شبهت أوساط سياسية لبنانية، العصف الدستوري والتشنج السياسي البالغ بين رئاستي الجمهورية ومجلس النواب، حول قانون الانتخاب، بآلام ما قبل الوضع.. وتوقفت أمام تطمينات الرئيس ميشال عون الأخيرة بقرب انجاز هذا القانون، متوقعة لـ «الأنباء» جلاء الموقف الرئاسي في خطاب الإفطار الرمضاني السنوي الذي سيقيمه في القصر الجمهوري غدا الخميس، مع استبعاد توقيعه مرسوم فتح الدورة قبل تطيير جلسة الخامس من يونيو بالذات.
وتوقعت مصادر مشاركة الرئيس بري بالافطار الرئاسي الى جانب رئيس الحكومة سعد الحريري، وهو مهد لهذه المشاركة، بحضور الافطار الذي اقامه الرئيس الحريري في السراي الكبير غروب الاثنين، لأول مرة، حيث درجت العادة ان يوفد بري ممثلا له وقد ترك حضوره شخصيا ارتياحا سياسيا، رغم وصوله متأخرا عن الأذان بضع دقائق، وقد أدى الصلاة مع الرئيس الحريري خلف مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان.
وكان بري استغرب الضجة التي قامت بسبب تحديده الخامس من يونيو موعدا للجنة التشريعية المؤجلة من 29 مايو، واعلن موافقته على قانون الـ 15 دائرة انتخابية، لأن المشروع خرج من بكركي، وعدم ممانعته باحداث نص دستوري يثبت المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، لكنه رفض بالقطع نقل المقاعد النيابية المسيحية الاربعة من دوائر طرابلس والدائرة الثالثة في بيروت ومن البقاع الغربي والبقاع الشمالي، من منطلق ان هذا الاجراء ينسجم مع طروحات التقسيم في المنطقة.
وقال بري في مؤتمر صحفي: إذا كان هناك اصرار على عملية النقل، فلن امشي بقانون الانتخابات.
ويطرح هنا سؤال: هل أن الفرز الطائفي للناخبين، وللنواب الذي يعنيهم نقل هذه المقاعد المسيحية من مناطق الاكثريات الاسلامية، وراء رفض بري وتيار المستقبل ونجيب ميقاتي وسليمان فرنجية؟ أم ان وراء الأكمة ما وراءها؟
جوابا كشفت المصادر لـ «الأنباء» عن عنصر اساسي آخر وراء هذا الرفض القاطع، مرتبط، بالمقعد الماروني في طرابلس الذي يشغله الآن الكتائبي سامر سعادة، والمطروح نقله إلى دائرة البترون المارونية الخالصة، والممثلة في المجلس بالنائبين بطرس حرب (مستقل) وانطوان زهرا (قوات لبنانية) وبإضافة المقعد المؤتى به من طرابلس، يصبح فوز الوزير جبران باسيل مضمونا في هذه الدائرة التي خذلته في دورتين سابقتين، الأمر الذي لا يروق لاصحاب الحسابات السياسية والرئاسية المقبلة.
وثمة عنصر إضافي، وراء رفض البعض لعملية النقل هذه، يتمثل بكون هذه المقاعد من «تراث» الوجود السوري في لبنان، ومقاربته بالالغاء، لا تلقى ارتياح عهد الوصاية ومن لا يزال يمثله على أرض الواقع اللبناني.
من جهته الرئيس سعد الحريري، قال في كلمة الافطار، غروب أمس الأول على السياسيين اعتبار التفاهم السياسي الحاصل فرصة حقيقية لحماية لبنان في هذه المرحلة الاقليمية والوطنية.
واعتبر الحريري ان العودة الى قانون الستين، او التمديد للمجلس مرة ثالثة، هزيمة لنا امام قواعدنا ويعبر عن اهتراء سياسي.
