في الشكل، يعتمد النظام اللبناني على مبدأ تقاسم الإنتاج (قانون ٢٠١٠)، لكنه اعتمد على نظام تقاسم الأرباح (إتاوة وتقاسم أرباح) خلال دورة التراخيص الأولى. خلال دراستنا المعمقة للنظام الضريبي المقترح من وزارة المال، تكوّنت لدينا ملاحظات مهمة عدّة، ينبغي التنبه لها حرصاً على مصالح الدولة.
في الجزء الأول من هذه الدراسة، المنشور في عدد السبت الماضي في “الأخبار”، تناولنا المحاذير والهواجس حول الصندوق السيادي، وكذلك المسائل المتصلة باسترداد التكاليف والإتاوة. في هذا الجزء، سنتناول المسائل المتعلقة بضريبة الدخل والإعفاءات وتقاسم الأرباح. تم وضع هذه الدراسة في إطار سياسة “المركز اللبناني للطاقة والابتكار”، بهدف تحليل الوضع القائم واقتراح توصيات ترتكز على دراسات ونتائج علمية بحتة، تساهم في مواكبة القطاع العام في رسم السياسات وتسهيل اتخاذ القرارات الملائمة، بما يضمن الشفافية والمنافسة
ضريبة الدخل: معدل منخفض مع عائد ثابت للشركات
لحظ المشرّع اللبناني ضريبة دخل بمعدل ٢٠٪ على الأنشطة البترولية، مستنداً إلى دراسة مالية مبنية على بلوكات ذات أحجام مختلفة، بهدف تحفيز الشركات وضمان تنافسية قطاع البترول اللبناني. هذه النسبة المقترحة أقل من المتوسط العالمي العام الذي يقدَّر بـ ٢٦٪ ومتوسط الضريبة المفروضة على دخل الشركات، في ظل عقود امتياز تصل إلى ٤٠٪. مثلاً، في إسرائيل تبلغ النسبة ٢٦,٥٪. إن الرسم البياني لوزارة المال المعروض أدناه، يُبين أن لبنان يقبع في أسفل الشريحة مع قليل من الدول التي تتبع معدلاً كهذا.
نلاحظ من المحاكاة المقدمة من قبل وزارة المال خلال ورشة العمل للنظام الضريبي للنفط والغاز في مجلس النواب، أنه مع ارتفاع ضريبة الدخل من ١٥٪ إلى ٣٠٪ (أي من ١,١ مليار دولار إلى ٢,٨٦ مليار دولار)، تنخفض حصة الدولة من الربح من ٩,٣٦٠ مليار دولار إلى ٧,١٦٤ مليارات دولار، أي معدل ٢,٣٤٪ (صعوبة في التحقق من الأرقام المقدمة من وزارة المال، هذا بالإضافة إلى الاعتماد في الدراسة على سعر ثابت للغاز دون الأخذ في الاعتبار سيناريو هبوط الأسعار في المستقبل، ولكنها تبقى الأرقام الرسمية الوحيدة التي نملك لنبني عليها تقييمنا).
أهداف السياسة العامة هي التي تحدّد تفضيل الأرباح على الضرائب أو العكس
وبالتالي، دائماً بحسب تقييم وزارة المال، تنخفض التدفقات النقدية للدولة بعد الضرائب من ١١,٤٨٣ مليار دولار إلى ١١,٠٤٦ مليار دولار، أي بمعدل ١,٨٪. من الملاحظ أن العامل المسبّب لهذا الانخفاض هو المعيار B، أي حصة الدولة من الربح بعد المعيار Rb (حيث B>Rb)، الذي ينخفض من ٦٥٪ إلى ٥٠٪ عندما ترتفع الضريبة من ١٥٪ إلى ٣٠٪. لذلك قررت الدولة اعتماد نسبة ٢٠٪ لأنه الحد الأمثل الذي يُحقق العائدات المثلى للدولة اللبنانية (دائماً حسب محاكاة وزارة المال).
