أكد الوزير السابق اللواء أشرف ريفي في حوار أجرته معه صحيفة “الوطن” السعودية أنه “لا يوجد في الدستور اللبناني ما يسمى بالتريث”. وقال: “إنها هرطقة دستورية. وفي السياسة، أقرأ موقف الرئيس سعد الحريري بأنه تراجع تدريجي عن الاستقالة”.
أضاف: “في اعتقادي أنه أخطأ في ذلك وأضاع فرصة ذهبية تاريخية للاطاحة بتسوية سياسية منحت حزب الله 17 وزيرا في الحكومة من أصل 30، مما يعني أننا سلمنا قرارها سلفا إليه. وللأسف لقد أمنت الحكومة اللبنانية الحالية غطاء غير مسبوق لحزب الله كما لم تفعل أي حكومة أخرى. لذا من مصلحتنا كلبنانيين وعرب أن تسقط هذه الحكومة بأسرع وقت ممكن. من هنا، اعتبرنا أن يوم إعلان الحريري استقالته إشارة إيجابية وموقف جريء لتصحيح الأمور والذهاب إلى تسوية جديدة”.
وتابع: “لن تفضي أي تسوية قائمة على عودة الرئيس الحريري عن استقالته إلى نتيجة، فكل ما هنالك أن حزب الله يكذب بهدف ربح الوقت، ولدينا تجربة كبيرة معه في هذا المجال، فسبق ووعد بالحياد والنأي بالنفس وعدم التدخل في الساحات العربية ثم نراه يقدم على العكس، حتى جاءت تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، بأنه من غير المسموح الحديث عن سحب سلاح حزب الله، بل ستعمد إيران إلى مده بأسلحة نوعية، مما يعني أنه لن تتحقق الوعود التي قدمت إلى الرئيس الحريري حتى يتريث في استقالته”.
وقال: “ان المطالب الواردة في بيان الإستقالة منطقية ومحقة وتصب في المصلحة الوطنية بغض النظر إن كنا قادرين على تطبيقها في الوقت الحاضر أم لا، إلا أننا نسجل موقفنا السياسي حتى تحين اللحظة الإقليمية والدولية التي ستسمح لنا بذلك”.
أضاف: “صحيح أننا غير قادرين الآن على سحب سلاح حزب الله، لكن ذلك لا يعني أن نقبل بتشريعه. يذكرنا هذا الأمر بمرحلة الوجود السوري في لبنان حينما أمسكوا بزمام الأمور وأخذ بعض اللبنانيين يبررون ذلك على ضروري وشرعي ومؤقت، في حين أي سلاح غير شرعي ليس ضروريا وسيكون مؤقتا كونه يعاكس طبيعة الأمور”.
وعن المكاسب المرجوة من استقالة الرئيس الحريري، قال ريفي: “كانت المكاسب لتكون ممتازة لو تمت الإستقالة بالفعل، لأنها ستعلن بعدم توازن الحكومة القائمة كونها تابعة لحزب الله بشكل فاقع. لقد كنا نقاتل حزب الله في مرحلة سابقة حتى لا يحصل على 11 وزيرا في الحكومة، ثم قدمنا له على طبق من فضة 17 وزيرا وبات يمرر ما يريده ويرفض ما لا يتناسب مع مصالحه. لذا، نحن نعتبرها حكومة حزب الله وتكوينها غير مقبول ويجب إسقاطها بأسرع ما يمكن حتى يعاد تشكيل حكومة متوازنة فلا يكون قرارها عند حزب الله. للأسف، لقد خسرنا الكثير بالتريث لأن أي جهد مع حزب الله لن يؤدي إلى نتيجة”.
وإذا كان الحوار مجديا، قال: “لا لأن حزب الله لم يلتزم بكل الإتفاقيات اللبنانية الداخلية مثل إعلان بعبدا الذي اتفق الساسة في لبنان من خلاله على تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، وهو ما وافق عليه حزب الله ثم ما لبث أن انقلب عليه وعلى كل البيانات الوزارية اللاحقة التي طالبت بالنأي بالنفس، فها هي جيوشه الجرارة تقاتل في سورية ويهاجم بعض الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، من أجل تخريب العلاقات اللبنانية العربية وتحديدا الخليجية لأنه ينفذ الأجندة الإيرانية على حساب المصلحة اللبنانية”.
