كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”: منذ الرابع من الشهر الماضي، يوم إعلان الرئيس سعد الحريري بيان استقالته من الرياض، حتى اليوم السابع منه، أي طوال اربعة أيام، لم يصدر أي تصريح عن خارجية أي دولة من دول القرار العالمي توضِح بحزم موقفها من الاستقالة. وبدل ذلك ساد صمت في هذه الدول، ما أثار قلقاً في بيروت حول ما اذا كانت هناك خلفية دولية للإستقالة وللظروف الملتبسة التي حصلت فيها.
يوم الاثنين التالي دعا رئيس الجمهورية الى اجتماع يشبه الى حد بعيد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع. وبحسب تقدير الموقف عن مخاطر الأزمة الذي عُرِض في الاجتماع، فقد تمّ تشخيص ثلاثة عوامل أساسية ومحتملة قد يتسرّب منها الخطر على استقرار البلد:
ـ العامل الأول عسكري، ويتمثّل حصراً بإمكانية استغلال اسرائيل إنعكاسات أزمة الاستقالة على الوضع الداخلي اللبناني، فتقوم بعدوان ما. وسريعاً ظهرَ انّ هذا الاحتمال مُتدني الحدوث لاسباب عدة، منها مساهمة الاميركيين في ضمان ضبط اسرائيل التي هي بدورها معنية بالهدوء.
ـ العامل الثاني المثير للقلق، هو داخلي، ويتمثّل باحتمال حدوث تظاهرات شعبية تواجهها تظاهرات مقابلة، ما يضع شوارع الطوائف بعضها في مواجهة بعض. وهنا تحركت الاجهزة الامنية لإيصال الرسائل الواضحة الى جميع الاطراف، ومفادها انه ممنوع المَس بالاستقرار الداخلي.
ـ العامل الثالث هو اقتصادي، ويتصل باحتمال أن تؤدي الأزمة، سواء بِفعل جهات تخطّط لذلك أو بفِعل ان يسود تلقائياً مناخ قلق لدى المودعين في المصارف اللبنانية، يدفعهم الى سحب ودائعهم منها، ما يعرّض سعر صرف الليرة للاهتزاز ويقود بالتالي الى أزمة مالية عميقة.
حتى هذه اللحظة ثمّة معلومات متضاربة عمّا حدث ماليّاً في لبنان بين 6 تشرين الثاني (الاثنين) (أي أوّل يوم عمل للمصارف في أسبوع الازمة)، والتاسع منه. ثمة معلومات مصدرها رجال اعمال ومصرفيين تقول انه خلال هذه الايام سحب مودعون لبنانيون وغير لبنانيين من المصارف اللبنانية ما قيمته مليار وثلاثماية ألف دولار.
أما المعلومات المنسوبة الى مصادر رسمية لبنانية كانت معنية بإدارة أزمة استقالة الحريري، فتفيد انه خلال اليوم الأول من أسبوع عمل المصارف بعد الاستقالة (الاثنين 6 تشرين الثاني) تَمّ سحب 500 مليون دولار، وفي اليوم التالي إنخفض الرقم الى 200 مليون دولار، أمّا في اليوم الثالث فقد استقرّ سوق السحوبات المالية عند وضع طبيعي جداً، ما عَنى أنّ لبنان عبر في سلام هاجس انعكاسات أزمة الإستقالة على استقراره المالي.
وحول الفارق بين الرقمين (اكثر من مليار و500 مليون فقط) عن قيمة السحوبات التي خرجت من مصارف لبنان ما بين يومي 6 و9 الشهر الفائت، تقول مصادر مطّلعة انه يوجد في لبنان نوعان من الودائع، إحداها ودائع مستقرة واخرى ودائع يتمّ تجميدها لفترة قصيرة وذلك عن طريق شركات أموال خارجية، وهذه الاخيرة تترك لأصحاب هذه الرساميل حرية سحبها.
وهذا النوع الثاني من الودائع هو الذي تعرّض لسحوبات كبيرة، اما النوع الأول فإنّ حجم السحوبات التي حصلت فيه لم يكن كبيراً، وعادت حركة الودائع لتصبح طبيعية في اليوم الثالث من اهتزازها النسبي.
وتلفت مصادر واكَبت وأدارَت خطة احتواء نتائج أزمة استقالة الحريري على الاستقرار في البلد الى ثلاثة عوامل خارجية، كان لها مع العوامل الداخلية، دور في عبور لبنان هذه الأزمة بخير.
من جهة أخرى، أشارت الصحيفة أنه داخل محافل القرار الاميركي كانت هناك شخصيتان لعبتا دوراً بارزاً في استعجال ظهور موقف اميركي مؤيّد لموقف بيروت في شأن استقالة الحريري، وهما ديفيد ساترفيلد وجيفري فيلتمان، وذلك بالنظر الى أنّ هاتين الشخصيتين تشتركان في معرفتهما العميقة للوضع اللبناني، كونهما خدمتا في السفارة الاميركية في ظروف حساسة جعلتهما يختبران جيداً نقاط ضعف المعادلات السياسية اللبنانية الداخلية.
لقراءة المقال كاملا اضغط هنا
(الجمهورية)