لا تتخذ عملية ضبط الحدود اللبنانية السائبة، أهمية اقتصادية ومالية “داخلية” فحسب، بعد ان تبين ان المعابر غير الشرعية المنتشرة عليها، وعددها 143، نشيطة وتعمل دونما حسيب او رقيب، رغم علم الدولة والاجهزة الأمنية المعنية بها وبأماكنها، حارمة الخزينة مليارات الدولارات… بل تشكّل هذه القضية أيضا، أولوية “دولية” عسكرية – استراتيجية، وفق ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”.
فإحكام المؤسسة العسكرية سيطرتها على طول الحدود الشرقية، يُعدّ أحد أبرز اهداف المجتمع الدولي، لبنانيا، مواكبة للتطورات المتسارعة في المنطقة، وللجهود التي تبذلها العواصم الكبرى لتسوية الصراعات التي تمزّق الشرق الاوسط. للغاية، يواصل البريطانيون بإصرار، مدّهم الجيش اللبناني بأبراج مراقبة يتم نشرها على طول السلسلة الشرقية لضبط كل التحركات المشبوهة، العسكرية منها والتجارية، عبرها، وقد تبين ان لبنان ومن خلال هذه المساعدة، التي دخل على خطها ايضا الالمان والفرنسيون والاميركيون، تمكّن من انشاء هذه الابراج، ومن انشاء ألوية الحدود وقد بلغت خمسة الوية حتى الان، مهمّتها فرض سيطرتها على هذه المنطقة الجغرافية المترامية الاطراف ذات الطبيعة المعقّدة والدقيقة. وفي هذه الخانة، تصبّ زيارة السفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد والسفير البريطاني في لبنان كريس راملبنغ، منذ ايام، الى الحدود الشرقية برفقة قائد الجيش العماد جوزف عون في جولة ميدانية، تفقدوا خلالها سير عملية ضبط الحدود على الارض، عشية انتقالها الى مراحل جديدة ستشمل ربط الابراج بعضها ببعض، وفق تقنيات تستعين بالاقمار الاصطناعية، ستساعد الجيش اكثر في رصد اي خطوات مثيرة للريبة، والتصدي لها عن بعد، عبر تقنية “الليزر”. واذ تشير الى ان هذا الملف لا بد ان يكون حضر اليوم في المحادثات التي اجراها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الاوسط الجنرال السير جون لوريمر في بعبدا، تلفت المصادر ان مسعى الغرب “حدوديا” لا يقتصر على السلسلة الشرقية، بل يمتد الى الجنوب ايضا.
وتكشف المصادر ان الوساطة الاميركية لفض النزاع الحدودي بين تل أبيب وبيروت ستُستأنف في الاسابيع المقبلة حيث من المرتقب ان يزور الدبلوماسي ديفيد شنكر لبنان، مستكملا ما بدأه سلفه ديفيد ساترفيلد في هذا الملف. ومن غير المستبعد ان تلحظ الجهود الاميركية، اتصالات واسعة، للتوصل الى صيغة تعيد مزارع شبعا الى لبنان وتخرج القوات الاسرائيلية منها.
في خلفية هذا المشهد، سيعوق ضبط الحدود الشرقية، بطبيعة الحال، انتقال عناصر حزب الله من والى سوريا، وسيعوق ايضا مدّه بالاسلحة والصواريخ. أما فض الاشكال جنوبا واستعادة مزارع شبعا، فسيسحبان أيضا ورقتين قويتين من يد الحزب، يرفعهما حاليا للابقاء على سلاحه.
وأشارت المصادر إلى ان، الضاحية تدرك حقيقة النيات الغربية هذه. وعليه، فإنها لا تنظر بعين الرضى الى الاجراءات المتخذة على الحدود، وتراها جزءا من مؤامرة كبرى عليها، لخنق الحزب وتكبيل تحركاته، خاصة إذا ما أضيفت الى العقوبات الاميركية الاقتصادية المفروضة عليه. لكن المجتمع الدولي حاسم وجدي في هذه العملية، ولن يتراجع عنها، ويرى ان إنهاء حالة السلاح غير الشرعي ضرورية لارساء تسويات ثابتة وقوية في المنطقة… فهل يمكن ان ينتقل الحزب من الانزعاج الصامت اليوم، الى العلني في المستقبل؟
المركزية