ركوعا، ليؤكد ان هامة الوطن أسمى من هامات الأفراد مهما علا شأنهم. وبدا في بداية الحرب اللبنانية نازفا من جروح كثيرة أدمت روحه بفعل تقاتل الإخوة، واشتعلت مرارته حين شاهد احتراق الأرض التي قاتل في سبيل استقلالها، وواكبه الألم عليها حتى رحيله عنها في العام 1983. ولكن إرث الأمير مجيد باق في جوهر وجود دولة لبنان الحديثة، ولا شيء يمكن أن يغير هذا الواقع. وقد حمل الشعلة بجدارة ووفاء، نجله الأمير الصديق طلال إرسلان الذي جمعنا اليوم للاحتفاء بقامة وطنية لا يسعنا إلا الانحناء تقديرا لبصماتها المضيئة في تاريخ وطننا”.
وتابع: “أيها الحضور الكريم، نحتاج اليوم اكثر من اي وقت مضى الى التركيز على ما يجمع اللبنانيين ويقود سفينتهم الى بر الامان. لقد نجحنا معا في تحقيق الكثير في الفترة الماضية، واتسعت رقعة التفاؤل بامكان النهوض بالدولة الى حيث تلاقي آمال اللبنانيين وتطلعاتهم. ووسط العواصف والحروب المحيطة بنا، وصراع الدول الكبرى فوق رقعة شرقنا، واستشراسها لتحقيق مصالحها، نجح لبنان بالنأي عن نيران هذا الأتون المشتعل، محافظا على استقراره ودرجة عالية من الأمن والسلام رغم كل التحديات والمصاعب”.
واردف: “لا ننسى أننا نجحنا في إزالة فتيل لغم الإرهاب، وقدنا مؤخرا آخر معارك الانتصار عليه على حدود وطننا، ونلنا تقديرا دوليا عاليا على هذا الانجاز. وهو انتصار لم يكن ليتحقق لولا الخيارات الكبرى التي اجمع عليها اللبنانيون، ووحدة الشعب اللبناني في مواجهةالتطرف، وتحييد لبنان عن الملفات الخلافية، وبقاؤنا على مسافة واحدة من جميع الدول العربية ايمانا منا بأن روح الأخوة بينها لا بد ان تعود الى المسار السليم. لكن الضغوط علينا كبيرة وندرك جميعا ذلك، إن كان سياسيا او اقتصاديا او امنيا، وخصوصا من جراء ملف النازحين السوريين الى لبنان، وما ينطوي عليه من اعباء ثقيلة ترهق كاهل البلاد على كل المستويات. ومنذ تسلمي مسؤولياتي، عملت مع الحكومة ومجلس النواب وكل الفاعليات والهيئات الرسمية والمدنية، على مواجهة هذه الضغوط وتعطيلها واحدا واحدا. وكما نجحنا في ملف مواجهة الارهاب، حققنا ايضا نجاحا في اطلاق مسيرة انتظام مالية الدولة. ونعمل كذلك على إطلاق خطة اقتصادية تحدد رؤية طويلة الأمد للنهوض الاقتصادي. وبما أننا اليوم على أبواب منطقة الجبل الغالية على قلوبنا، أمامنا هدف كبير برمزيته لتحقيقه، بعد المصالحة التاريخية التي حصلت في ربوعها، وهو العمل على اقفال ملف المهجرين نهائيا ومعه طي صفحة من تاريخ لبنان طال انتظار خواتيمها السعيدة”.
واكد الرئيس عون ان “زمن الكبار لا تطويه الأيام ولا يندثر، بل يحمله وجدان الوطن من جيل إلى جيل. واليوم يقف على تقاطع يجمع بيروت بالجبل والجنوب، تمثال الأمير مجيد ارسلان لنستلهم منه شرارة النضال من اجل وطن شئناه مساحة تلاق ثقافي وانساني وديني وحضاري. وبهمة جميع اللبنانيين، ستظل هذه المساحة نقطة ضوء للعالم أجمع. وشكرا لكم”.
لوحتان رخاميتان
ثم جال الرئيس عون والوزيران ارسلان وباسيل في ارجاء ساحة النصب، وتوقفوا امام لوحتين رخاميتين رفعتا فيها احداها عن معركة الاستقلال والاخرى عن معركة فلسطين 1948قبل ان يغادر الرئيس عون ويودعه الحضور حتى المدخل.
مرصد الدراسات الجيوسياسية في باريس
وفي وقت لاحق، استقبل الرئيس عون في قصر بعبدا، المدير العام لمرصد الدراسات الجيوسياسية في باريس الدكتور شارل سان برو، والاستاذ في جامعة باريس ديكارت – السوربون جان ايف دو كارا والدكتورة زينة الطيبي، الذين اطلعوا رئيس الجمهورية على “مداولات المؤتمر الذي نظمه المرصد الفرنسي بالتعاون مع مركز دراسات حقوق العالم العربي “cedroma” حول “مخاطر تفكك الدولة في العالم العربي”.
وقدم الوفد للرئيس عون مجموعة من المنشورات الصادرة عن مرصد.