على طريقة «صمّ الآذان» لتقطيع الوقت ومحاولة «كتْم» الصخب الآتي من استحقاقاتٍ ذات امتدادٍ إقليمي، تنغمس بيروت في ملفاتٍ من «حواضر البيت» الداخلي بأبعاد مالية – اقتصادية – اجتماعية مثل سلسلة الرتب والرواتب وتمويلها الذي ما زال يحتاج إلى تكريس التفاهم السياسي حوله في البرلمان، وسط رصْد مقْلقٍ لتوتّرات نقّالة في الشارع يعكس بعضها احتقانات سياسية ومذهبية وإن «موْضعية» ويعبّر بعضها الآخر عن مَظاهر التفلّت الأمني والتجرؤ على هيْبة الدولة.
ورغم الصورة القاتمة التي استخلصتْها دوائر مطلعة من الكلام الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله والذي جاء بمثابة «جردة استباقية» بالعناوين الجديدة – القديمة للاشتباك الاقليمي ومَخاطرها على لبنان، فإن بيروت بدت وكأنها اختارتْ الركون إلى «الحال الانتظارية» وتعليق ملفاتٍ «مفخخة» بأكثر من عنصرٍ «تفجيري» صوناً للحد الأدنى من تَماسُك التسوية السياسية وإفساحاً أمام إمرار الفصول الأخيرة من «عاصفة» سلسلة الرتب والرواتب التي كانت وضعتْ غالبية القوى أمام «ورطة» إما «اليوْننة» (تكرار التجربة اليونانية) بحال عدم توفير الموارد المالية لدفْع الزيادات على الرواتب وإما «الثورة» الاجتماعية إذا جرى التراجع عن صرْف هذه الزيادات.
وفي حين تلتئم هيئة مكتب مجلس النواب يوم غد في جلسةٍ لتحديد جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ستُعقد الأسبوع المقبل، فإن ملف السلسلة عاد إلى دائرة الرصْد بعدما كانت الحكومة قرّرتْ صرف الرواتب نهاية سبتمبر الماضي وفق الزيادات الجديدة، وتفاهمتْ مكوّناتها على أن تحيل بصفة المعجّل مشروعاً على مجلس النواب لإقرار قانون الضرائب (لتمويل السلسلة) مع مراعاة الملاحظات التي كان المجلس الدستوري استند إليها لإبطال هذا القانون، وفي الوقت نفسه التوافق على مَخرج يتيح إمرار الموازنة العامة من دون ربْطها بقطْع الحساب وبمسارٍ منفصل عن السلسلة.
وبعدما كان هذا المسار أنهى إضراباً مفتوحاً شلّ المؤسسات الرسمية لأيام والقطاع التربوي الرسمي وكذلك المدارس الخاصة جزئياً، فاجأت الحكومة الجميع أمس بالسير بما كانت لوّحت به، إذ أرسلت إلى مجلس النواب مشروع قانون تطلب فيه الإجازه لها تأخير تنفيذ قانون سلسلة الرتب والرواتب حتى إقرار الضرائب.
وفيما طرح هذا التطور علامات استفهام حول إذا كان ذلك يعني أن الرواتب لن تُدفع الشهر المقبل وفق الزيادات الجديدة، مع ما سيعنيه ذلك من عودة الاحتجاجات إلى الشارع، فإن دوائر على صلة بهذا الملف وضعتْ تلويح الحكومة بتعليق العمل بالسلسلة في سياق توجيه «رسالة مزدوجة» برسْم النواب الذين سبق أن طعنوا بقانون الضرائب (ولا سيما من حزب «الكتائب») ويلمّحون إلى مسار اعتراضي على ما تتضمّنه «سلة الضرائب» المقترحة، بأن أيّ محاولة جديدة لعرقلة إقرار الضرائب ستعني الإطاحة بالسلسلة وهو ما سيتحمّلون مسؤوليتها أمام الشارع الغاضب.
ولم تُسقِط هذه الدوائر من الحساب أن تكون «حركة» الحكومة موجَّهة حتى إلى بعض أطرافها لمنْع أي «تسرُّب» مثل الذي حصل إبان الطعن بقانون الضرائب وأتاح إكمال نصاب العدد الضروري لتقديم أي مراجعة أمام المجلس الدستوري (10 نواب)، وتالياً حضّ جميع المكونات الحكومية على التزام تعهداتها باحترام التفاهم الكبير حول المسار النهائي للسلسلة وتمويلها.
ولئن كانت العناوين الخلافية الكبرى المتّصلة بملف التطبيع مع النظام السوري واستعجال إعادة النازحين مؤجَّلة الى ما بعد طيّ ملف السلسلة وسط ترقُّب للدينامية الدولية التي ستُستعاد حيال القرار 1559 الذي سيصدر التقرير نصف السنوي حوله في 13 الجاري عن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس في لحظة اشتداد التصويب الأميركي على «حزب الله» وسلاحه، فإن بيروت تلقت بارتياح تعديل بريطانيا نصائح السفر إلى لبنان، بحيث قلصت المناطق التي تنصح المواطنين البريطانيين بعدم الذهاب اليها، عازية ذلك إلى «تحسن الوضع الأمني العام في البلاد وانخفاض معدل الحوادث في السنوات الأخيرة، لكننا نواصل تحذير المواطنين من محاولة الإرهابيين شن هجمات تستهدف مواقع في لبنان…».
ولم يكن جفّ حبر هذا القرار، حتى دهمت لبنان مجموعة توتراتٍ أمنية، بدءاً من صيدا حيث أدى «صراع على مولدات الكهرباء» الى إشكالٍ سقط فيها قتيلان (ابراهيم الجنزوري وسراج الأسود) وعدد من الجرحى وسط أعمال شغب وحرق مطعمين وتكسير أحد المقاهي. علماً ان الإشكال بدأ بين شبان من آل شحادة ووليد الصدّيق الذي يملك مكتباً لتوزيع اشتراكات مولدات الكهرباء وتطوّر بعد إشكالات سابقة ما أدى الى قيام عدد من الشبان من آل شحادة بإطلاق النار على مكتب الصديق فسقط القتيلان وأصيب آخرون بجروح.
وإذ كان إشكال صيدا الذي أوقف المتورّطون فيه (ينتمون الى نفس الخط السياسي المؤيد لفريق «8 آذار») وُضع في سياق مظاهر الفوضى و«الاستقواء» على الدولة، فإن حوادث أخرى وقعتْ وبدت في إطار مناخات التوتر السياسي والمذهبي وهو ما عبّر عنه إشكال شهدته الجامعة اليسوعية ومنطقة بين طلاب مؤيدين لحزب «القوات اللبنانية» وآخرين لـ «حزب الله» وما تردّد عن توتر ساد منطقة الجعيتاوي (الأشرفية) بعد مرور سيّارة أكثر من مرة تضع أعلام «حزب الله» وتبث بصوت عالٍ خطابات لأمينه العام.
أما الأخطر فكان ما شهدتْه المباراة بين فريقيْ الأنصار والنجمة ليل اول من امس ضمن بطولة الدوري العام لكرة القدم من أعمال شغبٍ قام بها «نجماويون» (خسر فريقهم بنتيجة 5-1) وهتافات مسيئة طالت رموزاً دينية وطائفية إضافة الى تكسير مقاعد المدرجات في مدينة كميل شمعون الرياضية ووقوع إشكالات أدت الى سقوط جرحى.
(الراي)