واردف: “لقد سبق وجربنا الحوار دون أن نصل إلى نتيجة، وجل هدفه السماح للحريري الهروب من الإستقالة، وما نطالب به هو حل أزمة سلاح حزب الله وصيانة العلاقات اللبنانية العربية ومواجهة هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية. بات ملحا على الحزب الآن الإختيار بين أن يكون حزبا سياسيا لبنانيا أو الإستمرار في كونه أداة تنفذ الأجندة الإيرانية. يجب على أي حكومة لبنانية رفع شعار رفض الهيمنة الإيرانية ومواجهتها، لا بل أن ترفض مشاركة حزب الله فيها إذا قرر البقاء كأداة إيرانية تضر بالمصالح اللبنانية”.
وردا على سؤال عن مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال أزمة استقالة الرئيس الحريري بعد أن اعتبره محتجزا في السعودية، وشكل مع وزير الخارجية جبران باسيل خلية دبلوماسية ضاغطة من أجل إعادته إلى لبنان، رأى ريفي أن “الحريري كان محتجزا عند حزب الله والتيار الوطني الحر في لبنان من خلال الحكومة القائمة، في حين حصل على حريته حينما قرأ بيان الإستقالة الذي أعاد غالبية شعبية فقدها بعد دخوله في تسوية مع فريق الثامن من آذار، إلا أنه يسلك الآن طريقا خاطئا بتراجعه عن الإستقالة. لقد بدأ الخطأ قبل استقالة الحريري من مجلس الوزراء حينما وافق جزء من فريق الرابع عشر من آذار على انتخاب مرشح الثامن من آذار، وتحديدا حزب الله رئيسا للجمهورية”.
وقال: “أطلب من الرئيس عون أن يقف على مسافة وسط بين كل اللبنانيين. نريد منه أن يكون حكما حقيقيا دون تحيز لفريق حزب الله وأن يمنحه غطاء سياسيا ويقدم لسلاحه الشرعية بحجة أن الجيش اللبناني غير قادر على حماية لبنان”.
وعن التسوية السابقة التي “سمحت لحزب الله بالتحكم في رئاسة الجمهورية”، قال: “الأمر لم يقف هنا لا بل أعطيناه قرار الحكومة، تم إقرار قانون انتخاب على قياسه لاستكمال الكارثة، مما سيؤمن له بكل سهولة الأغلبية المطلقة في البرلمان، وبالتالي قد يتسنى له سحب الورقة الميثاقية لاحقا، بعد أن يستكمل غزو الإدارات الرسمية والأمنية والعسكرية والمدنية اللبنانية فيمسك بمفاصل الجمهورية”.
وقال عن مستقبل العلاقات اللبنانية السعودية واللبنانية العربية: “لدى حزب الله غاية استراتيجية بأن يقطع العلاقات اللبنانية السعودية تحديدا والعلاقات اللبنانية العربية عموما، على الرغم من الأضرار الناتجة على الإقتصاد اللبناني في حال حدوث ذلك كون الحركة المالية في لبنان ترتكز على الخليج العربي”.
أضاف: “بغض النظر عن انتمائنا العربي ومحبتنا للسعودية وشكرنا المستمر لها بسبب مساندتها المستمرة للدولة واللبنانيين، إلا أن حزب الله تلقى أوامر إيرانية لضرب العلاقات اللبنانية السعودية حتى يرتمي لبنان في أحضان إيران، مما يعني قتل كل اللبنانيين إقتصاديا وإجتماعيا. إذا، حزب الله يدمر البلد تدريجيا ويلهو بنسيجه الداخلي، ويحاول إقناع الجميع بأن الحكومة القائمة حققت إنجازات كبيرة في حين أنها تسمح للساسة الفاسدين بنهب الدولة في مقابل أن يتركوا لحزب الله السيطرة على الأمن والعسكر والسياسة”.
