استيقظ العالم اليوم على مذبحة مروّعة، حيث تعرّض مسجد في نيوزيلندا لهجومٍ مسلّح راح ضحيته ما يقارب 50 مسلماً، إلى جانب ما يقارب 50 آخرين من المصابين والجرحى، قام المهاجم ببثٍ حيّ على فيسبوك للمذبحة التي قام بها بسلاحٍ رشاش.
وفقاً للصور المتاحة – وما يظهر في البث الحي – عن سلاح المُهاجم على مواقع التواصل، فقد كتب على بندقيته عبارات وأسماء، وتبيّن أنّ بعض الأسماء تعود لمسلّحين قاموا بهجمات مسلحة سابقاً على مسلمين، بينما كانت العبارة التي أثارت تساؤلاً هي عبارة “فيينا 1683”. فما هي دلالة هذا التاريخ؟ إنه دلالة تاريخية لمعركة ضخمة بين جيوش العثمانيين المسلمة وأوروبا.
عندما هزمت الجيوش المسيحية الدولة العثمانية
دلالة كلمة “فيينا 1683” هي أنها تلك المعركة التي هزمت فيها جيوش الدولة العثمانية من تحالف أوروبي مسيحي، بقيادة ملك بولندا يوحنا الثالث سوبيسكي. كان الصدر الأعظم مصطفى قرة باشا على رأس الجيش العثماني الكبير، الذي بلغ 160 ألف جندي، زاحفاً نحو الإمبراطورية النمساوية، وعاصمتها فيينا للسيطرة عليها بشكلٍ كامل، فهذه العاصمة تمثل العقبة الوحيدة تجاه توسّع الإمبراطورية العثمانية في بقية أوروبا، بعدما توسعت في شرق ووسط أوروبا. وقد حاصر العثمانيون فيينا مدة شهرين (59 يوماً)، وقاربت المدينة فيها على السقوط، حين أرسل الإمبراطور النمساوي رسالة استغاثة لبابا الفاتيكان، وتوسط البابا بينه وبين الملك الفرنسي الذي أرسل بعض الدعم للنمسا. كان للنمسا جسرٌ واحد هو “جسر الدونة” الذي يمكن من خلاله إرسال المساعدات إليها، فما قصة وصول المساعدات عبر هذا الجسر؟
بدأت المعركة دون علم السلطان!
كان السلطان محمد الرابع ضعيفاً بعض الشيء، فقد استلم الحكم في سنٍ صغيرة بعد عزل والده، وقد خرجت الجيوش لسببٍ آخر وهو السيطرة على مدينة “يانق قلعة” وليس لحصار فيينا، لكنّ الصدر الأعظم كان له رأيٌ آخر. بقرارٍ فرديّ لم يحز إجماع قادة الحرب والوزراء قرر إعلان الحرب، ولأنّ قرر الصدر الأعظم لم يحظ بإقرار وإجماع قادة الجيش، فقد حصلت خيانة أوقعت الدولة كلها في هزيمة معركة فيينا. فقد عيّن مصطفى باشا أمير المجر التابع للدولة العثمانية “مراد كيراي” حارساً لجسر الدونة، إلا أنّه لم يدافع عن الجسر أمام قوات بولندا ولورين وألمانيا، وبعض القوات الأخرى، ويقال إنّ بينه وبين قائد القوة الأوروبية رسائل يخبره فيها باستسلام الجسر. اكتملت قوات الأوروبيين بحوالي 135 ألف مقاتل، بينما كانت قوات العثمانيين حوالي 160 ألف مقاتل. تفكُّك الجيش العثماني وعدم انصياعه لأوامر الصدر الأعظم، جعل المعركة تبدأ والنصر حليف الأوروبيين. انتهت المعركة بعد ثلاث ساعات فقط من بدايتها، وأعلن مصطفى باشا عن خطته الانسحابية كي لا ترهقه الخسائر أكثر، وعاد أدراجه مكللاً بهزيمةٍ ضخمة، ستكون لها آثارها المرعبة على الدولة لاحقاً. فهذه المعركة هي التي ستوقف تمدُّد العثمانيينتماماً عن التوسع في أوروبا، وستبدأ من جديد “حروب استرداد” سيقودها الأوروبييون خلال السنين القادمة، لاستعادة ما سيطرت عليه الإمبراطورية العثمانية.
لكنّ معركة فيينا هذه ليست الأولى، فماذا عن معركة فيينا التي انتصر فيها المسلمون؟
دارت معركة “فيينا 1683” في نفس اليوم الذي دارت فيه معركة حصار فيينا قبل 150 عامًا، بالتحديد في أيلول 1529، لكنّها هذه المرة كانت تحت قيادة إمبراطور العثمانيين القوي “سليمان القانوني”. فبعد معركته الضخمة “موهاكس” عام 1526 التي سيطر فيها على المجر تماماً وعلى بعض أجزاء من أوروبا، أراد أن يكسر تلك العقبة الكؤود أمامه “فيينا”! وصلت رسائل للسلطان العثماني تؤكد أنّ أرشيدوق النمسا فرديناند يخطط لغزو المجر وجعلها تحت حكمه، بعدما تواصل مع بعض الأمراء المهزومين في معركة موهاكس، وهنا قرر القانوني تلقينه درساً. جمع القانوني جيشه المكوّن من 120 ألف جندي و300 مدفع عثماني، وهاجم النمسا، طالب فرديناند حلفاءه بإنقاذه لكنّ احداً لم يهب لنجدته، فقد كانت الإمبراطورية العثمانية في أوج قوتها والإمبراطور على رأس جيشه، استمرّ الحصار 25 يوماً.
عرب بوست