تابع وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب برنامج مشاركته في مؤتمر بروكسل حول سوريا ومستقبل المنطقة ضمن الوفد الرسمي برئاسة الرئيس سعد الحريري، وتحدث في جلسة الإفتتاح المخصصة للتربية والتعليم في حضور وزير الشؤون الإجتماعية ريشار قيومجيان، وزير الثقافة السابق الدكتور غطاس خوري، سفير لبنان في بروكسل فادي الحاج علي والوفد المرافق من الوزارة المدير العام للتربية فادي يرق ومديرة مشروع التعليم الشامل صونيا الخوري.
والقى شهيب كلمة قال فيها: “أود في بداية كلمتي أن أتقدم بالشكر من الجهات المنظمة لهذا المؤتمر المخصص لدعم سوريا ومستقبل المنطقة، ولمتابعة القضايا الناتجة عن الأزمة السورية وأبرزها مسألة النازحين، وخصوصا لجهة تأمين تعليمهم في الدول التي نزحوا إليها ومنها لبنان، نظرا لما يشكله هذا الملف على مدى السنوات من إلتزامات وواجبات، تستدعي تكثيف التعاون الدولي من أجل النهوض بها، وهذا ما نأمله ونرجوه من هذا المؤتمر”.
اضاف: “منذ اندلاع الثورة في العام 2011 والحرب عليها مفتوحة من قبل النظام في سوريا، ولبنان يستضيف ما لا يقل عن مليون ونصف مليون سوري نزحوا طلبا للأمان. لقد أصبحت مأساة النزوح قضية عربية وعالمية لا يستطيع هذا البلد الصغير أن يتحملها منفردا دون مساعدة المجتمع الدولي. وبديهي القول أنه يرفض توطين النازحين استنادا إلى الدستور، وإلى البيان الوزاري لحكومتنا، وإلى حق السوريين بالعودة الكريمة والآمنة والطوعية إلى مدنهم وقراهم. إن لبنان والمنطقة يشهدان تزاحما لزيارات كبار الشخصيات السياسية والديبلوماسية الأوروبية والأميركية والروسية والعربية للاستطلاع والبحث معنا في موضوع النازحين، مما يؤشر إلى أن هذه القضية لن تجد حلا في المدى المنظور”.
وتابع: “المتابعة الحثيثة للملف لا تؤكد وجود رغبة فعلية لدى النظام السوري في إعادة النازحين خارج سوريا إلى بيوتهم، ناهيك عن أن النازحين في الداخل لا يستطيعون العودة إلى قراهم ومدنهم بسبب الفرز الديموغرافي الذي مارسه النظام، وفي أفضل الحالات تكون عودة بعض النازحين عودة إنتقائية مما يجعل هذه العودة شبه مستحيلة. إن لبنان يؤكد باستمرار ضرورة توافر شروط العودة الآمنة والطوعية للنازحين إلى بلادهم، لكننا في إنتظار الجهود الدولية والمبادرات العملية للوصول إلى هذه الظروف، نؤكد التزامنا تقديم التعليم لجميع الأولاد الموجودين على الأراضي اللبنانية، إنطلاقا من التزامنا بالشرعة العالمية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل في التربية والتعليم والرعاية، ونسعى إلى إعداد جيل من الشباب المؤهل والمؤمن بقيم الديموقراطية والسلام والقبول بالآخر وحل النزاعات سلميا، ليكون قادرا على الإسهام في إعادة إعمار بلاده، وبمنأى عن الوقوع في شرك الأمية وبراثن الإرهاب”.
واردف: “ومن أجل بلوغ هذه الأهداف والغايات النبيلة، وتمكين لبنان من الإستمرار في تقديم رسالة التربية والتعليم بشكل جيد للنازحين على غرار ما يقدمه للبنانيين. وفي ظل عدم وجود برامج مكفولة دوليا لعودتهم إلى بلادهم في المدى المنظور، فإننا في حاجة إلى دعم ورعاية وتمويل آني ومتوسط يمكن الوزارة من تغطية أكلاف هذا الملف لثلاث سنوات على الأقل مع ردم الفجوات الناتجة عن عدم وجود التمويل الكافي في السنة الدراسية الماضية”.
