في وقت يستمر التناحر الحكومي وصراع الصلاحيات بين قصر بعبدا والسراي الحكومي، برز إلى الواجهة السيناريو الذي يحضّر له التيار الوطني الحر والرامي إلى الطلب من الوزراء المسيحيين الاستقالة من تصريف الأعمال في محاولة للضغط على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي قدّم تشكيلة لم تعجب رئيس الجمهورية ميشال عون، ورأى فيها رئيس التيار جبران باسيل محاولة لتهميش دور وصلاحيات الرئيس الجمهورية كشريك كامل في عملية التأليف.
ويلوّح التيار العوني بهذه الخطوة للقول إنه لا يمكن حشر الرئيس عون على أبواب نهاية العهد وأنه ما زال يملك أوراق قوة في مواجهة من يحاول تطويقه ومحاصرته. ولكن في المقابل، إذا كان سيناريو استقالة الوزراء المسيحيين من تصريف الأعمال يرمي إلى محاصرة وتطويق الرئيس ميقاتي بهدف إخراجه تيمناً بالسيناريو البريطاني الذي أقصى رئيس الوزراء بوريس جونسون، فإن ما يصح في بريطانيا لا يصح في لبنان ونجيب ميقاتي لن يكون بوريس جونسون اللبناني، بل سيستمر في أداء مهمته سواء على رأس حكومة جديدة أو على رأس حكومة تصريف الأعمال ليشهد على خروج الرئيس عون منتصف ليل 31 تشرين الأول/أكتوبر.
أما السيناريو الذي يطمح إليه باسيل من خلال دفع وزراء محسوبين على العهد والتيار إلى الاستقالة فهو غير واقعي لأنه لا يمكن لوزراء في حكومة معتبرة مستقيلة أن يستقيلوا، وكل ما يمكنهم فعله هو الاعتكاف أن التوقف عن تصريف الأعمال كما سبقهم إليه وزير البيئة في حكومة الرئيس حسان دياب الوزير دميانوس قطار الذي رغم استقالته قبل يوم من استقالة حكومة دياب عاد ليصرّف الأعمال نزولاً عند تمنّي موظفي وزارته لئلا تؤول مسؤولية تصريف الأعمال إلى الوزير بالتكليف، وهو ما سيحدث في حال توقّف وزراء عن تصريف الأعمال في وزاراتهم.
إلا أنه حتى أمنية باسيل بدفع وزرائه إلى الاستقالة قد لا تجد الصدى عند الجميع لأن بعض الوزراء وعلى عتبة نهاية العهد قد تكون لهم حساباتهم الخاصة التي لا تلزمهم السير بقرار رئيس التيار. وبين هؤلاء الوزراء وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الذي أعد مع الرئيس ميقاتي البيان اللافت حول مسيّرات حزب الله والذي لم يكن محل ارتياح لا في قصر بعبدا ولا في مقر باسيل في ميرنا الشالوحي. كذلك فإن وزير السياحة وليد نصار الذي أثبت نجاحاً في وزارته ليس من مصلحته الظهور كوزير تابع لحزب وهو الذي يحرص في كل اطلالة على القول إنه وزير مستقل.
وبين الوزراء المسيحيين الذين لن يستجيبوا لرغبة باسيل نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي المحسوب على الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يشرف على خطة التعافي الاقتصادي والمالي والذي دافع عنه الرئيس ميقاتي في بيانه الأخير رافضاً «الحملة الجائرة التي يتعرّض لها والتشويه المتعمّد لعمله وللخطوات التي تقترحها الحكومة» والتي كما قال «لن تردعه عن المضي في العمل المهني والدؤوب الذي يقوم به على صعيد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للتوافق على ما هو الأفضل لحفظ حقوق المودعين وعدم ضرب القطاع المصرفي في الوقت ذاته». وسيتمايز عن القرار وزير الصناعة جورج بوشكيان المنتمي إلى حزب الطاشناق، ثم هناك وزير الشباب والرياضة جورج كلاس الذي لن يلبي رغبة باسيل وهو الذي تربطه علاقة صداقة برئيس مجلس النواب نبيه بري. كذلك فإن وزيري «تيار المردة» زياد المكاري وجوني قرم سيلتزمان بالوقوف إلى جانب ميقاتي ولن يسايرا التيار، وقد تحذو حذوهما وزيرة التنمية الإدارية نجلا الرياشي. وهذا يعني أن 8 وزراء من أصل 12 وزيراً مسيحياً سيواصلون مهامهم ويمنحون الميثاقية لحكومة تصريف الأعمال خلافاً لما كان عليه الوضع عندما انسحب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والتي بقيت أيضاً مستمرة في مهامها رغم وصفها بأنها «حكومة مبتورة وغير دستورية». وعليه قد يقتصر الأمر على وزير الدفاع موريس سليم، ووزير الطاقة وليد فياض، ووزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار ووزير العدل هنري خوري الذين سيكونون في وضع لا يُحسَدون عليه أمام الرأي العام نتيجة اعتكافهم وتخليهم عن مسؤولياتهم لحسابات خاصة.
وهكذا، إذا كان وزراء حكومة جونسون انسحبوا في بريطانيا وفرضوا استقالته، فإن وزراء ميقاتي سيصمدون ولن يفرضوا استقالته أو يعرّضوا حكومته لاهتزاز ميثاقيتها التي تفرضها مقتضيات الوفاق الوطني. وبعدما لم ينجح باسيل في سحب ميثاقية التكليف بعد امتناعه عن تسمية ميقاتي مستفيداً من امتناع نواب حزب القوات اللبنانية، فهو لن ينجح مرة جديدة في سحب الميثاقية عن حكومة تصريف الأعمال. وسيجد رئيس التيار نفسه بعد أشهر قليلة في شبه عزلة سياسية بعد أفول العهد وذهاب ميشال عون إلى بيته لأنه بذلك سيخسر ورقة القوة الأساسية التي كان يتسلّح بها لممارسة ضغوطه وفرض شروطه على الآخرين، ومن هنا تُفهَم كل المحاولات الرامية إلى تحصين وضعه في خلال هذا العهد وضمان مستقبله السياسي منذ الآن من خلال التعجيل وليس التأجيل في بت الاستحقاقات والتعيينات.
المصدر: القدس العربي