أيضاً، إن حصة الدولة من الربح عند الشريحة الأولى منخفضة (٣٥٪)، وخاصة ما قبل حدود ٢,٥ للمعيار Rb، مقارنة بالمعدل العالمي الذي هو عند ٤٠٪. لذلك، مع احتمال سيناريو انخفاض الأسعار إلى حدود ٣٠ ــ ٣٥$، وبقاء الحال كما هو عليه في النظام الضريبي المقترح، لا يتوقع أن تحصل الدولة على حصة أكثر من A، ما يشكك في مدى دقة الأرقام المتفائلة عن حصة إجمالية للدولة بنسبة ٦٦,٣٪.
نلاحظ أيضاً أن كل المعايير/المداخيل تتغيّر باستثناء معدل العائد الداخلي للشركة المستثمرة company IRR الذي هو ثابت عند ١٤٪، ومعدل العائد الداخلي للأسهم عند ١٩,٣٪. يبدو لنا وكأن كل معطيات المحاكاة تكيفت لضمان حصول الشركات على عائد ثابت عند كل الظروف بنسبة ١٤٪ (لا يمكن الغوص أكثر في هذا المعطى، نظراً إلى شحّ المعلومات عن هذه النقطة بالذات). وكأن لا يكفي المشرّع اللبناني أن أعطى الحق للشركات بتحديد حصة الدولة من طريق المزايدة، بل ذهب أبعد من ذلك بالضمان مسبقاً عائداً ثابتاً للشركات (الذي هو مخالف لقوانين السوق). السؤال هو، ماذا لو أن أسعار النفط انخفضت إلى ما دون الربحية، فهل تدفع الدولة هذه الأرباح من خزينتها؟ إن تحديد عائد ثابت للشركات يفسر مدى ارتفاع نسب المعايير التي تحدد نسب الدولة المُحدِّدة لعوائد القطاع.
إن تحديد المشرّع لضريبة على الأنشطة البترولية عند نسبة ٢٠٪، مرده إلى المفاضلة بين عدة نسب (١٥٪، ٢٠٪، ٢٥٪ و٣٠٪)، وخصوصاً بين ٢٠٪ و٢٥٪، على أساس صافي التدفقات النقدية للدولة بعد الضرائب أو حصة الدولة الإجمالية. إن التحول من نسبة ٢٠٪ إلى ٢٥٪ يؤدى إلى ارتفاع مداخيل الدولة من الضرائب بنسبة ٣٥٪ (٥٦٩ مليون دولار)، لكن في المقابل تنخفض حصة الدولة من الربح بنسبة ١٧٪ (٦٥٩ مليون دولار). لذلك اختار المشرّع نسبة ضريبة عند ٢٠٪ (حصة الدولة الإجمالية ٦٦,٣٪) لأنها تضمن تدفقات صافية أكثر بـ٩٠ مليون دولار منه عند نسبة ٢٥٪ (حصة الدولة الإجمالية ٦٥,٨٪) أي ما يعادل ٠,٥٪.
اعتماد المشرع على تحديد نسبة الضريبة على حساب التدفقات النقدية فقط، فيه نوع من المجازفة، وخاصةً أن المفاضلة تتمحور حول قيمة لا تتعدى٩٠ مليون دولار. عند المفاضلة يجب النظر إلى فائدة هذا المورد على الاقتصاد العام ككل، وليس على الفرق بين التدفقات النقدية. مثلاً، عندما احتسب المشرّع الحصة الإجمالية للدولة، لم يراعِ مبدأ الفصل بين وجهة الضرائب التي هي مالية الدولة وبين عوائد القطاع (أرباح وإتاوة) التي غالباً ما تكون وجهتها الصناديق الاستثمارية. لذلك، عندما تخفض الضرائب يتجه إلى تفضيل أرباح القطاع، أي الصندوق الاستثماري، على المالية العامة، مع غياب فاضح لأي رؤية أو سياسة أو منهجية واضحة لهذا التفضيل.