وتابع :”للأسف هي حكومة قائمة على التزاوج بين الفساد وحزب الله الذي فتح باب الإثراء أمام الفاسدين لتنفيذ أجندته بعد أن بات أقوى من المحاسبة في لبنان”.
وعن “الإمتعاض العربي من مواقف لبنان الرسمية المؤيدة لسياسة حزب الله وانعكاساته على العلاقات اللبنانية العربية”، قال ريفي: “الشعب اللبناني يصر على البقاء ضمن الإجماع العربي، لكن للأسف هناك عدم تلاق بين لبنان الرسمي والعالم العربي. نحن ندين المواقف الرسمية اللبنانية التي تستفز السياديين في لبنان كما الإخوة العرب”.
أضاف: “إن حزب الله وممثليه اختطفوا موقف لبنان الرسمي، متكئين على شرعية شكلية، وللمرة الأولى في تاريخ لبنان نخرج عن الإجماع العربي، وهو ما لا يمثل الروح الحقيقية لهذا البلد الذي يصر على التلاقي الطبيعي مع العالم العربي”.
وردا على سؤال عن بيان جامعة الدول العربية، قال: “إننا ذاهبون إلى نقطة سيئة، لذلك أناشد إخواننا في الدول العربية، وتحديدا السعودية، ألا ينجروا إلى ردة فعل يريدها حزب الله بقطع الرئة الخليجية عن لبنان”.
أضاف: “نعتذر عن الإساءات الكبرى التي صدرت من حزب الله بحق السعودية والإمارات والبحرين، بعد أن وضعنا للأسف تحت ما يشبه الإحتلال الإيراني، بعد أن اغتال حزب الله رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وقتل شهداء فريق الرابع عشر وخطط لتنفيذ عملية إرهابية في الكويت من خلال خلية العبدلي في الكويت، ويدرب مقاتلي الحوثيين في لبنان وينظم لهم المؤتمرات، وأنشأ تلفزيونا خاصا بهم في بيروت، كما أرسل عناصره بجوازات سفر مزورة إلى البحرين لضرب أمنها، وبالتالي يحق لدول الخليج الإنتفاض للدفاع عن أمنها”.
وتابع: “أتوجه بنداء إلى السلطة اللبنانية بألا ترتكب خطأ تاريخيا بالإساءة إلى العلاقات اللبنانية العربية كما حدث في العام الماضي، وأتمنى على السعودية، التي يكن لها الأحرار في لبنان كل الاحترام والتقدير، الإستمرار في دعم الدولة والشعب في لبنان. هي التي سبق وحافظت على عيشنا المشترك واستقرارنا الإقتصادي والنقدي”.
وأكد وجوب “العمل على عدم إعطاء الشرعية لوجود حزب الله العسكري وسلاحه غير الشرعي حتى نؤسس دولة قوية تحتمي فقط بالجيش اللبناني”.
“الوطن” البحرينية
من جهة أخرى، أكد ريفي في حديث الى صحيفة “الوطن” البحرينية، أنه “دستوريا، وبمجرد أن يعلن رئيس الحكومة استقالته، تعتبر الحكومة مستقيلة والدستور اللبناني لم يلحظ لا المكان ولا الزمان في إعلان استقالة رئيس الحكومة، ولم يلزمه بأي من هذه الأمور. وفي ما خص إعلان التريث عن الإستقالة فهذه هرطقة دستورية، فرئيس الحكومة ليس موظفا لكي يذهب إلى رئيس الجمهورية لتقديم إستقالته، وهناك الكثير من الشواهد في التاريخ اللبناني فالرؤساء السابقون للحكومات في لبنان كل منهم قدم استقالته وأصبحت نافذة، منهم من أعلنها من منزله أو من البرلمان وأصبحت الإستقالة نافذة، حتى قوى 8 آذار، أي حزب الله وحلفاؤه عندما أعلنوا انسحابهم من الحكومة من منزل العماد ميشال عون سقطت الحكومة”.
