الداخل الى مكتب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في طرابلس يفاجأ بهول الماساة اليومية للمراجعين.
فمنذ اللحظة الأولى لدخولك المبنى تسمع أصوات المراجعين وضجيجهم: هذا يسأل عن مكتب موظف، وذاك يشكو سوء المعاملة، وآخر لم تنجز معاملته بعد عناء الانتظار. وما ان تطأ قدماك مكتبا من المكاتب حتى ترى عشرات المواطنين يتزاحمون بطاوبير امام بعض الموظفين يتوددون لهم ويلتمسون عطفهم، عل امورهم تسير دون عرقلة او منة، فيما اخرون لا يرضون لأنفسهم هذا الموقف المذل فيعلو الصراخ، وتبدأ المشاحنات ويتعاظم طابور المراجعين طولا وعرضا، وتتاخر معاملات الناس اكثر فاكثر.
ولكن مهلا، فهذا الامر قد اصبح مشهدا يوميا، فلم العجب؟ وهذا أمر اختبرته بنفسي: فبعد عناء الانتظار تكرم علي الموظف وسلمني المعاملة فوجدت فيها خطأ. راجعته فقال إن هذا الامر يعالجه رئيس المكتب..قلت حسنا. دخلت الى مكتب الاخير واطلعته على معاملتي فتكبد عناء النظر اليها بطرف عينه وقال: ان هذا الامر لا يصحح عندي.
لماذا؟
ودون أي مبالاة اجاب: لست مخولا بالدخول الى البيانات والتصحيح فيها.
بالطبع، ان تصرفه هذا جعلني لا اثق بكلامه، فاخذت اسال من هو الموظف المخول بتصحيح هذه البيانات، فكان الجواب المتوقع: رئيس المكتب.
تركت ضمان طرابلس وانطلقت الى مكتب شكا فاذا بالمشهد مغاير كليا،
لا طوابير للمضمونين، الموظفون خلف مكاتبهم يستقبلون المرجعات دون تذمر وبشكل طبيعي، الموطنون ينجزون معاملاتهم بسهولة وسرعة.
دخلت الى مكتب مدير المركز طنسا متى وسلمته معاملتي الصادرة من ضمان طرابلس اخذها مرحبا وانجزها بثوان، وسالني مستغرا لماذا لم تصححها في ضمان بطرابلس؟.
هززت براس وعرفت انذاك سبب الاكتظاظ والفوصى في مكتب ضمان طرابلس، وسبب التنظيم وتيسير امور الناس في مكتب ضمان شكا.
وهنا بيت القصيد.. عندما يتعامل المسؤول باستهتار مع مصالح المراجعين فمن الطبيعي ان يحذو الموظف حذوه، على قاعدة: “اذا كان رب البيت بالدف ضاربا، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص”. لذلك، فإن العمل في الادارات العامة لن يستقيم طالما أن ثمة موظفين يعتبرون انفسهم فوق المحاسبة. واول خطوة بالاتجاه الصحيح تكون بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
(يتبع)