خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه
من صواريخ غزّة التائهة، إلى براميل سوريا الأسد، إلى حفاة اليمنيين وخناجرهم، إلى إنتصارات حزب الله اللامتناهية..إلى اشتباكات عين الحلوة الدامية، يدور الموت في هذه الأمّة المتهالكة دورات عبثيّة لا حدود لها، لا أفق، ولا نهايات.
نموت بالمجّان، وبالعشرات.بالكاد نجد من يدفن قتلانا.نفرح بإضافة “الشهيد” فننسى الأحبّة والخسارات، ونهلّل بمزيد من الرصاص، مع علمنا علم اليقين أنّ هذا الرصاص الطائش لا بدّ أن يصيب رؤوس أمّهاتنا وأطفالنا وأصحابنا:لا يهمّ.فالأساس أن تطول لائحة الشهداء، تطول وتطول..
نعيش في جنازة مفتوحة.أحياء ينتظرون موتهم البطيء في وداع ميت سبقهم الى ذلك القدر المحتّم المشؤوم.كأنّه كُتِب على دمائنا أن تسفك منذ فجر التاريخ (غزوات وخيانات وقطع رؤوس وانقلابات وغدر بالأصدقاء والحلفاء..)، وأن يُكتَب الماضي والحاضر والمستقبل باللون الأحمر، ليس إلّا!
حرب مَن يخوض فلسطينيّو مخيّم عين الحلوة؟هي معارك لا تنتج لهم ولنا سوى الدمار والخراب، على أن تنتهي ب “لا غالب ولا مغلوب” كما يظهر بعد أيّام في عناوين الصحف. ولكن في الحقيقة (وهي حقيقة مُرّة على الدوام) سيكون هناك غالب، وسيكون هناك مغلوب:”الغالب” هو صاحب الورقة أو الرسالة، هو اللاعب بمصير الناس لحسابات محلّية أو إقليمية.ومَن أقدر على أداء هذه اللعبة القذرة من فريق الممانعة، ممثّلاً بحزب الله؟و”المغلوب” هو عشرات الضحايا والجرحى والمشرّدين والذين يمكن أن تقضي المعارك على مالهم ورزقهم وأحبّتهم!
إنّه عصر الدم، كأنّه لا ينتهي في شرقنا الممزّق.كلّ العصور تبدأ وتنتهي، إلّا هذا العصر الذي يمتدّ من خليفة الى خليفة، من أمير الى أمير، من حاكم الى حاكم، ومن دولة الى دولة. كأنّه عدوى قد أصابتنا ولم تجد علاجاً لها، لا في الكتب السماويّة التي أُنزلت في هذه البقعة من الأرض، ولا في حداثة العلم والديمقراطية كما في الطرف الآخر من هذا الكوكب.
ربّما هو قدر حالك.ربّما هي لعنة أبديّة.ربّما هو سحر أسود أصاب الماء والهواء والتراب، ما حوّل أيّامنا الى مآتم متسلسلة، وشوارعنا الى مسيرات جنائزيّة، وجدراننا الى أوراق نعاوي..وعيوننا الى بؤرة دموع لا تجفّ ولا ترتوي!