وتلفتُ إلى أنه على رغم إعلان باسيل أمس الأول «الضوابط الخمسة» التي تجعل قانونَ النسبية على أساس 15 دائرة مقبولاً لدى «التيار الحر»، إلّا أنّ هذا الموقف لا يزال يحتمل، وفق النسخة الأساسية لخطة مناورة باسيل التفاوضية، تنازلاتٍ تقوم على أساس إجراء مزيد من المقايضة.
واستناداً إلى رواية هذه المصادر، فإنّ خطة التسوية النهائية حول قانون الانتخاب الذي يقبله عون وباسيل، قد وضِعت باكراً، وإنّ طرح باسيل للقانون التأهيلي كان بداية مسارِها، ولذلك تقصَّدَ البدءَ بسقفِ مطالب عالٍ قوامُه حصدُ 55 نائباً مسيحياً بأصوات مسيحية، ولكن خلف «التأهيلي» كان العهد يُخبّئ قانون الحد الأدنى أو قانون التسوية النهائية الذي يؤمّن حصد 42 نائباً مسيحياً بأصوات المسيحيين، وكان مقرّراً منذ البداية أن يُطرَح في ربع الساعة الأخير.
وبحسب هذه المصادر فإنّ التسوية النهائية المعَدّة سَلفاً والتي ستكون مقبولة لدى العهد، تَهدف للوصول في اللحظة الأخيرة الى تحقيق الأهداف الآتية: الهدف الأول، له صلة بالحفاظ على صورة رئيس الجمهورية، ويَرمي إلى تصحيح خطأ شاعَ في الآونة الأخيرة عن أنّه تخلّى عن النسبية الكاملة، على رغم وعودِه السابقة بتطبيقها.
وبدل ذلك تعميم انطباع (بدأ باسيل التمهيدَ له في خطابه أمس الأول خلال الإفطار في بلدة تمنين في البقاع) يفيد أنّ عون لن يتخلّى عن النسبية، وكلّ ما في الأمر أنه أجرى تعديلاً على تبَنّيه لها جوهرُه «إقرارُ نسبية كاملة على جرعات»، وعلى نحوٍ يلبّي «تصحيح التمثيل»، الناتج من أنّ المكوّن الأكثر انتشاراً في الجغرافيا اللبنانية، والأكثر تماساً مع المكوّنات اللبنانية الأخرى، وهم المسيحيون، سيستمرّ تمثيلهم منقوصاً، في حال قبلوا الترشّح والانتخاب على أساس نسبية كاملة من دون إقرار «مبدأ لها» و»ضوابط عليها»: المبدأ يتمثّل بقانون انتخاب جديد يَسمح للمواطن بانتخاب النائب الأكثر أهليةً لتمثيل المكوّن الذي ينتمي إليه، سواء الطائفي أو الديموغرافي أو الوطني.
أمّا الضوابط فهي أن يتمّ تحديد حجم الدوائر ربطاً بالانتشار المسيحي وعلى نحوٍ يؤدّي إلى «استعادة حقوقهم المهدورة». وهذا يعني أنّه كلّما اتّسَع عدد الدوائر وضاقت مساحتها، يصبح ذلك أكثرَ إنصافاً لمطلب تصحيح التمثيل المسيحي.
أمّا الهدف الثاني فيتعلّق بالضوابط المطلوب إضافتها لقانون النسبية. وبحسب رواية القائلين أنّهم يعرفون سقوفَ نسخة التسوية النهائية، فإنّ الضوابط المعلَنة حتى الآن حول قانون النسبية الكاملة، يوجد لها تصنيفات داخل مناورة التفاوض العونية، فبعضُها له منزلة الثوابت (عدد الدوائر) وبعضُها الآخر تمَّ وضعُه للتفاوض عليه والمقايضة به (التفضيلي)، فيما بقيَت ضوابط أخرى مستورة في انتظار الإفصاح عنها في اللحظة الأكثر تقدّماً من تفاوض حافّة الهاوية.
وترسم هذه المصادر مراحلَ خطة التسوية كما صاغها العهد مسبَقاً على النحو الآتي:
أولاً – طرح «التأهيلي» كان جزءاً من مناورة عون لأخذِ القوى السياسية إلى جولة «مفاوضات حافّة الهاوية» التي لن تبدأ عملياً إلّا بعد انتهاء مهمّة تثبيت مبادئ تصحيح التمثيل المسيحي، وإقرار القوى السياسية بأنّها أصبحت أساساً يُبنى عليه أيّ قانون انتخابي نسبي جديد.
وقد أنجَز باسيل خلال المرحلة الماضية هذه المهمّة عبر مناورةِ التفاوض على قانون انتخاب جديد غير النسبي، وكان لافتاً خلالها صمتُ عون الذي كان محلَّ سؤال عن خلفياته لدى كثير من القوى السياسية وعلى رأسها الثنائي الشيعي.
ثانياً ـ في المرحلة الراهنة دخلت خطة العهد لحظة التفاوض في فترة الاقتراب من حافة الهاوية وموعد 20 حزيران، على القانون النسبي، انطلاقاً من جعلِه ملائماً لـ»ضوابط تصحيح التمثيل المسيحي».
وفي هذه المرحلة، وفقاً للمصادر عينِها، سيدخل «التيار الوطني الحر» في سياسة المقايضة، حيث إنه بعد قبوله بمقايضة «التأهيلي بإقرار ضوابط تصحيح التمثيل المسيحي ضمن قانون النسبية الكاملة»، فإنّه سيتّجه في اللحظات التالية والأخيرة، وعلى مراحل، إلى عرض «الصوت التفضيلي» للمقايضة بعدد الدوائر ومساحتها (15 وليس أقلّ من ذلك) وأيضاً بمطلب آخر لا يزال التيار يتعمَّد التباطؤ في طرحه، وهو اعتماد لوائح مفتوحة وليس لوائح مقفلة.
وفي داخل هذه الرواية عن التسوية النهائية لقانون الانتخاب والمعَدّة سلفاً، والتي حان الآن موعد إخراج أرنبِها من «طاقيّة» باسيل، يتمّ الحديث عن أنّ ضمن أهدافها يوجد رهان سياسي بعيد المدى، ومفادُه أنّ باسيل يُراهن على أنّ الذهاب إلى قانون انتخاب يَحصد 42 نائباً للثنائية المسيحية العونية ـ «القواتية»، سيَجعل «حزب الله» خلال استحقاق معركة رئاسة الجمهورية المقبلة، أسيرَ استمرار التزامِه منطقَ انتخاب رئيس مسيحي قوي ولديه تمثيل مسيحي غالب.
وعليه فسيَجد الحزب نفسَه خلال موعد انتخاب فخامة الرئيس القادم، أمام حقيقة أنّ هناك مرشّحَين اثنين قويَّين هما باسيل وسمير جعجع، وعليه المفاضلة بينهما، أمّا المرشح الثالث سليمان فرنجية فسيكون خارج السباق الرئاسي، بفِعل نتائج الانتخابات المقبلة، وأيضاً لأنّ فرنجية بحسب تقديرات باسيل «خسرَ مسيحياً كثيراً» خلال الفترة الأخيرة نظراً لمواقفه المناهضة للعهد.