أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن الاقتصاد اللبناني لا يبنى وفقا لبعد واحد، “بل هو تفاعل لمختلف وسائل الانتاج”، مشددا على “ضرورة بذل الجهود لتطوير الاقتصاد ومواجهة الواقع الذي نتج عن سنوات من الأزمات التي تراكمت على لبنان”.
وأشار إلى أن الاجتماع المالي الذي رأسه في قصر بعبدا الاحد الماضي، “أعاد ضبط اللغط الذي نشأ نتيجة تصريحات تناقلتها وسائل الاعلام حول الواقع المالي للدولة وعادت الأمور إلى طبيعتها”.
كلام الرئيس عون جاء خلال استقباله قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، رئيس مجلس إدارة جمعية تجار بيروت نقولا شماس مع وفد من مجلس إدارة الجمعية، طرح تصورا لإطلاق حملة استهلاكية وطنية تهدف إلى تفعيل الدورة الاقتصادية في البلاد.
في مستهل اللقاء تحدث شماس شاكرا للرئيس عون استقباله الوفد ومتحدثا عن أهمية هذه الزيارة “لوضع رئيس الجمهورية في الاجواء الاقتصادية الاجتماعية المأزومة التي تمر بها البلاد”.
وإذ عبر شماس باسم الوفد عن تقديره وكامل ثقته بالجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس عون للم الشمل الوطني في مواجهة هذا الواقع، فإنه أسف من جهة ثانية لعدم اكتمال تكوين السلطة التنفيذية جراء التأخير في تشكيل الحكومة العتيدة لما لهذا التأخير من ارتدادات خطيرة على الواقعين الاقتصادي والمالي.
وتحدث شماس عن “تلاشي مناعة القطاع التجاري، وعدم تمكنه بعد اليوم من انتظار اي استحقاق مؤسساتي قد يطول او يقصر”، وقال: “في نظامنا الليبرالي الراسخ ينبغي للمجتمع الاقتصادي أن يتحمل مسؤولياته ويتحرك تلقائيا ويقدم على اتخاذ المبادرات الكفيلة بكسر جمود المراوحة القاتلة”.
وطرح شماس على الرئيس عون “تصورا إنعاشيا” يتمثل بإطلاق حملة استهلاكية وطنية تهدف الى تفعيل الدورة الاقتصادية في لبنان، وذلك من خلال حض المجتمع اللبناني على التسوق داخل لبنان في العامين المقبلين، على أن يواكب المجتمع التجاري هذه الحملة بأسعار مدروسة وعروضات مغرية، فتنطلق ساعة ذاك حلقة ايجابية من ازدياد الاستهلاك وإنخفاض الاسعار. وأوضح أن “للاقتصاد الوطني أربع محركات هي: الاستثمار الخاص (وهو معطل منذ سنوات)، والاستثمار العام (وهو شبه مغيب بسبب زهادة مخصصاته)، والتصدير (وهو في تراجع مستمر بسبب معوقات بنيوية) والاستهلاك. وأكد أنه حيث أن المحركات الثلاثة الاولى متوقفة، فإن المحرك الرابع اي الاستهلاك الخاص، هو الانجع والافضل، علما أنه وبالمقارنة مع الصين حيث يمثل 40% من الناتج القائم او مع فرنسا (55%) او أميركا (70%) فهو يمثل في لبنان 89 % من النشاط الوطني. وإن، ضخامة الكتلة الاستهلاكية في البلاد تدفعنا الى التعويل على هذا المحرك”.
وشدد على “ضرورة إغاثة الاقتصاد خلال السنتين المقبلتين”، مشيرا الى أن أموال مؤتمر “سيدر” مشروطة وتتطلب إصلاحات ومراقبة على تنفيذ المشاريع، ما يعني ان هذه الاموال ستأتي ببطء وتدرج، وبالتالي لن تفي بالغرض المطلوب اليوم لأننا بحاجة الى جرعة كبيرة وفورية من الدعم والاموال لإطلاق آلية الانقاذ. في حين ان العملية الاستهلاكية هي اسرع بكثير من العملية الاستثمارية، وبالتالي فهي تنعكس حالا على النمو الاقتصادي وعلى الدورة الانتاجية.
ولفت شماس الى “ظاهرة يعيشها لبنان وهي في غاية الخطورة تتمثل بوصول نفقات السياح الاجانب في المتاجر اللبنانية الى 3,5 مليارات دولار في العام 2017، في حين أن نفقات السياح اللبنانيين في المتاجر الخارجية بلغت 5,5 مليارات دولار في العام نفسه”، وأكد أن “هذا الواقع الاقتصادي خطير، إذ ان السائح يتبضع من لبنان بينما اللبناني يشتري حاجاته من الخارج، ما يخلق خللا في الميزان التجاري-السياحي اللبناني، بما قيمته حوالي ملياري دولار ولربما أكثر، بما أن هذه القيمة لم تحتسب ما يصرفه اللبناني في الخارج على المطاعم والفنادق والنقل والخدمات الاخرى ولم تحتسب ايضا تملك اللبنانيين لشقق في الخارج، فضلا عن أن العديد من اللبنانيين يملكون جنسية أخرى يستعملونها في السفر، وبالتالي لم تسجل مشترياتهم ما يرفع الفارق في الميزان التجاري-السياحي أكثر فأكثر”.