وقال: “إنطلاقا من كل هذه الظروف فإن الحقائق المثبتة بالأرقام والوقائع تبين أن الحرب السورية أدخلت لبنان في مصاعب تستوجب تضافر الإرادات والجهود الدولية لمساعدته على تحمل هذا العبء الكبير جدا، وأخشى أنه في غياب التزامات واضحة وكافية من جانب المجتمع الدولي أن يعمد النازحون القادرون إلى خوض تجربة نزوح جديدة في إتجاه أوروبا أو دول العالم الأبعد في ظل ضيق الأفق وانسداد طرق العودة الآمنة. هذه العودة التي نصر على خلق الظروف الأمنية والإجتماعية والإنسانية المؤاتية لها وتحقيقها من أجل وضع حد لمعاناة السوريين الذين تشردوا خارج بيوتهم وممتلكاتهم ووطنهم منذ العام 2011 وحتى الأمس القريب”.
اضاف: “لقد شارك لبنان في السنوات المنصرمة في مؤتمرات عديدة في بروكسل ولندن وفي الأمم المتحدة. وهو يحتضن راهنا نحو 213، 000 طفل وشاب في المدارس الرسمية اللبنانية تراوح أعمارهم بين 5 سنوات و 18 سنة. وقد تطور هذا العدد تدريجيا بمعدل 34 % منذ مؤتمر لندن سنة 2016 أي بزيادة نحو 60،000 متعلم، وذلك فضلا عن النازحين جنسيات أخرى مثل الفلسطينيين والعراقيين. وباتت نسبة الطلاب النازحين تشكل إثنين من أصل كل خمسة تلامذة في لبنان، وذلك في ظل ضائقة إقتصادية خانقة وارتفاع معدلات الفقر وتراجع فرص العمل لدى اللبنانيين. وفي ظل مغادرة التلامذة اللبنانيين للمدارس الخاصة باتجاه المدارس الرسمية التي تغص بالنازحين في دوامي قبل الظهر وبعد الظهر”.
وتابع: “لقد أصبح عدد النازحين في دوام قبل الظهر نحو 17% ، وشكل ذلك صعوبة لدى المعلمين والتلامذة في التعليم والتعلم نظرا لإختلاف المستوى ولغة التدريس. وعلى الرغم من ذلك فإن العديد من التلامذة النازحين حققوا معدلات عالية في التفوق ووصل منهم نحو 3200 إلى المرحلة الثانوية، وسوف يتقدم منهم نحو 650 طالبا للامتحانات الرسمية للبكالوريا اللبنانية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مدارسنا تستقبل تلامذة نازحين يأتون من عائلات مفككة أحيانا ويعانون صعوبات نفسية وحاجات خاصة تستدعي أساتذة متخصصين واهتماما زائدا للعناية بهم. لا سيما وأن استراتيجية التعليم في لبنان هي تقديم التعليم الجيد لجميع الأولاد بغض النظر عن جنسياتهم وخلفياتهم الإقتصادية والإجتماعية، وقد بدأنا بالتعليم الدامج في 30 مدرسة رسمية ونتطلع إلى تأمين الموارد للتوسع في هذه السياسة واستقبال المزيد من أصحاب الصعوبات والحاجات الخاصة”.
واردف: “كما أن لبنان يستقبل 75000 متعلم في برنامج التعليم غير النظامي Non Formal Education وبرنامج التعليم المسرع Accelerated Learning m Progra (ALP) للتلامذة الذين لم يحظوا بفرصة دخول المدرسة في حياتهم ولكي لا يبقوا أميين حروفيا ويصبحون عرضة للمنزلقات والتطرف، وذلك ريثما تتوافر لهم المقاعد الدراسية للتحول إلى التعليم النظامي أو إختيار مهنة للمستقبل. وفي ظل كل هذه الجهود التي نبذلها والتي يتابعها معنا المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والجهات المانحة، فإنه يتعذر علينا الإستمرار من دون دعم مالي وفني من جانب الشركاء، وقد بينت الأرقام أن حاجاتنا في العام 2016 بلغت نحو 350 مليون دولار، ووصلنا منها نحو 206 مليون دولار مما تسبب بفجوة مالية قدرها 28 مليون دولار، وفي ظل هذا الوضع فإن لبنان لن يكون قادرا على المضي قدما في رفع عدد النازحين المسجلين في المدارس الرسمية ما لم تصله المساهمات المالية في الوقت المناسب”.
