تتداول الاوساط السياسية روايتين حول مسار التأليف. الأولى، تلقي المسؤولية على الرئيس المكلف باعتباره لم يضع معياراً معيناً من بداية مراحل التأليف واشتغل على اساسها، فلكان بذلك قد وفّر الكثير من الوقت، وجَنّب التأليف حالة المد والجزر التي سادته.
وبحسب الرواية، فإنّ التباطؤ الذي شاب حركة الرئيس المكلف منذ اسابيع لم يكن مُستساغاً لدى شركائه في التأليف، وخصوصاً لدى رئيس الجمهورية، اضافة الى تبنّيه وجهة نظر القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي».
واللافت في هذه الرواية لحظها انّ اللقاء الاخير بين عون والحريري لم يكن سلبياً بل على العكس، شهد تقدماً على خط التأليف، بعدما طرح الرئيس المكلف على رئيس الجمهورية صيغة جديدة لحكومته، يمكن القول انها حظيت بشبه توافق عليها، حتى على حجم كل طرف، وخَلت من ثلث معطّل لطرف بعينه في الحكومة، الّا ان بعض النقاط بقيت عالقة وتتطلب معالجة، وان الحريري أخذ على عاتقه في هذا اللقاء معالجة عقدتي تمثيل القوات والاشتراكي، الا ان هذه المعالجة لم تحصل.
وتشير هذه الرواية الى ان الامور ليست عالقة في نقطة الصفر خلافاً لِما يقال، بل ان ثمة تقدماً حصل، والخلاف لم يعد عميقا لا على الاحجام، ولا على مسألة الحقائب، خصوصا الخدماتية، الا انّ النقطة العالقة ما زالت على موضوع إسناد حقيبة سيادية لـ«القوات»، وهو الامر الذي ينتظر ان تقتنع القوات باستحالة إسناد اي حقيبة سيادية لها، سواء أكانت الخارجية او الدفاع، فالتيار لن يتخلى عن الخارجية. ثم ان الدفاع، وكما هو غير مقبول لـ«حزب الله» ألّا تُسند اليه، فمن غير المقبول ايضاً ألا تسند لـ«القوات»، وهذا الامر ينسحب على الخارجية. ما يعني انّ مشكلة إسناد حقيبة لـ«القوات» لا علاقة لها بالحصص، انما هي مشكلة سياسية، مرتبطة بموانع داخلية كثيرة.
في المقابل تبرز رواية مناقضة للرواية الاولى، وفيها تأكيد انّ الامور وصلت الى الحائط المسدود، ولا يمكن الحديث عن اي اختراق ممكن في ظل الوضع الحالي، وذلك بسبب شروط العهد، لناحية رفض إعطاء «القوات» حقيبة سيادية، واكثر من 3 وزراء، ورفض إعطاء الحزب الاشتراكي اكثر من وزيرين، وتمسّك فريق رئيس الجمهورية بالثلث المعطل.
وبحسب الرواية، فإنه امام هذه المطالب، لم تجد «القوات» والاشتراكي الا رفض القبول بهذا التمثيل الناقص، الذي لن يدخلا الحكومة ابداً على اساسه، فضلاً عن الرئيس المكلف، لن يؤلف حكومة بمعزل عن «القوات» والاشتراكي، حفظاً للتوازن، وخصوصاً في ظل ما بدأ يَتمظهر في فريق العهد وبعض القوى السياسية عن توجّه لإعادة فتح العلاقة مع النظام السوري.
وتقول الرواية انّ هذه الشروط هي التي عطّلت التأليف حتى الآن، والحل بسيط وهو العودة عن هذه الشروط، التي ان بقي العهد متمسّكاً بها، ستبقى الامور على ما هي عليه. فـ«القوات» لن تتراجع عن مطلبها ولا الاشتراكي، وكذلك الرئيس الحريري الذي يبدو حاسماً في موقفه انه لا يؤلف حكومة في ظل هذه الشروط.
هاتان الروايتان، إضافة الى الوقائع السياسية التي تحكم خط التأليف، عزّزت الخشية لدى مرجع سياسي كبير من تعليق لبنان على خط الازمة ولأمد طويل.
وقال المرجع لـ«الجمهورية»: أسوأ ما نشهده هو الشراكة في التعطيل تحت السقوف العالية، ليس هناك عض اصابع، بل هناك عملية قضم اصابع وقطعها، ما يؤشّر الى انّ الامور على خط التأليف لا تؤشّر الى انها تتجه نحو الحسم السريع، بل الى الدخول في نفق طويل، خطورته انه يفاقم اولاً الازمات الداخلية على اختلافها وخصوصاً على المستوى الاقتصادي والمعيشي. وانه ثانياً، وعلى الرغم من عدم وجود تدخل خارجي ملموس، فإنّ هذا النفق قد يوصِل البلد الى لحظة تجده منضبطاً على الساعة الخارجية، والفراغ الحكومي قد يفتح الباب لأن يكون لبنان جزءاً من حالة المنطقة والفوضى الموجودة فيها.