جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / اقتصاد / “سيدر” حلَّ مُشكلة الإستثمارات وبقيت مُشكلة المالية العامّة
وزارة المالية

“سيدر” حلَّ مُشكلة الإستثمارات وبقيت مُشكلة المالية العامّة

حصد لبنان ما يقارب الـ 11 مليار دولار أميركي في مؤتمر سيدر 1 منها 860 مليون دولار أميركي على شكل هبات. وإذا كانت هذه الأموال تُشكّل نوعا من الأوكسيجن للإستثمارات في الإقتصاد اللبناني، إلا أن الدوّلة ما زالت تواجه مُشكلة إيرادات الخزينة التي تحتاج إلى تدّعيم في ظل زيادة الإنفاق.

تهدف السياسات الإقتصادية إلى إيصال المُجتمع إلى مستويات عالية من التطور الإقتصادي، الإجتماعي، التكنولوجي… وغيرها. هذا الأمر يفرض على الحكومات وضع خطط عملية تزيد من فعّالية الماكينة الإقتصادية حيث يتمّ تعظيم الإنتاج بإستخدام كل الموارد المُتاحة.

بالطبع هذا الإجراء يفرض ضمان حرّية اللاعبين الإقتصاديين وحماية حقوقهم (ملكية…)، كما وضمان ثبات إقتصادي من خلال تخفيف التغيّرات في نسب النمو الإقتصادي، وتوزيع عادل للثروات في المُجتمع كلٌ بحسب مُساهمته.

من هذا المنطلق وبنظّرة إلى الإقتصاد اللبناني، نرى أن هناك سوء إستخدام للموارد المتوفّرة (إن بسبب التخطيط أو نتاج فساد أو هدر). وبالتالي، هناك خسارة حسابية في الناتج المحلّي الإجمالي ناتجة عن ثروات كان للإقتصاد اللبناني القدرة على خلقها لكن بسبب سوء إستخدام الموارد لم تتمّ الإستفادة من هذه الثروات.

تُعتبر الأموال جزء من هذه الموارد وهي موزّعة بين لاعبين أساسيين هما الأسر والشركات وثانويًا مع الدوّلة التي من المفروض أن أموالها تأتي حصريًا من الضرائب وليس نتاج إنخراطها في اللعبة الإقتصادية.

تقول النظرية الإقتصادية أن الأموال المُتوفرة في البلد يجب إستخدامها في إستثمارات في الماكينة الإقتصادية وذلك بحكم أن الإستثمار هو مفتاح خلق الوظائف وبالتالي الإستهلاك وكنتيجة الناتج المحلّي الإجمالي.

الأموال المتوفّرة في لبنان لا تُستخدمّ بشكل جيد من ناحية أن عجز الدوّلة اللبنانية يدفعها إلى الإستدانة من الأسواق وبالتالي مُنافسة القطاع الخاص على الأموال التي كان ليستخدمها في الإستثمار في الماكينة الإقتصادية. وزاد من الأمر سوءًا نسب الفوائد التي تدفعها الدولة اللبنانية على سندات الخزينة مما يتضارب وعائدات الإستثمارات في الإقتصاد اللبناني في ظل تردّي عوامل الإستثمار (إطار قانوني، فساد، أحداث أمنية…).

كل هذا للقول أن المُشكلة في لبنان تبقى بإلإستخدام السيء للموارد المُتاحة كما تنصّ عليه النظرية الإقتصادية.

حاجة الدوّلة إلى الأموال آت من عاملين أساسيين: نقص في الأموال المُحصّلة من الضرائب، والهدر في الإنفاق. وهذين العاملين هما ما يُطالب المُجتمع الدولي، من خلال مؤتمر سيدر 1، لبنان بمعالجتهما. أي بمعنى أخر، يُطالب المُجتمع الدولي الدوّلة اللبنانية بتحصين تحصيل الضرائب (وليس زيادتها كنسبة مئوية) ووقف الفساد والهدر المُستشريين في الإدارة العامّة.

وهنا لا بدّ لنا من إلقاء نظرة على أسباب تراجع مداخيل الدولة من الضرائب التي تُعتبر المدخول الوحيد للدوّلة اللبنانية (في الأحوال الطبيعية):

أولًا – التهرّب الضريبي والذي أظهرت الدراسة العلمية التي قمنا بها أن قيمته تصل إلى 7.2% من الناتج المحلّي الإجمالي سنويًا أي ما يوازي 4 مليار دولار أميركي (لقد كنا من أول من أعطى هذه الأرقام في مقال نُشر في جريدة الجمهورية بعنوان «الفساد يُكلّف لبنان 10 مليار دولار سنوياً « بتاريخ 3/1/2015).

