في المكاتب التجارية والاقتصادية والمالية في العاصمة الثانية، خلايا ناشطة كخلايا النحل، تنقسم إلى وحدات في محاولة لكسب الوقت قبل الجلسة الحكومية برئاسة سعد الحريري في طرابلس المرتقبة قريباً. وهي سابقة غير عادية، استحوذت على عقول المحللين الطرابلسيين والشماليين، الذين لم يألفوا الأمر منذ أمدٍ بعيد، وإن كان الرئيس الحريري قد استبق الأمر بزيارة إلى طرابلس وبعض المناطق الشمالية، مفتتحاً مجموعةً من المشاريع، التي ستُسهم في النهوض المتوقع للشمال عاجلاً أم آجلاً، خصوصاً أن المزايا الاقتصادية ونقاط القوة المتواجدة كثيرة، ويأتي في طلائعها، «التميمات» المعروفة: مرفأ طرابلس، معرض رشيد كرامي الدولي، مطار الشهيد رينيه معوض (القليعات)، مصفاة البداوي، محطة سكك الحديد، محطة التسفير، وغير ذلك من أعمال البنى التحتية سواء تلك المتعلقة بالمياه أو الكهرباء أو شبكات المياه أو المشاريع التي توقفت لسبب أو لآخر، ويبقى الأهم مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة التي يعول عليها الطرابلسيون أهمية كبرى، إلا أنَّ هذا يحتاج أيضاً لايجاد حل لجبل النفايات الذي يهدد مستقبل هذه المنطقة ومعها سائر المدينة.
كبارة
يعتبر مستشار رئيس الحكومة لشؤون الشمال عبد الغني كبارة، والذي كان قد استضاف قبل أشهر وفداً صينياً كبيراً جاء ليطلع على الإمكانات الاستثمارية في المدينة، أن انعقاد مجلس الوزراء في طرابلس يُشكل سابقة تحصل للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث، مؤكداً أن الجلسة لن تكون استعراضاً ولا مجرد إطلاق للوعود. ويقول في حديث لـ«المستقبل» «طرابلس والشمال بحاجة أولاً إلى برنامج واضح لإنهاء جميع المشاريع المقررة والتي كانت قيد التنفيذ وبالسرعة المطلوبه وثانياً تحضير الملفات والمقتضيات اللازمة، لكي يكون الشمال حاضراً لاستغلال دوره الاستراتيجي واللوجستي على شرق حوض المتوسط». يضيف كبارة «كما أصبح معلوماً من الجميع أن الرئيس الحريري طلب من الجهات الدولية الاهتمام بتفعيل هذا الدور المهم الذي يتناسب مع قدرات الشمال وهي قدرات شبه معطلة منذ زمن، لذلك سوف يلعب شمال لبنان دوراً قيادياً متمماً للاقتصاد اللبناني العام وسيُشكل رافعةً مهمةً للنمو الوطني».
يمتنع كبارة عن إعطاء رقم تمويلي للمشاريع التي سيخصصها مجلس الوزراء لطرابلس، وإن كان هناك من يرى أن هناك سقفاً مالياً مرتفعاً، إذا ما أريد للشمال أن يكون منصة لإعادة إعمار شمال سوريا وشمال العراق أو كعاصمة اقتصادية للبنان، وهو الطرح الذي قدمته غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس في الشمال، وعقدت لأجله مجموعة من المحادثات مع خبراء اقتصاديين واطلعت رئيس الحكومة عليه، وقالت إن ثمة تبنياً من الرئيس الحريري للأمر.
الغزال
واعتبر نادر الغزال مستشار الرئيس الحريري لشؤون التعاون الدولي، أن الحكومة حينما تأتي إلى الشمال بخطتها لن تعود خالية الوفاض، معرباً عن اعتقاده أن الفاعليات الرسمية والبلدية وغيرها من القيادات التي اجتمعت مع اللجنة الوزارية التي خصصت لمتابعة أوضاع الشمال، قد أنجزت الكثير من النقاط التي تستهدف الشمال إنمائياً واقتصادياً، وقال إن هناك مشاريع لا تحتاج تمويلاً كونه هناك موازنات خصصت الاعتمادات لها، وإنما ينبغي الإسراع في تنفيذها، وأن تبدأ.
وأمل في أن تتم الموافقة على بند طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان، في أن يمهد ذلك الطريق أمام الدولة للتعاطي بشكل كلي مع طرابلس وايجاد آلية للمتابعة، وهذه تستوجب صيغة لذلك. وقال إن السياسيين لن يعارضوا، ذلك أنه عندما تنشط المرافق العامة فهذا سيكون ريعه ليس للشمال فحسب بل للبنان وخزينته، وبالتالي علينا إزالة أي عائق من شأنه من أن يحد من طموحاتنا وطموحات الحكومة في ايجاد مخرج لطرابلس لتتحول من الصورة السوداوية إلى وجه من وجوه لبنان المشرقة.
