يوسف دياب
ما إن انفرجت أزمة القضاة في لبنان من خلال منحهم زيادة «ملتبسة» على رواتبهم، حتى انفجرت أزمة المساعدين القضائيين، الذين لوحوا بتصعيد غير مسبوق، يترجم بإقفال قصور العدل في كل المحافظات اللبنانية مطلع الأسبوع المقبل، عبر امتناعهم عن الحضور إليها ومقاطعة جميع الجلسات، بفعل تجاهل الدولة لمطالبهم في زيادة الرواتب والتقديمات الصحية والاجتماعية.
ويأخذ موظفو المحاكم والدوائر القضائية على القضاة أنهم اكتفوا بتحصيل حقوقهم وأهملوا مستحقات المساعدين القضائيين، الذين يشكلون النصف الآخر للجسم القضائي، وما زاد من حدة المشكلة هو اتصال القضاة بالموظفين ودعوتهم للعودة إلى مكاتبهم والمباشرة بتحديد جلسات للتحقيق والمحاكمات، وأمام هذا التصرف، اعتبر مصدر في لجنة التنسيق لموظفي قصور العدل أن «العلاقة بين القضاة والموظفين بلغت أسوأ حالاتها، سيما وأن القضاة يتهمون الموظفين الآن بتعطيل العدلية». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الساعات المقبلة ستشهد تصعيداً غير مسبوق وثمة توجه لإقفال كافة قصور العدل». وسأل «كيف نستأنف العمل وراتب أحدنا لا يكفيه لشراء صفيحتي بنزين»، مشدداً على أن مطالب المساعدين القضائيين «واضحة ولا تراجع عن التصعيد قبل إقرارها، وهي تبدأ بتعديل الراتب من الصرف على سعر 1500 ليرة إلى 8000 ليرة للدولار الواحد أسوة بالقضاة، وضرورة فصل صندوق المساعدين القضائيين عن صندوق تعاضد القضاة الذي يعطينا 20 في المائة فقط من عائدات صندوق القضاة».
وبموازاة استفحال الخلاف بين القضاة ومساعديهم، تسعى المراجع القضائية للحد من هذه الأزمة ومعالجة ذيولها، والدفع باتجاه إعادة عجلة العدالة إلى الدوران مجدداً، وقطع الطريق على أي محاولة لإقفال المقرات القضائية التي تبدو جدية هذه المرة، وأوضح مصدر قضائي بارز أن «قصور العدل هي ملك للناس وليست للقضاة والموظفين». وإذ اعترف بـ«أحقية مطالب الموظفين إلى أبعد الحدود، ونعمل على حلها» أكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأمور ليست متروكة ونحن نرفض أن يأخذ القضاة جزءاً من حقوقهم ويحرم منها المساعدون القضائيون، الذين لديهم نفس الاحتياجات وربما مشكلة بعضهم تفوق حاجيات القضاة»، مشيراً إلى أن مجلس القضاء الأعلى «سيكون له توضيح حول كيفية فرض زيادة على رواتب القضاة والالتباسات التي شابت هذه العملية، والتي تطرح حولها علامات استفهام»، معتبراً في الوقت نفسه أن «معاناة القضاة مستمرة لأن الزيادة الجديدة لا تساوي ربع مستحقاتهم التي كانوا يتقاضونها قبل الأزمة المالية».
ويرفض المساعدون القضائيون تشبيه أوضاعهم بالقضاة، وذكر المصدر في لجنة التنسيق بأن «القضاة يقبضون رواتبهم نقداً وكاملة، فيما تحال رواتب الموظفين إلى المصرف، فيسحبون نصفها نقداً والنصف الآخر يبقى عالقاً، عدا عن أن منحة الدولة للقضاة تدفع بالدولار الأميركي على سعر منصة صيرفة، كما أن هواتفهم الجوالة وهواتف منازلهم مجانية، بالإضافة إلى إعفائهم من الكثير من الرسوم المالية والبلدية، وشراء سياراتهم من دون تسديد رسومها الجمركية».
ودخلت وزارة العدل على خط المعالجة، لكن دون التمكن من ثني الموظفين عن قرار التصعيد، سيما وأن المؤشرات تفيد بأن التصعيد سيبدأ مطلع الأسبوع المقبل وهو ما يعمل المعنيون على تداركه، وقال مصدر في وزارة العدل لـ«الشرق الأوسط»، إن «مطالب المساعدين القضائيين محقة، ووزير العدل (القاضي هنري خوري) يتابعها بشكل يومي». ولفت إلى أن «هناك اجتماعات دورية تعقد بين الوزير وممثلين عن المساعدين القضائيين، والوزير طرح عدداً من الحلول المؤقتة التي تفي بجزء من مستحقات الموظفين، منها تقديم دعم مالي لصندوق المساعدين القضائيين، بما يؤمن لهم تقديمات إضافية مالية واجتماعية».
وبدأ المساعدون القضائيون إضرابهم قبل أسبوعين، رفضاً للواقع الذي يعانونه وعدم قدرتهم على الوصول إلى مراكز عملهم، لكنهم التزموا بالحضور ما بين يومين وثلاثة أيام في الأسبوع، واعتبرت اللجنة المنبثقة عن اجتماعاتهم، أنه «في ضوء المراوحة الحاصلة، والوضع الكارثي على الصعد كافة، فإن الجميع مدعوون لتحمل مسؤولياتهم تجاه المساعدين القضائيين الذين هم أسوة بموظفي القطاع العام، أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية، ويقفون صفاً واحداً لاستعادة حياتهم الكريمة التي تليق بتضحياتهم وتعبهم في سبيل خدمة العدالة».