لم يعد خافياً على كل المطلعين على اجواء الحراك الاميركي الذي قام بها مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد بين لبنان وكيان العدو الاسرائيلي ان موقف الادارة الاميركية، يتماهى الى اقصى الحدود مع ما يطرحه قادة الاحتلال من محاولات لقرصنة حقوق لبنان بثروته النفطية والغازية في المياه الاقليمية اللبنانية في البحر المتوسط.
وتحدثت اوساط قريبة من قصر بعبدا ان ساترفيلد اعاد في زيارته الاخيرة الى بيروت بعد زيارته لكيان العدو طرح ما يسمى باقتراح «فريدرك هوف» الذي كان طرح على المسؤولين اللبنانيين في العام 2014، معتبراً ان ما جاء في اقتراح «هوف» يمثل الخط الاخضر لتحديد الحدود الاقليمية البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
واشارت الى ان الموفد الاميركي حاول ابتزاز المسؤولين اللبنانيين بقوله انه من الممكن تحسين «حصة لبنان في المنطقة المتنازع عليها مع كيان العدو وانه اذا حصلت مفاوضات مباشرة فيمكن رفع النسبة من 60 بالمئة حسب اقتراح هوف ما بين 10 و15 بالمئة لتصبح حصة لبنان بين 70 و75 بالمئة من هذه المنطقة، واوضحت ان ساترفيلد دعا للتفاوض حول «البلوكات» 8 و9 و10 على اعتبار ان العدو يعتبر ان له «حقوق» في هذه البلوكات، لكن لبنان رفض هذا الطرح بالكامل. واشارت ايضاً ان المسؤولين اللبنانيين طرحوا ان يصار الى التحكيم الدولي، وان كانت هذه المسألة تحتاج الى موافقة قيادة العدو على ذلك، او ان يصار الى بحث الوضع عبر اللجنة الثلاثية التي كانت شكلت بعد عدوان نيسان عام 1996، ولذلك فالمسألة ستبقى معلقة دون ان يعني ذلك انتظار لبنان للتنقيب عن النفط والغاز حتى اقرار العدو بهذه الحقوق، لان قيام الاحتلال بأي محاولة لمنع التنقيب ستواجه برد مماثل من لبنان سيؤدي الى تعطيل عملية التنقيب التي يقوم بها العدو في المياه الاقليمية لفلسطين المحتلة، الا ان السؤال الاكثر حساسية، يندرج حول امكان لجوء العدو الى منع الشركات المعنية من التنقيب على النفط في «البلوك 9»، قبل اعتراف تل ابيب بحقوق لبنان بثروته؟
بداية تقول مصادر قريبة من احد المراجع ان ساترفيلد ابلغ المسؤولين اللبنانيين ان قادة العدو ابلغوا الموفد الاميركي انهم لن يبقوا صامتين في حال قيام الشركات التي جرى معها التوقيع على العقد للتنقيب عن النفط في «البلوك 9» بالبدء الفعلي بعملية التنقيب، اي انهم سيلجأون الى منع عمليات التنقيب، لكن مصادر لبنانية متابعة تؤكد ان لجوء العدو لمثل هذا الاجراء يحتمل احد امرين:
1ـ اما ان قادة الاحتلال سيحسبون حتى «الالف» قبل اي اجراء عدواني لمنع عمليات التنقيب لاعتبارات عدة اهمها الآتي:
اولا: ان العدو على دراية كاملة بان معادلة توازن الرعب التي حققتها المقاومة، الى جانب قدرات الجيش اللبناني والقرار الذي اتخذ من جانب القيادات اللبنانية الرسمية العليا، سيؤديان الى رد عسكري حاسم من جانب المقاومة والجيش على هكذا اعتداء او عدوان.
ثانياً: ان امكانية مثل هذا العدوان الاسرائيلي على حقوق لبنان النفطية والغازية، والرد المحتمل من جانب المقاومة والجيش، لا يستبعد ان يقود الى حرب شاملة في المنطقة لا تنحصر بجبهة الجنوب، بل قد تشمل الجبهة السورية وربما دخول ايران على الخط لمساعدة حلفائها في حزب الله وسوريا.
ثالثاً: ان العدو يدرك ان قيامه بمنع لبنان من الاستفادة من حقوقه البحرية، سيقود حكماً الى ردّ مقابل سيؤدي الى منعه بالدرجة الاولى من التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية لفلسطين المحتلة وهو الامر الذي اكد عليه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مؤخراً، بل ابعد من ذلك من حيث الخسائر الكبرى التي ستصيب كيان العدو على المستويين البشري والمادي، بما في ذلك تعريض مصالحه الحيوية لضربات موجعة من قبل المقاومة، بدءا من مصافي النفط والغاز داخل كيان الاحتلال، في وقت بات قادة تل ابيب على معرفة كاملة بان صواريخ المقاومة قادرة على الوصول الى كل مناطق فلسطين المحتلة بما في ذلك مخازن «الامونيا» بالقرب من حيفا، وان كانت اسرائيل اضطرت بعد تهديدات السيد نصرالله بنقل المخازن من هناك وصولاً الى المواقع النووية في ديمونة وتسعة مواقع اخرى.
رابعاً: عدم وجود اجواء دولية مؤاتية تدفع قادة العدو لشن عدوان على لبنان. اولها معرفة العدو بمدى قوة حزب الله ومعه محور المقاومة، وثانيها الضغوط التي ستواجهها قيادة الاحتلال من داخل الرأي العام الصهيوني حتى لا يفتح جبهة الحرب مع حزب الله لمعرفة الجمهور «الاسرائيلي» بمدى جدية ما يقوله السيد نصرالله بما قد يصيب كيان العدو من خسائر في حال قيامه بعدوان ضد لبنان.
ورغم هذه الاعتبارات، فان المصادر لا تستبعد لجوء حكومة بنيامين نتانياهو المتطرفة الى العدوان ضد لبنان، لاسباب عديدة، اولها للهروب من المطالبات الداخلية باستقالة نتانياهو في ضوء ما يواجهه من ملفات فساد، وثانيها امكان اعطاء واشنطن الضوء الاخضر لمثل هذا العدوان في محاولة لتغيير موازين القوى في المنطقة التي باتت لغير صالحها بعد الانتصارات التي حققتها قوى المقاومة في كل من سوريا والعراق وفي ظل ما تواجهه ادارة ترامب من ضغوط داخلية على خلفية الاعتراضات الواسعة في كل المؤسسات الاميركية على سياسة ترامب.
(الديار )