تشكّل طرابلس أبرز معاقل تيار «المستقبل»، وهذه الدائرة بنوابها الثمانية ساعدت قوى «14 آذار» على نيل الغالبية النيابية في انتخابات 2005 و2009.
وبغضّ النظر عن نتيجة إنتخابات الأحد والقراءات المتعدّدة لها، إلّا أنّ الناظر الى الخريطة الإنتخابية السنية عام 2018 يلاحظ أنّ تيار «المستقبل» خُرق في كل الدوائر ذات الغالبية السنية باستثناء دائرة واحدة.
وفي نظرة سريعة الى نتائج إنتخابات 2018، يظهر أنّ تيار «المستقبل» خسر نائبين سنيين من أصل 6 في دائرة بيروت الثانية، وفاز الحزب التقدمي الإشتراكي بنائب سني في إقليم الخروب، وخسر «المستقبل» نائباً سنياً في صيدا مدينة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. أما في دائرة مرجعيون- حاصبيا فلم يستطع الخرق، وخسر مقعداً سنياً من أصل إثنين في دائرتي البقاع الغربي – راشيا، وبعلبك – الهرمل.
وشمالاً كما بات معلوماً، احتفظ «المستقبل» بثلاثة نواب سُنة من أصل 5 في طرابلس، بينما خسر نائباً في الضنية لمصلحة النائب جهاد الصمد.
وحدها دائرة عكار بقيت عصيّة على الخرق، إذ نجح «المستقبل» في الإحتفاظ بمقاعدها السنية الثلاثة وفاز فيها كل من وليد البعريني وطارق المرعبي ومحمد سليمان، فيما فاز النائب هادي حبيش عن المقعد الماروني.
لم تبخل عكّار على تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار» منذ عام 2005، وقد احتفظا بنوابها السبعة في دورتي 2005 و2009، لكنّ هناك صرخة كبيرة بدأت تتصاعد ويعبّر عنها بعض نواب «التيار الأزرق».
ولا يختلف وجع أهالي عكّار عن بقية المناطق اللبنانية التي تعاني سوء الأوضاع الإقتصادية، لكن الجديد حسبما يُعبّر أحد نواب «المستقبل» لـ«الجمهورية» «أننا لا نستطيع الحصول على الخدمات للمواطن العكاري، لا من الوزارات ولا من تيار «المستقبل». ويقول: «في السابق كان «المستقبل» يغطي عجز الدولة وغيابها عن منطقتنا، ويؤمّن بعض الخدمات للمواطنين، خصوصاً في نطاق الإستشفاء والتعليم، أما اليوم فالجميع يعلم وضعنا، وبالتالي فإنّ الأمور تتجه نحو الأسوأ، وهذا الأمر يطاول كل الشرائح العكارية وليس فقط جمهور تيار «المستقبل».
وفي جردة على المطالب العكارية، فإنّ نواب «المستقبل» وزملاءهم لا يستبشرون خيراً في الموازنة العامة التي ستُقرّ، إذ إنّ خفض الموازنات للوزارات بات أمراً واقعاً، في حين أنّ عكار، وفي عزّ تدفّق الخير على الوزارات الخدماتية لم تنل حصّتها من المشاريع، وبالتالي يطالبون الرئيس سعد الحريري ووزراءَ «المستقبل» بالنظر الى منطقتهم المحرومة.
وفي سياق درس الموازنة، معلوم أنّ عكّار هي منطقة زراعية تعاني، كذلك فإنها خزّان الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وأيُّ مَسٍّ برواتب العسكريين وموظفي الدولة سيؤثّر على البيئة العكّارية، ما سيزيد من نقمة المواطن على النواب والسلطة في عكار وكل لبنان.
ومن هذا المنطلق، يتخوّف بعض قيادات «المستقبل» من تكرار سيناريو طرابلس في عكار، وذلك من الناحية الخدماتية، إذ إنّه معلوم ولاء جمهور «المستقبل» في عكار لقيادته، لكنّ الأوضاع الإقتصادية وصلت الى حدود غير مقبولة في المحافظة المُحدثة وفي كلّ لبنان.
ولا يمكن الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» معالجة الوضع الإقتصادي في عكّار أو طرابلس أو الضنية بمعزل عن بقية المناطق، إذ إنّ مشكلة هذه المناطق ليست فقط في السياسة، إنما في تأمين أبسط مقومات الحياة والصمود، وهنا يسأل نواب المنطقة وفاعلياتها عما خُصّص لتلك المناطق من مؤتمر «سيدر1»، وهل ستنحصر المشاريع فقط في بيروت وبعض الضواحي؟
يعلم تيار «المستقبل» أنّ الوضع في الشارع السني ليس على ما يرام، فعدم الرضى ظهر في إنتخابات 2018 وليس في الإنتخابات الفرعية أمس الأول، ويعود أساساً حسب قيادييه الى شعور جمهوره أنّ «حزب الله» إنتصر، وأنّ مشروع «14 آذار» قدّ هُزِم، إضافة الى سوء الأوضاع الإقتصادية التي تفاقمت في كل مناطق لبنان ولم تُفرّق بين مذهب أو آخر.
وتؤكّد مصادر مستقبليّة لـ«الجمهورية» أنّ الحريري «يعلم أنه يلتقط كرة نار بين يديه، وهو في أصعب مرحلة من تاريخ لبنان، خصوصاً في حال إضطُّرت الحكومة الى اتّخاذ قرارات موجعة مثل خفض الرواتب مثلاً، مع أنّ الأمر سابق لأوانه، لذلك يتطلّب الأمر تكاتف جميع الأفرقاء من أجل اجتياز المرحلة الصعبة وإنقاذ الوضع، لا الغرق في المزايدات.