كتبت باسمة عطوي في “نداء الوطن :
حلول ترقيعية من دون أي خطة متكاملة إقتصادياً ومالياً ونقدياً وإجتماعياً
ليس من المبالغة القول إن زيادة رواتب موظفي الإدارة العامة 3 أضعاف، بالشكل الذي طرحت فيه في مجلس النواب الاسبوع الماضي، من ضمن مشروع الموازنة العامة، هي دسّ السمّ في العسل. ليس فقط بسبب عدم كفايتها لتأمين الحد الادنى المطلوب من العيش الكريم للموظفين، بل أيضاً لأنها حلّ “ترقيعي” جديد سيزيد الطين بلة، له تداعياته الاقتصادية لجهة زيادة التضخم، عبر خلق كتلة نقدية كبيرة بالليرة، والمساهمة في المزيد من تدهور سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار.
ماذا تقول وزارة المالية؟
كلفة هذه الزيادة بحسب وزارة المالية 3915 مليار ليرة للفصل أي 16000مليار سنوياً. وهي تشمل فقط موظفي الادارات العامة والمتقاعدين، من دون إحتساب موظفي المؤسسات العامة، والبعثات في الخارج ومن يتقاضى راتبه من خارج البند 13 كمقدمي الخدمات الفنية، ومع إحتساب ضعف وليس ضعفين لمتقاعدي وزارة التربية. كما يُسجل على المادة التي أقرت هذه الزيادة، أنها تعاني من شوائب في الصياغة وتحتاج إلى توضيحات. وهذا ما تلفت اليه وزارة المالية طالبة من مجلس النواب القيام بعدة توضيحات منها “ما ورد في نص المادة من عبارة “ما يتقاضاه العاملون”، لأنه سيؤدي إلى مضاعفة بدل النقل وتعويضات اللجان وباقي المتممات 3 مرات. كذلك ستؤدي إلى حصول كل العاملين في المؤسسات العامة، الذين يتقاضون منح إنتاج وتعويضات، ومتممات شهرية للراتب على مبالغ طائلة. وبالتالي من الافضل إعتماد عبارة “أساس الراتب” وتحديد أي إستثناء في حال وجوده”. كما تلفت الوزارة، في رسالة الى مجلس النواب، إلى أن “بعض الجهات، سبق أن حصلت على زيادة على رواتبها. وهناك مبالغ يتقاضاها موظفو القطاع العام، من الهبات والقروض. وتوخياً للمساواة يقتضي تعديل النص، بحيث تُحسم الزيادات السابقة من القيمة الاجمالية، المعطاة بموجب هذه المادة من الموازنة”. من جهة أخرى هناك أسئلة تُطرح حول مصدر تمويل هذه الزيادة، وأثرها على الاستهلاك والاستيراد والتضخم، وماذا سيبقى منها في حال إستمر دولار السوق السوداء في صعوده المستمر.
التمويل من الضرائب والرسوم
يسجل المدير العام السابق للمحاسبة في وزارة المالية الدكتور أمين صالح، عدة ملاحظات على كيفية تعامل الحكومة ومجلس النواب مع زيادة الرواتب التي حصلت، شارحاً لـ”نداء الوطن” أن “الحكومة عرضت مساعدة بزيادة راتب في مشروع الموازنة، ولكن النواب عدّلوها إلى 3 أضعاف الراتب. أما التمويل فسيكون من الضرائب والرسوم، أي رفع سعر صرف الدولار الجمركي”. ويلفت إلى أن “كلّاً من الحكومة ومجلس النواب لا يزالان مختلفين، على أي سعر سيتم إحتساب الدولار الجمركي، وتتراوح الأسعار بين 12 و14 و16 و20 ألف ليرة. أما نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب فيقترح إحتسابه وفقاً لسعر دولار منصة صيرفة. والتمويل الاساسي لهذه الزيادات سيكون من الضرائب والرسوم المفروضة على الناس”.
يضيف: “لا بد من الايضاح أن الزيادة 3 أضعاف، لم نعرف كيف ستُحتسب. هل وفقاً لأساس الراتب أي نزيد عليه راتبين، أو أن نقوم بضرب الراتب بـ 3 أضعاف ليصبح 4 رواتب؟”. ولفت إلى أن “الزيادة هي تعويض للإنخفاض الكبير بالقدرة الشرائية للرواتب والاجور، والتي هبطت نحو 96 بالمئة. وهذه الزيادة في حال أُقرت ستخفض نسبة تراجع القدرة الشرائية للمواطن بنحو 6 بالمئة. وهذا يعني أنها لن تؤثر كثيراً على القدرة الشرائية لرواتب القطاع العام، وستؤدي لزيادة الطلب على الاستهلاك وإرتفاع بالاسعار”.
