صاحب العرس الانتخابي هو «تيار المستقبل». وقبل الزفّة الانتخابية بدت المكونات الطرابلسية الأخرى وكأنّها ام العروس، وعودها التي أطلقتها قبل أحد الانتخابات، لم تتسع لها الأرجاء الطرابلسية، بأنّها ستجهد لجعل الاستحقاق على الصورة التي ارادها صاحب العرس حاشداً.
ولكن، في يوم العرس ذاب الثلج وبان المرج، وبدا صاحب العرس وحيداً في عرس بلا معازيم، وبمعنى أدق عرس بحضور خجول، ومفاجأته كانت لا تُقاس حين تبيّن له انّهم ذهبوا بوعودهم بعيداً عن هذه المناسبة التي أُريد لها ان تكون سعيدة او مُسعدة لتيار «المستقبل»، الذي قدّم أقصى ما لديه لكي يجعله عرساً حاشداً عليه القيمة السياسية والمعنوية…
عملياً، قالت طرابلس كلمتها، بمعزل عمّن فاز او خسر في هذه الانتخابات. فهي على هزالة عدد المقترعين، قدّمت بانكفائها عن المشاركة في هذا الاستحقاق رسالة واضحة الى مكوناتها السياسية، انّها ليست مضبوطة على أمزجتهم، بل انّها محكومة لمزاجها العام الذي حملها على التصويت بالاعتكاف، علّه يكون مسموعاً اكثر من إسقاطه في صندوقة الاقتراع ليذوب فيها بلا أي مقابل.
في أي حال، سواء تمكّن تيار «المستقبل» او لم يتمكن من إيصال مرشحته ديما جمالي إلى مجلس النواب من جديد، فإنّه امام اختبار لذاته، يفرض عليه أن يضرب أخماسه بأسداسه حول النسبة الهزيلة من الطرابلسيين التي شاركت في يومه الانتخابي، وأيضاً حول ما جعل النسبة الأكبر منهم تفضّل السير في الاتجاه المعاكس لتيار «المستقبل» وعدم الاكتراث باستحقاق يشكّل بالنسبة إليه فرصة استعادة حضوره في المدينة، بعدما أصابه ضمور واضح في السنوات الأخيرة، امام صعود مكونات أخرى وسطوع نجم شخصيات لها ثقلها ورمزيتها لدى الطرابلسيين.
بالتأكيد، انّ هبوط نسبة المقترعين، وكذلك النسبة المتدنية التي منحت أصواتها لمرشحة تيار «المستقبل»، توجّه ضربة معنوية قاسية للمحاولات المستميتة من قِبَل تيار «المستقبل» ورئيسه سعد الحريري لرفع نسبة المشاركة الطرابلسية، لكي تأتي ديما جمالي إلى البرلمان على صهوة نتيجة عالية من الأصوات التي يمكن أن يعتدّ بها، وليس على صهوة أصوات تكاد تكون غير مرئية. ذلك انّ النسبة الهزيلة التي تمكِّن مرشح «المستقبل» من الفوز، لا تشكّل فوزاً حقيقياً بقدر ما تشكّل هزيمة معنوية وسياسية، وربما موصوفاً للآخرين، وإن كان بعضهم يقف اليوم في خانة الحليف والصديق مع تيار «المستقبل». ذلك أنّ الفوز كما الخسارة ليسا للمرشح، بل لتيار «المستقبل» ومعنوياته.
بناءً على نسبة المشاركة المتدنية، يبدو جلياً أنّ تيار «المستقبل» خسر هذا التحدّي الذي دخل فيه الرئيس الحريري شخصياً، وسعى من خلاله إلى الحشد والى إعطاء هذه الانتخابات زخماً يجذب الطرابلسيين الى صناديق الاقتراع. بما يجعلها انتخابات اقرب الى الاستفتاء لتحقيق نصر نيابي لديما جمالي، وبقدر أكبر نصراً سياسياً لتيار «المستقبل» يؤكّد حضوره في المدينة، ومتقدّماً على حضور مكوناتها السياسية والشعبية الأخرى.
ولعلّ الهدف الاساس هو تجنّب خسارة ولو نائب واحد في التركيبة العددية في مجلس النواب. فهذه الخسارة على حجمها المتواضع قد يكون صعباً على الحريري ان يتحمّلها.
هذه النتيجة كانت محسوبة سلفاً من قِبّل الطرابلسيين، وملامحها ظهرت قبل الانتخابات، وبعضها رافق وصول الحريري إلى المدينة، ولعلّ أكثرها جلاء تلك الفيديوهات التي جرى تداولها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمنت تعابير عن خيبة الطرابلسيين من السياسيين، وانتقادات مباشرة لتيار «المستقبل» ورئيسه. وجاء في بعضها: «لماذا لا تتذكرون طرابلس الّا في الانتخابات، وبعد الانتخابات تتركونها للاهمال؟».
المزاج الطرابلسي في هذه الانتخابات عبّر عن نفسه، وقرّر في غالبيته الساحقة الّا يشارك في هذه الانتخابات، وبالتالي ليس المرشح هو الذي فاز، بل فازت المقاطعة إن تعدّدت اسبابها. قد يُقال إنّ الانتخابات الفرعية هي اصلاً تكون فيها نسبة المشاركة ضعيفة، ولكن ثمة اسباباً عديدة قادته الى هذا الخيار:
– اولاً، الاستياء من السياسيين وعدم تصديق وعودهم.
– ثانياً، عدم وجود منافسة فعلية بين المرشحين.
– ثالثاً، عدم وجود قناعة لدى الناخبين بالمرشحين.
– رابعاً، «التحالفات» التي صيغت ليست من النوع المتين بل هي ظرفية وربما اقل من ذلك. والمصالحات التي جرت على الساحة الطرابلسية جرت بالإكراه وليس عن قناعة، وبالتالي كانت كناية عن شيك بلا رصيد، خصوصاً انه لا توجد رؤية سياسية مشتركة بين المكونات، فضلاً عن انّ لكل مكون سياسي رؤيته التي لا تلتقي مع رؤية الآخر.
ودلّت التجربة الطرابلسية انّ مصلحة اي مكون من المتحالفين ظرفياً، هي ان «يتهشّم» المكون الآخر، وربما اكثر من ذلك.
– خامساً، غياب العامل التجييشي للانتخابات، على نحو ما كان حاصلاً قبل انتخابات ايار الماضي.
– سادساً، وربما هنا الأهم، غياب عامل المال الذي يُصرف لجذب الناخبين.
ماذا بعد؟
كل المكونات الطرابلسية تُجمع على ان يوم غد، هو يوم طرابلسي آخر، والانتخابات الفرعية كانت كناية عن ملء فراغ مقعد نيابي، قد لا يترك اثراً في المدينة بشكل عام، انما أثره المباشر سيتبدى في وقت غير بعيد على خط التحالفات والمصالحات التي لم تقم على اساس متين.