دبوسي
في مكتب رئيس الغرفة توفيق دبوسي ورشة قائمة من طلوع الفجر إلى المساء، اجتماعات متلاحقة مع التجار والاقتصاديين ورجال الأعمال، يقول دبوسي «إن طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان، ليست مبهبطة على مدينتنا.. فمدينتنا قبل أن ترصد نفسها للخارج أي عمليات إعادة الإعمار هي بحاجة لذلك، وهو اسم ليس للفخفخة بل نحن علينا تفعيل المرافق الحيوية في المدينة والتي لا يمكن تعدادها، بل إن موقع طرابلس الاستراتيجي يؤهلها لهذا الدور، ويعلم الرئيس الحريري ذلك ويشجع عليه، بكل تأكيد نحن أقدمنا على هذه الخطوة لثقتنا بنقاط القوة التي تملكها طرابلس». ويضيف «من الماضي، كان حق طرابلس مهدوراً، أما اليوم فإن هدر حقوق طرابلس هو فعلياً هدرٌ لحقوق لبنان، فطرابلس ينبغي أن تكون رافعة اقتصادية».
دبوسي، الذي كان زار موسكو وأجرى محادثات تجارية هناك، والتقى منذ فترة الوزير السعودي المفوض وليد بخاري كما التقى وفداً صينياً لفت أن «سفير الصين في لبنان، طلب منا المشاريع التي تحتاجها طرابلس، وأكد جاهزية بكين لدراستها وتحديد جدواها الاقتصادية»، ويعتبر دبوسي أن لا سقف مالياً للمشاريع التي سيطرحها مجلس الوزراء.
زيادة
وعلى مسافة قريبة من غرفة التجارة في منطقة الضم والفرز حيث نقابة المهندسين في الشمال، خلية من خلايا الحراك الاقتصادي. ويقول نقيب المهندسين بسام زيادة إن انعقاد مجلس الوزراء في طرابلس، يُشكل بحد ذاته توازناً مطلوباً سواء من الناحية السياسية أو التنموية أو الاقتصادية. وقال «هذه سابقة مهمة، تُسجل للرئيس الحريري، الذي لم ينفك يوماً عن منح العطف والاهتمام اللازمين لاستدراك الوضع في طرابلس وبقية أنحاء الشمال، فالفترة التي شهدها الوضع منذ 2005 إلى اليوم لم تكن لتساعد على إعطاء الدور المطلوب للحكومة، سيما وأن هذه الفترة شهدت أكثر من 21 جولة اقتتال في طرابلس ومن ضمنها حرب مخيم نهر البارد، كما أن بيروت ولبنان شهدا عمليات تفجير واغتيالات، الآن كل شيء مستقر وعلينا الإفادة من استباب الأمن، والرئيس الحريري يدرك أن المطلوب شمالاً إحداث صدمة إيجابية. وقال«من موقعي كنقيب للمهندسين في الشمال، فإن المطلوب هو آلية اقتصادية تتلخص بالإفادة من الاستقرار النقدي والمالي، وإعطاء دور كبير وتزخيم للمرافق العامة وفي طليعتها المنطقة الاقتصادية الخاصة، وهذا بحد ذاته يجب أن يستهدف رفع القدرات الشرائية للمواطنين في الشمال». ورأى«أن طرابلس مهيأة في المرحلة المقبلة للعب دور كبير في عملية إعادة إعمار سوريا والعراق، ولكن هذا الدور يجب عدم المغالاة فيه، صحيح أن لدينا الكثير من نقاط القوة ولكن أيضاً هناك نقاط ضعف يجب أن تدفعنا إلى تحسين شروطنا في المرحلة المقبلة، وطبعاً نقابة المهندسين تأخذ هذه الأمور بجدية سيما وأنها شريك في الأمر ولها دور كبير مع القطاع الخاص والحكومة». واعتبر أن المطلوب هو تشخيص لحالة الشمال، لنبني على الشيء مقتضاه، في وقت معين دخلت طرابلس العناية الفائقة، ولكن الأمور اليوم تبدو إلى انفراج، وهذا يعود إلى انطلاق العملية السياسية وانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل الرئيس سعد للحكومة التي تعني ما تعنيه سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، المطلوب دائماً استقرار العملية السياسية التي تشكل قاعدة صلبة للاستثمار وانطلاق العملية الاقتصادية.
من جهته، رحب رئيس جمعية تجار زغرتا جود صوطو، بالمبادرة الحكومية إزاء الشمال، واعتبر أن طرابلس هي الرئة التي تتنفس من خلالها جميع المناطق الشمالية، هي لؤلؤة لبنانية، والمجيء إلى الشمال هو بحد ذاته نقطة ايجابية.
إذاً، الشماليون برمتهم ينتظرون الدخان الأبيض الذي سيخرج من الجلسة، وما على الحكومة إلا أن تحرك عجلات المشاريع وأن تمنح القطاع الخاص جرعة تفاؤل بعد إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. فالمرجو من الحكومة تحرير أكثر من 50 في المئة من الشماليين من الفقر ومساواة طرابلس، عبر الإنماء المتوازن، بسواها من المناطق، سيما وأن الكثيرين أعربوا عن ثقتهم بقدرة الرئيس الحريري في إلحاق القاطرة الشمالية بعربة النمو الاقتصادي من خلال أمور سهلة المنال.. ويقولون إن ذلك سيشكل ربحاً لا ينحصر فقط في زيادة مداخيل المالية للدولة.
رائد الخطيب – المستقبل