الزيادة سترفع دولار السوق السوداء
من تداعيات هذه الزيادة بحسب صالح، “زيادة الإستهلاك وبالتالي الاستيراد. وهذا من شأنه ان ينعكس بزيادة الطلب على الدولار الاميركي فيرتفع سعره ويرفع معه الاسعار وستعود الزيادة لتتآكل مرة أخرى”. مشدداً على “أننا ندور في حلقة مفرغة، اي زيادة التضخم والانخفاض في القدرة الشرائية، والمطالبة بزيادة الرواتب والاجور مجدداً. وستؤدي الى زيادة التدهور في الاقتصاد والقدرة الشرائية للذين يتقاضون مداخيلهم بالليرة اللبنانية”.
نواب مؤيدون و… معارضون
على ضفة مجلس النواب، هناك نواب يؤيدون هذه الخطوة بالرغم من تداعياتها، وهناك من يعارضها. على ضفة المؤيدين، يشرح عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة، (عضو لجنة المال والموازنة) لـ”نداء الوطن”، أنه “بقانون الموازنة المقدم من الحكومة، هناك بند ينص على تقديم مساعدات إجتماعية للموظفين، وأن لا تكون من أصل الراتب. أي أن الزيادة ستكون أصل الراتب × 2.2″، مشيراً إلى أنه “خلال النقاش في لجنة المال والموازنة، إرتأى النواب أن تكون الزيادة 3 أضعاف. في حين أن العملة الوطنية خسرت أكثر من 20 ضعفاً من قيمتها إلى حد التلاشي. وبالتشاور مع الحكومة تمّ الاتفاق على الزيادة 3 أضعاف، لأنه الحد الادنى الذي يؤمن إستمرارية المرافق العامة، وتأمين الحد الادنى المطلوب لوصول الموظف إلى عمله وإلا سيستمر الاضراب”.
معضلتان أحلاهما… مُرّ
يضيف: “نحن أمام معضلتين، الاولى هي من أين سنؤمن هذه الاموال وهذه مسؤولية الحكومة. علماً أننا نعرف أن الوضع المالي للدولة سيئ، ونراهن على تأمين إيرادات جديدة ورفع بعضها (الدولار الجمركي). والمعضلة الثانية هي أن القطاع العام والمؤسسسات العسكرية، لن تتمكن من الاستمرار في ظل الوضع الحالي وسيستمر الاضراب، ولذلك تمّ إختيار الحل الاقل سوءاً من خلال هذه الزيادة”.
مصادر أخرى للتمويل!
ويشرح أن هناك “مصادر اخرى للتمويل غير الدولار الجمركي، مثل الاملاك البحرية، ووزير الاشغال يحضّر مرسوماً لزيادة رسومها. ولجنة الاشغال النيابية تقدمت بـ 3 قوانين للهيئة العامة لإقرارها، من شأنها تأمين 300 مليون دولار لخزينة الدولة، كان مسكوت عنها منذ بداية الازمة مثل الرسوم التي تتقاضاها شركات الطيران بالدولار، وتحوّلها للدولة على دولار الـ1500 ليرة، ومنها شركة طيران الشرق الاوسط”. ويشدد على أنه “ضد أي رسوم تثقل كاهل المواطن. وضد الضرائب العمياء، التي تساوي بين الاغنياء والفقراء، ومع الضريبة على الثروات والمداخيل العالية والتصاعدية وبحسب الشطور”.
ويختم: “نعرف أن هذه الزيادات قد تترافق مع إرتفاع سعر دولار السوق السوداء، وزيادة الاسعار والتضخم. وهذا الاجراء سيبقى، دون تلبية حاجات الموظفين بالحياة الكريمة، لكن لا خيار أمامنا سوى هذه الخطوة”.
ضحك على الذقون
على ضفة النواب المعارضين للموازنة عموماً وليس زيادة الرواتب فقط، يشرح عضو كتلة “الجمهورية القوية” (عضو لجنة المال النيابية) النائب غسان حاصباني، لـ”نداء الوطن” أن “الكتلة إعترضت على كيفية مقاربة الموازنة ككل. وخرجنا من الجلسة إنطلاقاً من هذا المبدأ، وليس لاننا ضد زيادة الرواتب”، مشدداً على “أنها كذبة وغش بالارقام للموظفين ولصندوق النقد الدولي وللمواطنين. لأنه ليس واضحاً على أي قاعدة تمّ وضع أرقام وارداتها. بل قرروا إستخدام سعر 12 ألف ليرة للدولار”، ويلفت إلى أنه “ليس معروفاً ما إذا كان هذا السعر سيطبق على الواردات الاخرى، أو الواردات الجمركية فقط، وكم عدد الاشهر لجباية هذه الايرادات، خصوصاً انه ليس هناك أشهر كثيرة متبقية قبل نهاية العام الحالي”.