وقال: “كان من الخطأ أن يعلن الرئيس الحريري أنه يتوجب عليه أن يلتقي الرئيس عون لتقديم الإستقالة. وللحقيقة أقول، قوة حضوره هي الأساس في فرض قراره وإذا كان ضعيفا فليس له قرار”.
وأشار إلى أن “هناك حالة من الضياع لدى الشارع السني في لبنان، فالشارع في مكان والساسة في مكان آخر، والغموض ما زال سيد الموقف”.
وقال عن مسألة التريث: “حتى الآن لم يصدر أي موقف من داخل المملكة، ولكن أود أن أقول إن كل من ساهم في هذه الاستقالة استطاع أن يقدم خدمة كبيرة للبنان وللسياديين في البلد، وبيان الإستقالة خدم القضية اللبنانية والقضية العربية”.
وبالنسبة “للحشود” أمام بيت الوسط، قال ريفي: “يكفي أن يتم إجراء مقارنة موضوعية بين الحشود السابقة لقوى 14 آذار وبين الحشود التي قالوا عنها غفيرة ولكنها هزيلة بالرغم من الحشد لها إعلاميا حتى من قبل إعلام حزب الله وقوى 8 آذار، وتكشف هذه الحشود الهزيلة لهؤلاء السياسيين أين أصبحت مكانتهم عند الناس”.
أضاف: “لطالما طالبنا الرئيس الحريري قبل بيان الإستقالة بالعودة إلى الثوابت أو بالأحرى العودة إلى حيث تركتنا وسترانا إلى جانبك، بيان الإستقالة يمثلنا، والتريث الذي أعلنه لا يمثلنا. تم إضاعة فرصة ذهبية في رفع الغطاء عن حكومة حزب الله التي تحولت لسلطة تنفيذية لتغطية حزب الله. هذا الحزب الذي يمارس الخديعة في استدراج الجميع للابقاء على هذه الحكومة، من خلال الوعود والكلام لناحية النأي بالنفس عشرات المرات التي تحدث بها حزب الله ومن ثم ينقلب عليها”.
ورأى أن “حزب الله يريد بأي ثمن الحفاظ على الحكومة الحالية لأنه يعلم في حال سقطت هذه الحكومة لن يستطيع إعادة تشكيل حكومة شبيهة لها. ومن هنا يحاول الإيحاء بأنه على استعداد للتفاهم واعتماد سياسة النأي بالنفس، ولكن كما يقول المثل اللبناني من جرب مجرب كان عقله مخرب”.
وقال: “إذا قرر حزب الله أن يبقى أداة للمشروع الإيراني فيجب العمل على ألا يكون مشاركا في الحكومات المقبلة وبصورة خاصة بعد تصنيفه كمنظمة إرهابية في جامعة الدول العربية إضافة إلى تصنيفه الدولي كمنظمة إرهابية ويجب عليه إعادة النظر في مواقفه، وعلى إيران أيضا أن تعيد النظر، إيران التي دمرت العلاقات السنية الشيعية، إيران التي دمرت العلاقات العربية الفارسية، إيران التي أساءت إلى حسن الجوار وساهمت في تدمير مدن عربية والتدخل في شؤون المنطقة العربية فالتاريخ يسجل كل هذه الأعمال لإيران الحالية”.
وختم: “سياسة النأي بالنفس لم يعد يؤمن بها الكثير من الدول العربية والخليجية وقد عبرت عنها مملكة البحرين بوضوح، وما قاله وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة لديه مصداقية عالية فيه، وهو ذهب مباشرة إلى لب المشكلة وبكل وضوح وصراحة وهذا ما أؤمن به، لطالما ذكرت عبارة سياسة النأي بالنفس أو الحياد في بيانات الحكومات السابقة سياسة النأي بالنفس من حق حزب الله أن يحاسب، يسأل، ولكن ليس من حقنا أن نحاسب ونسأل حزب الله”.