على سبيل المثال، يُعتبر التهرّب الضريبي في المرفأ والمطار وعلى الحدود، التخمين العقاري، التهرّب من دفع الضريبة على القيمة المضافة، التهرّب من دفع ضريبة الدخل، الأملاك البحرية والنهرية… من أكثر الأبواب التي يتمّ من خلالها التهرّب من دفع الضرائب.

ثانيًا – تحصيل الجباية من فواتير ورسوم على معاملات وخدمات قدّمتها الدوّلة (تلفون، كهرباء، رسوم…) والتي تخطّت حتى الساعة الـ 3.5 مليار دولار أميركي. الجدير ذكره أن الفرق في هذه الحالة أن المعنيين معروفون بالأسماء وليسوا مجهولين كما هي الحال في التهرّب الضريبي.

ثالثًا – الإقتصاد الموازي (Informal Sector) والذي يبلغ حجمه 38% من الإقتصاد اللبناني أي أن الحجم الحقيقي للإقتصاد اللبناني هو 70 مليار دولار أميركي! وبالتالي فإن عدم خضوع نشاطات الإقتصاد الموازي للضرائب يؤدّي إلى تراجع كبير في مداخيل الدوّلة اللبنانية (أقلّه 38%).

رابعًا – الفساد في الإدارات العامّة حيث يتوّجب دفع الرسوم نسبة لحجم العملية، لكن الموظّف يعمد إلى تغيير واقع العملية على الورق لكي يتمّ دفع مبلغ أقلّ للخزينة وبالتالي يستحصل هو على حصته. وهذه الخسارة تبلغ أقلّه 20% من إجمالي ما تجنيه الدولة اللبنانية من إجمالي الرسوم المفروضة.

خامسًا – الخسارة غير المُباشرة على خزينة الدوّلة الناتجة عن ضرائب كانت لتحصل عليها الدولة لو أن النشاط الإقتصادي كان أكبر (هذه الحالة تُسمّى بضياع الفرص الإقتصادية). وبحسب النموذج الحسابي الذي وضعناه، تُقدّر هذه الخسارة بما لا يقل عن 4.5 مليار دولار أميركي سنويًا!

سادسًا – المُعاهدات التي وقّعتها الدولة اللبنانية مع الإتحاد الأوروبي (التبادل الحرّ) ومع الدول العربية (معاهدة التيسير العربي) والتي حرمت الخزينة من الكثير من الرسوم الجمركية على البضائع المُستوردة من الإتحاد الأوروبي ومن الدول العربية. الجدير ذكره أن ما لا يقلّ عن 40% من إستيراد لبنان مصدره الإتحاد الأوروبي و10% من الدوّل العربية، وبالتالي فإن الخسائر ترتفع إلى ما يقلّ عن ملياري دولار سنويًا!

لذا، ومما تقدّم نرى أن إيرادات الدولة بحاجة إلى تدّعيم وهذا الأمر يفرضّ خطّة واضحة من الحكومة تسمح بتحسين مداخيل الدوّلة كي لا تتجّه إلى الإقتراض من الأسواق وبالتالي منافسة الإستثمارات في القطاع الخاص.

هذه الخطّة تحوي على النقاط التالية:

أولًا – وضع قاعدة بيانات مُوحّدة بين الجمارك، وزارة الإقتصاد والتجارة ووزارة المال.

ثانيًا – خلق وحدة مكافحة التهرّب الضريبي والإختلاس على أن تُطلق يدها ولا تكون خاضعة لقانون السريّة المصرفية.

ثالثًا – سنّ قانون يُعاقب فيه التهرّب الضريبي على أساس أنه جريمة وليس جنحة يتم فيها دفع المُستحقات فقط.

رابعًا – منع العمليات النقدية التي تفوق قيمتها الثلاثة آلاف دولار أميركي وحصرها بالبطاقة المصرفية أو الشيك المصرفي أو التحاويل المصرفية.

خامسًا – وضع قانون خاص يرعى عمل شركات الأوفشور لمزيد من الشفافية المالية.

سادسًا – تدعيم دور الجمارك وزيادة الرقابة على أفرادها.

إن هذه الخطوات وحدها كفيلة بمحو عجز الموازنة في أقل من سنتين. وبما أن كل الأحزاب اللبنانية في جلسة مجلس النواب لمُناقشة الموازنة قد صرّحت أنها تريد مُكافحة الفساد، فليكن شعار حكومة ما بعد الإنتخابات «حكومة إستعادة السلطة المالية للدوّلة اللبنانية».

(الجمهورية)