يوضح حاصباني أنه “من الناحية القانونية، تعاني الموازنة من شوائب كثيرة، وليست نابعة من مقاربة إقتصادية مالية متكاملة وواضحة. وزيادة المساعدات لرواتب الموظفين هي من الناحية القانونية غير موجودة، ومن الناحية العملانية هي مجرد ضحك على الذقون”، مشدداً على أنه “فور حصولهم على المساعدات بالليرة وتطبيق الدولار الجمركي بـ12 ألف ليرة أو أي سعر آخر، ستتبخر قيمة هذه المساعدات فوراً، مع إرتفاع سعر دولار السوق السوداء”.
من أين ستموّل الزيادة؟
وفي الاطار نفسه يسأل عضو الكتلة النائب غياث يزبك عبر “نداء الوطن”: “من أين ستغطي الحكومة نفقات زيادة 3 أضعاف لرواتب القطاع العام؟ مما تبقى في مصرف لبنان من إحتياطي إلزامي وطبع العملة؟ وهذا يعني أننا ذاهبون نحو تضخم كبير جداً، ونحن اليوم ثاني دولة في العالم من حيث نسبة التضخم من أصل 196 دولة”. ويرى أنه “إذا لم يتم تشكيل حكومة من أصحاب الاختصاص، تمتلك برنامجاً إقتصادياً يقنع المواطنين وصندوق النقد، سنظل ندور في الدوامة نفسها، ونملك العديد من خطط النهوض والتعافي، وأولها خطة ماكينزي. وككتلة نرفض العشوائية من خلال زيادة الرواتب للقطاع العام بطريقة شعبوية، ومن دون الاستناد إلى أسس علمية وإقتصادية صحيحة”.
يضيف: “ليس منطقياً ما يقال ان كلفة الزيادة، ستتم تغطيتها عبر رفع الدولار الجمركي، ورفع الضرائب على الاملاك البحرية. بل المطلوب هو خطة نهوض حقيقية تستند الى أرقام واقعية، وتتضمن هذين الموردين الذي ذكرت”، مشدداً على أن “الدولار الجمركي المرتفع ستكون مفاعيله زيادة جمود في الاقتصاد، ووقف الاستيراد وتهريب الاستثمارات، ورفع الضرائب على بعض السلع من دون خطة إقتصادية صحيحة، ستزيد من “كربجة” البلد وسينعكس ذلك على المؤسسات العامة والخاصة”.
نصر: فليفتشوا عن إيرادات من الضريبة على الثروات وممن استفاد من الأزمة
تؤكد رئيسة رابطة موظفي الادارة العامة نوال نصر لـ»نداء الطن»، أن «الرابطة تدرس الزيادات التي أُقرت، خصوصاً في ما يتعلق بالطبابة والتعليم والرواتب ضمن سلة كاملة، لتتخذ قرارها بشأن الاضراب»، مشددة على «ان هذه الزيادة فيها ظلم كبير لشريحة من الموظفين الذين يتقاضون رواتب بين مليون ومليوني ليرة وهذا أمر لن نقبل به حتماً». تضيف: «زيادة 3 رواتب لموظفي الادارة العامة، وشرائح من موظفي القطاع العام، تعني أن رواتبهم باتت على سعر دولار 4500 ليرة بدل 1500 ليرة، في حين أن دولار السوق يقارب 40 ألف ليرة»، مشددة على أنه «يجب السؤال: هل هذه الزيادة ستكفي لتأمين الحاجات الاساسية للموظف؟ نحن لا نطلب ان يتم إحتساب رواتبنا على سعر دولار السوق السوداء، ولكن نطلب الكفاية في معيشتنا، أي الاستشفاء والمدارس والسلع الغذائية وبدل النقل». ترى نصر أن «المطلوب إهتمام جدي وخلوة يجريها المسؤولون لإجتراح حلول حقيقية، من دون التذرع بأن مسؤولية عجز الدولة هو في شق الواردات. والمشكلة أنهم لا يحاولون التفتيش عن واردات حقيقية، بل يبحثون تأمينها من جيوب المواطنين والموظفين، بدل إصلاح المرافق العامة المنتجة، وإعادة الاموال ممن استفاد من الازمة، وساهم في حصولها وزيادة الضريبة على الثروات».
وتختم: «لا يمكن التذرع بزيادة التضخم في حال تم إعطاؤنا حقوقنا، والسؤال هل يمكن إعادة تفعيل عجلة القطاع العام وإنتاجيته، من دون موظفي القطاع العام؟ بالتأكيد لا. من هنا يجب مقاربة هذا الملف، أي من زاوية الانتاجية التي ستكتسبها الدولة، في قطاعها العام بعد إعطاء الموظفين حقوقهم».