المحامي محمد أمين الداعوق:
لا أنكر أنني لدى سماعي بخبر توقيف الفنان زياد عيتاني بتهمة العمالة لإسرائيل، قد أصبت بصدمة موجعة، وذلك لأسباب خاصة عديدة فضلا، عن الأسباب العامة، الوطني منها والقومي. من الأسباب الخاصة، إيماني بنقاوة الحسّ الوطني والقومي لدى أهل بيروت، وآل العيتاني من صلب أبناء هذه المدينة الملتهبة بالأحاسيس القومية الأصيلة، المعادية لإسرائيل، والرّافضة لنشأتها وللمظالم الساحقة التي ألحقتها بالعرب عموما، وبالشعب الفلسطيني خصوصا، دون أن أهمل واقعة أن المرحومة والدتي هي من آل العيتاني، الذين هزّتهم التهمة الموجهة إلى أحد أبنائهم، وكان لهم دور في متابعة القضية إلى حدود كشف وقائعها ونتائجها المؤسفة. لقد عرفت زياد، عن قرب، كأحد المسحورين بنادي النجمة، ولطالما صادفته في الملاعب وفي مدارج الجماهير وفي المنصة الرئيسية، يوزع الهتفافات والقبلات على جباه لاعبي النادي ومسؤوليه الإداريين، ولطالما لحقني الكثير منها في المرحلة التي كنت فيها رئيسا لهذا النادي العريق، الذي دخل إلى أعماق الحياة الوطنية والبيروتية. لقد عرفت زياد ممثلا قديرا، وتلقيت أكثر من دعوة لحضور إحدى مسرحياته، كان في طليعة البارزين فيها، وفي نصِّها المسرحي، بيروت والبيارتة، وأهالي الطريق الجديدة، ونادي النجمة، الذي ولد إلى الوجود، في أحياء وحواري وأزقة العاصمة، لينطلق منها وليكون نادي الوطن كله، بمناطقه وطوائفه ومذاهبه كافة، الأمر الذي يثبته الحضور الجماهيري المذهل في كل مباراة يكون للنادي فيها نصيب من المشاركة والمواجهة.
لكل ذلك عندما قيل إن «العيتاني» قد اعتقل بتهمة العمالة لإسرائيل، لم أصدّق هذا الكلام الرجراج، ورفضت في ذهني وفي قناعتي وفي عفوية تفكيري أن يكون ذلك صحيحا. وبالرغم من انتمائي كمحامٍ إلى أهل القانون والعدالة القضائية، كنت أشيح بوجهي عن تلك الإتهامات القاسية التي لحقت بزياد… إبن بيروت وإبن العيتاني وإبن نادي النجمة، لأني اعتبرتها اتهامات مهينة بحقه وحق عائلته وحق بيروت، وحق كل القضايا والعقائد الوطنية التي تشبّعت في روح العاصة وفي جسدها وفي جذور أبنائها وعراقة تاريخها القريب والبعيد، ولانني اعتبرتها بمثابة حكم إعدام، معنوي أولا، طاول ذلك الشاب الطموح في إطار التمثيل المبدع وبالتالي، كاد أن يقضي على مستقبله الواعد، وكنت بعد ذلك أترقب أي خبر يدفع بزياد إلى البراءة، أو إلى تلطيف هذه التهمة على الأقل، بما يزيل عنها أقصى حد من عوالق تهمة الخيانة الوطنية والقومية التي ثبت بطلانها مبدئيا وأوليا، وهي تنتظر براءة ذمة شاملة من قضاء وطني عادل.
وعندما أُعلن عن حقيقة الأمر… زياد بريء ومعتدى عليه ومظلوم عن سابق تصور وتصميم، وبمسعى حاقد من أحدى الضباط التي يبدو أنها فبركت مع متعاونين معها تلك التهمة الشريرة الكافية لقتل أي إنسان قتلا معنويا في حاضره ومستقبله، وهذه وضعية مأساوية كادت أن تتحقق، ولا شك أن محاولة القتل المعنوي هذه، لم يحالفها التوفيق لأنها غالت في سوئها وبشاعتها وانغماسها في دنيا الشر والظلم والعدوان، ولأن الله عز وجل، قد أنقذ المظلوم زياد من أهوال ما كان مدفوعا إليه عن طريق الاختلاق الكامل، وعلى النحو الذي درج وعرف عما كان يحصل في مرحلة طغيان النظام السوري الذي لطالما قلب الابيض إلى سواد والحقّ إلى باطل، على نحو ما سبق أن ذكره الوزير نهاد المشنوق في تعليق له على الحدث المذكور، مسهبا في ذلك إلى حد قارن فيه بين مصيبة زياد المفتعلة ووضعية مماثلة سبق أن تعرض لها شخصيا، معتدى عليه من اختلاقات ومظالم أفلت مع الآفلين. وبكدّ وجهد وجد، يبدو أن شعبة المعلومات المعروفة بنجاحاتها الواضحة في اكتشاف الجرائم قبل وبعيد حصولها، قد أدت دورها بكثير من الحرفنة والنجاح في هذه القضية بالذات والتي لو اكتملت فصولها السيئة بنجاح، لكان مصير زياد المعنوي والمادي عقوبة قد تصل إلى الإعدام (بتهمة التعامل مع إسرائيل)، إضافة إلى عقوبة الإعدام المعنوي الاقسى لأنها ستقضي على حاضر ومستقبل مواطن مسالم وآمن، شاءت الأقدار أن تضعه بشخصه وبسمعته وبكرامته، في أتون المؤامرات والمظالم التي ألحقتها به ضابطة من ضباط الأمن، والتي كان يفترض بها أن تحمي الوطن والمواطنين عموما من أمثال هذه التعديات المحبوكة بخيوط «القانون المزعوم والمشوّه والمفبرك»، لتزداد بما حصل، سمعة لبنان، البلد الديمقراطي الحر السيد المستقل والمتقدم على محيطه العربي بالأصول القانونية والديمقراطية والحضارية، والساعي إلى استعادة سمعةٍ عظمى كانت له في حقل سيادة القانون والحفاظ على الوطن والمواطنين بدءا بكراماتهم، ووصولا إلى صونهم من تعديات الزمان وتسلّط الآثمين على رقابهم وحياتهم ومستقبلهم.
في كل حال، إننا بانتظار نتائج التحقيقات القضائية والأمنية ليبنى على التهمة مقتضاها النهائي والحاسم، وليكون الظلم الحاصل والعقاب المتوقع، حصيلة عادلة، تؤكد على الحقائق، والحقيقة الثابتة والأكيدة، وحدها تبقى راسخة في الأذهان.
في كل حال… أهلا بعودة زياد إلى مسالك الحياة الكريمة الطبيعية، وإلى عودته إلى أجواء الصفاء والنقاء الوطنية، وإلى رجعته إلى بيروت سليما معافى مما كابده وتعّرض له في سجون وطنه، في وقت كان ينتظر فيه أن يهيىء نفسه وصدره لتكون أوسمة التقدير وبراءات الإستحسان المتمثلة في فنّه الذي طالعتنا بوادر نجاحاته في مراحل مبكرة من حياته اليافعة.
daouknet@idm.net.l