خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه
عاد قطار الميناء إلى سكّته، ولم يتمكّن “هنود المرفأ”، برعاية رسمية من وزير الأشغال العامة علي حميّة، من خطف حمولته بما تكتنزه من ذاكرة المدينة وتراثها (برج السباع وسكّة الحديد التي لا بدّ إن تعود الحياة إلى محرّكاتها، ذات يوم..).فقد تراجع الوزير المعني المشرف على مصلحة سكّة الحديد في لبنان عن الأذن الذي أعطاه لإحدى شركات النقل العاملة في المرفأ، ويقضي بتحويل المساحة المفترض أنّها سياحيّة – تنمويّة إلى “كاراج” كبير لشاحناته، علماً بأنّ “الإجازة المؤقّتة التي منحت لركن 15 شاحنة لغاية 31/1/2024” كانت ستتحوّل، بحكم الواقع والنفوذ، إلى إجازة غير مؤقّتة، ولركن ما تيسّر من الشاحنات ولو بلغ عددها 150 وليس 15..ولفترة زمنيّة مفتوحة كما هي الحال في جميع الإجازات والمذكّرات المشابهة، حيث يتحوّل الحيّز العام (الشواطئ اللبنانية مثل حيّ، كما هي الكسّارات مثل مؤلم للبيئة والإنسان..) إلى حيّز مملوك من المتنفّذ أو المقاول، وذلك مقابل “حفنة من الدولارات”!
ما جرى من ردّات فعل كان سريعاً ومؤثّراً.فقد نجح المجتمع المدني في قطع دابر الصفقة المدبّرة في ليل التنسيق ما بين “الوزير والمقاول” حيث تجمعهما مصلحة سياسية واحدة، في خطّ ممانع واحد..ومن مفارقات الصفقة المؤذية للتراث والذاكرة أنّها قد تزامنت مع قرار وزير الثقافة محمد مرتضى بفتح مكتب لوزارته في طرابلس، يداوم فيه لمدّة ثلاثة أيام أسبوعيّاً من أجل مواكبة التحضيرات الجارية لتظاهرة “طرابلس عاصمة للثقافة العربية 2024″، فكيف كان يمكن لطرابلس أن تحتفي بالثقافة فيما الشاحنات تقضم جزءً من هذه الثقافة، ممثلاً ببرج أثريّ سياحي وبسكّة حديد تعكس ماضياً زاهراً وجميلاً؟
الكثير من الجمعيات والناشطين بادروا الى رفع الصوت، مسمّين الأشياء بأسمائها:الفاعل والمفعول به والأسباب الداعية والحال التي كان يمكن الوصول إليها حتماً:
النائب أشرف ريفي إعتبر أنّ “تحويل المنطقة المحيطة بالبرج والسكّة إلى موقف للشاحنات يمسّ هذه المنطقة الأثريّة ويشوّهها”.ودعا وزير الأشغال “للعودة عن هذا القرار وإيجاد الحلّ البديل”، لافتاً إلى أنّ “الأولويّة هي الحفاظ على تراث طرابلس والميناء ومعالمهما التاريخية”.
النائب إيلي خوري قال “على أيّ موظف مهما علا شأنه عدم التفريط بأملاك الدولة والتفكير مليّاً لأنّنا سنكون له بالمرصاد”.
الناشط السياسي المستقل سامر كبارة إستنكر ما أسماه “الأعمال المشبوهة” التي تحصل في محيط برج السباع الأثري.وأكّد على متابعته الموضوع مع وزيري الأشغال حميّة والثقافة مرتضى من أجل “إبقاء المنطقة المحيطة بالبرج خالية من أيّ أعمال لا تخدم المحافظة على التراث والثقافة في طرابلس والميناء”.
وفي بيان لاحق، شكر كبّارة الوزيرين المعنيين على “التجاوب السريع ووقف المشروع والإجازة الممنوحة”.
رضوان ياسين رأى أنّه في الوقت الذي كان ينتظر الطرابلسيون ربط سكّة الحديد بحمص ومن ثمّ بالدول العربية “فوجئوا بتحويل المنطقة الى موقف للشاحنات..”.
القيّمة على بلدية الميناء المستقيلة إيمان الرافعي دعت إدارة سكّة الحديد الى التراجع عن الأذن المعطى لشركة الشاحنات واستبدال المساحة الممنوحة بعقار آخر.
كما رفعت الصوت جمعيات وهيئات تراثية وأهلية، فيما غاب آخرون مكتفين بكيل المديح للخطوة التي قام بها وزير الثقافة بفتح مكتب للوزارة في طرابلس، وهو مديح يبقى ناقصاً دون العمل لحماية ما تمثّله الثقافة من آثار وتراث وذاكرة.