لم يكن أدلّ على التحاق لبنان وحدوده الجنوبية بالصراع متعدّد الجبهات بين الولايات المتحدة ومعها اسرائيل، وبين إيران وأذرعها في المنطقة، من التلقُّف السريع لطهران بلسان مساعد رئيس مجلس الشورى حسين أمير عبداللهيان إسقاط «حزب الله»، طائرة مُسيَّرة اسرائيلية في خراج بلدة راميا (جنوب لبنان) واصِفاً هذا التطور بأنّه «ردٌّ مُناسِبٌ سيجعل إسرائيل تندم على اعتداءاتها» ومتوعّداً تل أبيب بأنها «ستحترق إذا قررت اللعب بالنار».
وعَكَسَ تَصَدُّرُ طهران صفوفَ الإشادةِ بهذه العملية في ما بدا أقرب إلى «تبَنّيها» حرْصَ إيران على «الاستثمار» العسكري والسياسي والمعنوي لـ«الرميةِ» الأولى من نوعِها التي نفّذها «حزب الله» تحت سماء القرار 1701 و«أَسَرَ» معها الطائرة المُسيَّرة، وذلك بعد 8 أيام على «الفصل الأول» من الردّ، الذي جاء «عابِراً للحدود» (استهداف آلية اسرائيلية في أفيفيم)، على «إغارة» طائرتيْن اسرائيليتيْن مُسَيَّرتيْن على قلب الضاحية الجنوبية لبيروت فجر 25 أغسطس، بعيْد مقتل اثنين من كوادر الحزب في سورية (بضربة اسرائيلية).
وبدا واضحاً، في رأي أوساط سياسية مطلعة في بيروت، أن إكمال «حزب الله» الردّ المزدوج «الأرض – جوي (في أفيفيم وسماء راميا)» على الضرْبة المزدوجة الاسرائيلية يحمل في وجهه الظاهر عنوانَ «ردع اسرائيل عن لبنان والحزب» ولكنه في العمق ينطوي على مؤازرةٍ لـ«ردْع أميركا عن إيران» وبدء «تحميةٍ» للجبهات تحت شعار «وحدتها» الذي سبق أن رفعتْه طهران، وذلك في ما يشبه «التمرين بالنار» و«رصاصة التحذير» من أي تَمادٍ أو توسيع لـ«الحرب بالنقاط» التي تخاض ضدّها بالعقوبات كما عبر إحياء تل أبيب اللعبة التي تتقنها جيداً وهي «المعارك بين الحروب» التي جعلت «بنك أهدافها» يتمحور حول أذرع إيران في سورية والعراق ولبنان وصواريخها «الكاسرة للتوازن».
ولاحظتْ الأوساطُ نفسها، أن «صيْد» حزب الله المُسيَّرة فوق رامية، تَشابَكَ مع إعلان الجيش الإسرائيلي «أن ميليشيات إيرانية بقيادة فيلق القدس حاولت إطلاق قذائف صاروخية على الأراضي الإسرائيلية من مشارف دمشق»، وذلك بعد ضربات جوية استهدفت مواقع للقوات الإيرانية ومجموعات موالية لها في منطقة البوكمال (شرق سورية).
ورغم «الطابع الدفاعي» الذي شكّله إسقاط «حزب الله» الطائرة المُسيَّرة بعد خرْقها الأجواء اللبنانية، فإن هذا لم يقلّل من أهمية هذا التطوّر النوعي الذي لم يكشف الحزب عن كيفية تنفيذه وعما إذا كان الأمر في إطار عملية تقليدية أو باعتراضٍ الكتروني أتاح له التكتم على ما يملكه من أسلحةٍ ضمن «منظومة الدفاع الجوي».
وجاءت هذه العملية، التي «تجرّعتْها» تل أبيب من دون أي ردّ، لتؤكد ما سبق أن نشرتْه «الراي» قبل أيام عن أن «حزب الله» سيترجم تهديده بالردّ على هذا المستوى في «غضون أيام قليلة».
ورأت مصادر معنية عبر «الراي»، ان «حزب الله» بإسقاطه المُسيَّرة يكون «أغلق الحساب» مع تل ابيب المتصل بالردّ على الضربة المزدوجة في الضاحية الجنوبية وعقربا السورية (ليل 24 – 25 أغسطس)، معربة عن اعتقادها بأن الحزب لن يتوانى في المستقبل عن إسقاط مُسيَّراتٍ اسرائيلية وعلى نحو متقطّع في إطار «تبادُل الرسائل» مع تل ابيب.
وكان «حزب الله» أعلن في بيان له انه «تصدى بالأسلحة المناسبة لطائرة إسرائيلية مسيّرة أثناء عبورها للحدود الفلسطينية – اللبنانية باتجاه بلدة رامية الجنوبية، حيث تم إسقاطها في خراج البلدة وأصبحت في يد المقاوِمين وذلك يوم الاثنين 09-09-2019».
وفيما أكد الجيش الإسرائيلي سقوط «طائرة مسيّرة صغيرة في لبنان، في مهمة عادية»، مؤكّداً أن «لا خطر لتسرب معلومات منها»، يُنتظر أن يكون إكمال الحزب ما قال إنه «معادلة الردع الجديدة» محور كلمة أمينه العام السيد حسن نصرالله اليوم في خطبة يوم العاشر من المحرم.
وإذ كان «حزب الله» يربط بلسان رئيس كتلة نوابه محمد رعد بين «تمريغنا أنف إسرائيل بالتراب وقد بات العدو محبوساً في قفص توازن الردع الذي فرضناه عليه»، وبين «محاولات إسقاط لبنان اقتصادياً (…) وليفرضوا عقوبات ما شاؤوا، فنحن لن نسمح لإسرائيل بأن تستبيح أرضنا ولا سماءنا»، بدأ الديبلوماسي الأميركي ديفيد شنكر مهمته في بيروت خَلًفاً لديفيد ساترفيلد في شأن بتّ النزاع الحدودي البري بين لبنان واسرائيل وترسيم الحدود البحرية، وهو الملف الذي يرتكز على «مظلة» القرار 1701 الذي «علّقه» حزب الله، وسط معلومات عن أنه لن تغيب عن محادثات شنكر الذي التقى أمس الرئيس سعد الحريري مسألة العقوبات على «حزب الله» الذي كان بارزاً اتهامه من واشنطن عبر وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس باغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005.
في سياق آخر، نفى الحريري، ما ورد في مقال نشرته صحيفة «الأخبار»، تحت عنوان «الحريري يتهرب من التعاون العسكري مع روسيا؟».
وأكد في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي أن «المعلومات الواردة في المقال مغلوطة ومخالفة كليا لمسار العلاقات الإيجابية مع الدولة الروسية».
الراي