مثلاً، تفضل الزيادة في العوائد عندما يكون هناك رؤية استثمارية واضحة للصندوق السيادي، كالاستثمار في الشركات الصاعدة الوطنية وخلق بيئة اقتصادية جديد ecosystem… وغيرها. هذه الأخيرة تكون قيمة مُضافة مهمة ومكملة لأي سياسة مالية توسعية لدعم العمالة والنمو. أما إذا كانت سياسة الصندوق السيادي هي سد العجز أو شراء الدين الخاص، فإن من الأفضل أن ترفع نسبة الضريبة، لأن استثمار ٥٦٩ مليون دولار سنوياً من خلال سياسة مالية هادفة يمكن أن تؤتي ثماراً تتخطى أرباحها كل التوقعات. لذلك، إن أهداف السياسة العامة هي التي تحدد تفضيل الأرباح على الضرائب أو العكس. ولكن، نوصي بجميع الأحوال برفع الضريبة إلى ٢٥٪ لضمان مبدأ حسن التوزيع العادل للحصص بين السياسات العامة (مالية أو صندوق سيادي أو…).
* جزء من دراسة تحليلية في الصندوق السيادي والنظام الضريبي
** مدير وحدة الأبحاث والدراسات في المركز اللبناني للطاقة والابتكار، باريس – فرنسا
تقاسم الربح: حصة الدولة لن تتجاوز ٣٥٪
يبقى الخطر الأسوأ هو أن تستخدم الدولة أموال هذا الصندوق لتغطية خدمة الدين (أ ف ب)
إن (ح د) هي حصة الدولة، و (ر) هو العامل الذي يستعمل لتحديد حصة الدولة (ر= التدفقات النقدية المتراكمة/ نفقات رأسمالية متراكمة).
يحدد A، B و Rb في المزايدة، على أن لا تقل حصة الدولة عن ٣٠٪، هو معدل قليل نسبياً مقارنة بالدول التي تطبق أنظمة مشابهة، وخصوصاً مع تكاليف قابلة للاسترداد عند ٦٥٪، اذ يراوح المتوسط العالمي لحصة الدولة ما بين ٦٥٪ و٨٥٪.
الاعتماد على العامل (ر) لتحديد نسبة الدولة من الربح جيد، ويتطابق مع أغلب الأنظمة المطبقة عالمياً. ولكن ما هو غير مقبول أن تترك المعايير A وB و Rb خاضعة للمزايدة. هذا مثال آخر على افتقار المشرّع للأدوات الحسابية اللازمة لمحاكاة معايير كهذه، والنقص في الخبرات اللازمة لتقييم العوامل المساعدة لحسابها، لذلك لجأ المشرّع إلى الحلول الأسهل، ألا وهي المزايدة. وإلا فلماذا ندع الشركات تقترح عوائد القطاع ما دمنا نمتلك الوسائل اللازمة لتحديدها؟
إذا كان الجواب للشفافية، أو لعدم القدرة على توقع أسعار الطاقة أو لتحفيز للمنافسة، أو للاستفادة من المعلومات الخاصة الممتلكة من قبل المستثمرين، فهذا لا يُبرر الغبن الذي يمكن أن يطاول الدولة، بل على العكس، يجب أن تحدد المعايير وفق قواعد رياضية صحيحة وواضحة لضمان قواعد الشفافية، وهذا ما يشجع على المنافسة بين المستثمرين وإزالة الغبن.