في غضون ذلك، استمر الجدل الدستوري بين بعبدا وعين التينة، ونقلت صحيفة الديار عن «اوساط مقربة من القصر الجمهوري، ان خطة بري تشكل استيلاء على صلاحيات رئاسة الجمهورية، وكأنه يقول له لا حاجة لفتحك دورة استثنائية، وبك ومن دونك الأمور ماشية.
واشارت الأوساط الى انه كان بوسع بري استخدام البند الثاني من المادة الدستورية الخاصة بالدورة الاستثنائية عبر تأمين تواقيع 65 نائبا، اي نصف عدد مقاعد المجلس زائد واحد على عريضة تلزم رئيس الجمهورية بفتح دورة استثنائية، لكنه اصر على فتوى قانونية لا قيمة لها، امام النصوص الواضحة في الدستور ومنها المادة 31 التي تنص صراحة على ان كل اجتماع يعقده المجلس النيابي في غير المواعيد القانونية يعد باطلا، ومخالفة للدستور، ولذلك فإن اي جلسة تعقد في الخامس من يونيو تعتبر كأنها لم تكن وكل قراراتها باطلة.
القناة البرتقالية الناطقة بلسان العهد توقفت عند قول رئيس المجلس ان استخدام رئيس الجمهورية صلاحياته بتعليق عمل الندوة النيابية شهرا كاملا، يعطي مجلس النواب شهرا اضافيا، يضاف الى مدة الدورة العادية للمجلس، وقالت لكنه بالمقابل تقول المادة 32 من الدستور ان العقد النيابي تتوالى جلساته حتى نهاية شهر مايو ونقطة على السطر.
لكن الخبير الدستوري صلاح حنين غالط رئيس المجلس في اكثر من نقطة، مؤكدا انه لا يحق لرئيس المجلس الدعوة الى جلسة نيابية عامة قبل توقيع مرسوم الدورة الاستثنائية، مشددا على انه لا دور لرئيس المجلس في فتح العقود البرلمانية عادية كانت ام استثنائية.
حنين عارض قول بري ان بإمكانه عقد جلسة عامة حتى دون دورة استثنائية استنادا الى المادة 59 من الدستور التي تتحدث عن تأجيل الانعقاد، لا الغائه، وقال حنين: النص واضح ولا مجال للاجتهاد، وهي وسيلة ضغط بيد الرئيس اجازها الدستور.
النائب نبيل نقولا (التيار الوطني الحر) قال ان الرئيس بري الذي اعتاد خروج ارنب الحلول من قبعته، لم يتحمل التفاهم على انتخاب الرئيس عون الرجل القوي دون علمه.
بدوره، نائب الجماعة الاسلامية د.عماد الحوت رأى ان الرئيس القوي، لا يستطيع ان يقوم بدور غيره ايضا ولا يحق له وضع مؤسسة دستورية بوجه مؤسسة دستورية، معربا عن الخشية من ان يؤدي زوال هيمنة حزب الله، الى تمكين فريق آخر بتعطيل البلد.
ويبقى الرهان على الافطار الرمضاني الذي يقيمه الرئيس عون غدا الخميس لأركان الدولة والمجلس والحكومة، لعله يصلح ما أفسده قانون الانتخابات بين رئيس الجمهورية والمجلس.
في السياق، قالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» إنّ عون دعا إلى الإفطار جميعَ المسؤولين، وفي مقدّمهم رئيسا مجلس النواب والحكومة نبيه بري وسعد الحريري، والمرجعيات الدينية المسيحية والإسلامية، والرؤساء السابقون للجمهورية والحكومة، والوزراء والنواب والقيادات العسكرية والأمنية، والفاعليات الاقتصادية والاجتماعية، وشخصيات من قطاعات مختلفة.
وفي المعلومات أنه سيكون لرئيس الجمهورية كلمة تُحاكي التطورات التي تشهدها البلاد على كل المستويات، خصوصاً على مستوى قانون الانتخاب والظروف التي تُرافق المناقشات الجارية، كذلك بالنسبة إلى التطورات في المنطقة.
(الجمهورية-الانباء الكويتية)