وقال: “إننا ندعو جميع المانحين والداعمين لمشروع الوزارة لتأمين التعليم للجميع RACE ، إلى الإطلاع على كيفية إنفاق المساعدات وعلى النتائج المحققة خصوصا في تعليم الأولاد من الفئات الفقيرة والمهمشة، وفي التعليم النظامي وغير النظامي، ونتطلع إلى اللقاء بهم في بيروت. هنالك إستحقاق جديد يتمثل بالولادات الجديدة للنازحين في لبنان إذ تبين أن نحو 70،000 طفل أصبح في عمر التعليم من المواليد الجدد منذ بدء النزوح في العام 2011 وذلك يتطلب فتح روضات لاستقبالهم في المرحلة التحضيرية، كما في حالات كثيرة يتطلب ذلك وجود اختصاصيين نفسيين وصحيين لمساعدتهم على تجاوز معاناتهم. أما خفض تمويل الأونروا فقد جعل الآلاف من الفلسطينيين الموجودين في لبنان أو الفلسطينيين النازحين من المخيمات السورية وتحديدا من مخيم اليرموك الذي يعمل النظام على تفريغه بالكامل، يتدفقون إلى المدارس الرسمية كون مدارس الأونروا غير قادرة على استقبالهم. هذا الوجود المكثف للنازحين جعل مدارسنا غير قادرة على الإستمرار في تأدية دورها، نظرا للإستهلاك المضاعف للمباني والخدمات والتجهزيات واستهلاك المياه والكهرباء والحاجة إلى النظافة المتكررة والتعقيم. كما أن الأعداد الجديدة تستدعي فتح مدارس جديدة بدوام بعد الظهر مع ما يعنيه ذلك من استقطاب معلمين وإدارة وترميم وتجهيز ونقل وغير ذلك”.
اضاف: “إننا نرفع الصوت وندعو جميع الأصدقاء والشركاء والمهتمين في العالم إلى مد يد المساعدة، والإستمرار في الإستثمار في آلاف الشباب السوريين في لبنان، خشية تحولهم إلى مشكلة أخرى أمنية أو جعلهم فريسة مافيات نقل المهاجرين في البحر وإلقائهم على شواطئ أوروبا مع كل المخاطر الناجمة عن ذلك. إنني أكرر الشكر لجميع الأصدقاء في العالم وأدعو إلى النظر بكل جدية إلى حاجات لبنان لكي يتمكن من الإستمرار في التزاماته التربوية والإنسانية”.
لقاءات
وعقد شهيب ووفد الوزارة اجتماعات ولقاءات جانبية على هامش مؤتمر بروكسل بدأها مع الوزير الإتحادي الألماني لشؤون التعاون الإقتصادي والتنمية غيرد موللر، وتناول البحث برنامج الوزارة لتعليم جميع الاولاد الذين هم في عمر الدراسة، سيما وان لبنان يعترف بحق كل الطفال في الوصول إلى التعليم، ولا يجوز بقاء أي تلميذ خارج إطار منظومة التعليم، على اعتبار ان تعليم النازحين يحمي المجتمع السوري لاحقا ويؤمن مستقبلا افضل”.
وشدد شهيب على “ضرورة وضع خطط لثلاث سنوات على الأقل وذلك من اجل تأمين الموارد لتعليم هؤلاء الأطفال، كون العمل سنة فسنة لا يؤمن استمرارية للخطة الاستراتيجية التي تضعها الوزارة، وبالتالي فان النقص في الموارد يجعل الوزارة تعاني مشاكل تمويلية في منتصف العام الدراسي”.
كذلك عقد شهيب لقاء مع نائبة وزير الخارجية النروجية السيدة ماريان هاغن تم في خلاله البحث في الجهود الاوروبية والدولية لتوفير الدعم لخطة وزارة التربية لتأمين التعليم للجميع”.