نلاحظ من المحاكاة المقدمة من وزارة المال خلال ورشة العمل في مجلس النواب لعام ٢٠١٦، أن المشرّع حدد، لكل محاكاة، نسبة واحدة للمعيار Rb، حيث تبدأ بـ ٢,٥ (عند معدل ضريبي ١٥٪) وتنتهي ب ٣,٦ (عند معدل ضريبي ٣٠٪). إن تحديد هذا المعيار يلعب دوراً مهماً في تحديد عوائد الدولة من هذا القطاع. لذلك، وجب التساؤل عن مدى دقة هذا المعيار وعن أي أساس احتسب؟ ما الجدوى من تحديد معيار واحد ومرتفع إلى هذا الحد، وخاصة أن معظم الدول تتبع عدة حدود ضيقة لهذا المعيار لا تقل عن ثلاثة؟
لبنان الدولة الوحيدة
في العالم التي تتقاضى
عوائد منخفضة عند هذا الحد
اعتمد المشرّع خلال محاكاته الرياضية في حساب حصص الدولة (A & B) على دمج أول شريحتين (A+PS) تحت مسمى حصة A بمعدل ٣٥٪ عند حدود ٢,٥ للمعيار Rb، وحصة B بنسبة ٦٥٪ فوق حدود ٢,٥ للمعيار Rb. إن تحديد المعيار Rb عند حدود ٢,٥ للشريحة الأولى مرتفع نسبياً، ولا يتطابق مع متوسط النسب المطبقة في الدول المتبعة لنظام تقاسم الأرباح. إلا إذا اختلط الأمر على المشرّع، واعتمد النسبة المستخدمة في نظام تقاسم الإنتاج التي تبدأ بـ ٢,٢٥ ــ ٢,٥٠، كان من المستحسن استخدام نسبة الشريحة الأولى إلى الحدود المتعارف عليها في دول تستخدم نفس النظام، ألا وهو تقاسم الأرباح التي تقارب ١,٥ ــ ١,٧٥.
يظهر من الرسم البياني أنه كي تستفيد الدولة من عائد ٦٥٪، يجب على أسعار النفط أن تزيد على ٦٦$ للبرميل (أي ما يعادل ٤,٢٥$ للغاز، سعر السوق الحالية في البورصة). هذه النسب بعيدة عن الأسعار الحالية للسوق وعن متناول التوقعات للسنوات القادمة، ما يطرح علامات الاستفهام عن إمكانية الوصول إلى حاجز الـ ٦٥٪، ويثير الشكوك حول دقة الأرقام المعلنة، ويهدد مداخيل الدولة من القطاع. هذا بالإضافة إلى أن حصة الدولة من خلال الشريحة الأولى هي ٣٥٪، وهذه أقل من النسب المعتمدة حتى في نظام تقاسم الإنتاج التي تبدأ بـ ٤٠٪. من الواضح، في ظل المعايير المقترحة، أن لا يتوقع حصول الدولة على حصة من الأرباح أكثر من ٣٥٪، ما لم تعدل النسب بنحو يتناسب مع المعدلات العالمية.
عند وضع النظام الضريبي العام، يجب أن لا يغفل المشرّع عن أن سيناريو عودة أسعار الطاقة إلى حدود ٣٠$ ــ٤٠$ أمر محتمل جداً. عند هذه الحدود، وفي ظل التكاليف المرتفعة لاستخراج البترول offshore، لا يُنتظر أن يتخطى العامل R حدود ٢,٥ لفترة طويلة، هذا ما يحدّ من عوائد الدولة عند نسبة ٣٥٪. وبالتالي يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي تتقاضى عوائد منخفضة عند هذا الحد.
الشرط الأساسي لاختيار نظام قائم على اختيار المعايير بالمزايدة، أن يكون له لجنة مؤهلة تأهيلاً عالياً وتمتلك مهارات وكفاءات متميزة لتقييم العطاءات، بهدف تقليل مخاطر الإفراط في الرسملة (over capitalization) وضمان الاستغلال الأمثل للموارد المكتشفة.
إذا برزت مشكلة توقع الأسعار على الأجل الطويل (نتيجة النقص في الأدوات أو التقلبات الحادة في الأسعار)، يمكن الدولةَ اللجوء إلى حلٍّ لتحديد حصة الدولة بناءً على جدول مفهرس على أساس شرائح الأسعار. تحصل بموجب هذا الجدول المعرفة المسبقة لحصة الدولة عند حدود السوق المعرفة في الجدول. إن تحديد المعيار Rb تم وفقاً للمتوسط العالمي المتبع في نظم تقاسم الأرباح (لان هذه المعايير مختلفة في نظام تقاسم الإنتاج). إما نسب توزيع حصص الدولة فقد اعتمدت على الأخذ في الاعتبار على الحدود الدنيا ومتوسط الحدود القصوى لتوزيع الحصص.
دانيال ملحم – الاخبار