وشدد على ضرورة العمل اليوم على تقليص انفاق اللبنانيين في الخارج وتحويله الى السوق الداخلي اللبناني، اي تحويل ما لا يقل عن مليار ونصف مليار دولار من الاستهلاك في الخارج، ما يوازي 2-3 % من النمو الاقتصادي، وذلك من خلال تفعيل قطاعات التجارة والصناعة والسياحة، مما سيساهم في استحداث فرص عمل مجدية في البلاد.
وأعلن شماس في ختام كلمته أنه سوف تتم مناقشة هذه الحملة مع الجهات المعنية اي الهيئات الاقتصادية والمجلس الاقتصادي-الاجتماعي ووزارة الاقتصاد ووزارة السياحة فضلا عن لجنة الاقتصاد النيابية، وذلك لتأمين الاحتضان الاقتصادي المطلوب. “والمرجو أنه لدى تشكيل الحكومة الجديدة، ستكون الحملة الاستهلاكية الوطنية المقترحة ضمن اولوياتها الاقتصادية الملحة”.
الرئيس عون
ورد الرئيس عون مرحبا بالوفد، ومؤكدا أهمية دور وجهود جمعية تجار بيروت في عملية النهوض الاقتصادي. كما تناول أهمية القطاع السياحي في هذا المجال مجددا دعوته للبنانيين لتشجيع السياحة الداخلية ما يزيد من واردات الخزينة ويساهم بالتالي بتحسين الوضع الاقتصادي، ومشددا على أن “أي أزمة تطرأ على لبنان لا تحل إلا عبر تعاون جميع اللبنانيين وليس فقط عبر القرارات التي تتخذها الحكومة في مختلف القطاعات، او عبر جهود رجال الاعمال والتجار”.
ودعا من جهة ثانية الى تنفيذ الاتفاقيات التي ابرمها لبنان مع الدول العربية ولاسيما اتفاقيات التيسير وتنمية التبادل التجاري، كما دعا جمعية التجار الى البحث مع وزارة الصناعة لمعرفة الحاجات الاساسية التي يجب استيرادها الى لبنان. وعبر عن خشيته من عدم إدراك البعض لدقة الوضع في لبنان، وهذا ما يتبين من خلال المسار الذي يسلكه موضوع تشكيل الحكومة. وقال: “لقد تمكنا من اعادة ضبط اللغط الذي نشأ نتيجة تصريحات تناقلتها وسائل الاعلام حول الواقع المالي للدولة بعد الاجتماع الذي عقد يوم الاحد الماضي وعادت الامور إلى طبيعتها”.
وأكد رئيس الجمهورية أن “الاقتصاد لا يبنى وفقا لبعد واحد، بل هو تفاعل لمختلف وسائل الانتاج، إضافة الى التجارة والعديد من المكونات التي يجب أن نحترمها والالتزام بها”، مشددا على أنه “يتم بذل كل الجهود لتطوير الاقتصاد ومواجهة الواقع الراهن الذي نتج من الازمات المتراكمة على لبنان”.
القصار
وعرض الرئيس عون الشأن الاقتصادي والتحضيرات الجارية لعقد القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، مع الرئيس الفخري لاتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان الوزير السابق عدنان القصار الذي أشار بعد اللقاء إلى ان الاجتماع مع رئيس الجمهورية هدفه تأكيد ضرورة تضامن جميع الجهات السياسية والحزبية من اجل انجاح عهده “هذا العهد الذي حقق على مدى السنتين السابقتين انجازات واسهامات واضحة واستراتيجية وحيوية للبنان واللبنانيين. ومن الضروري التفاف الجميع حول الرئيس عون لتحقيق ما يصبو اليه اللبنانيون من امن وامان وطمأنينة واستقرار وازدهار”.
وأضاف: “أكدت لفخامة الرئيس ضرورة الاسراع في تشكيل حكومة لبنان الجديدة وفق الاسس الدستورية، وبالتعاون مع الرئيس المكلف سعد الحريري، وان اللبنانيين اليوم هم في أشد الحاجة الى مثل هذه الحكومة لكي تتعامل بكل جد وجدية مع الملفات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية الملحة، وايضا من اجل تنفيذ تعهدات لبنان تجاه الدول والمنظمات المانحة في مؤتمر “سيدر”، ولاسيما تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والقطاعية والمالية الضرورية والاساسية لنهضة الاقتصاد اللبناني وتحسين الاوضاع الاجتماعية”.
وتمنى القصار ان تنجح القمة الاقتصادية العربية في بيروت، في تحقيق اهداف اقتصادية وتنموية عربية استراتيجية، “وفي مقدمها تحقيق الاستقرار العام على مستوى المنطقة العربية ككل، وإزالة المعوقات والعوائق التي تعترض تقدم منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في اتجاه الاتحاد الجمركي ثم السوق المشتركة، وايضا تحرير الاسواق العربية تجاه التبادل التجاري والاستثماري والمالي الاوسع، ودعم دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو والتنمية، والتضامن من اجل زيادة فرص العمل امام الشباب وتقليل معدلات البطالة والهجرة ونزف الرساميل والادمغة العربية”.
وقال: “نحن نضع، كل امكاناتنا وعلاقاتنا، تحت تصرف رئيس الجمهورية ونحن جاهزون لتقديم كل الدعم الذي يراه مناسبا منا من اجل المساهمة في انجاح هذه القمة، ومن اجل تعظيم استفادة لبنان منها. ونتمنى للرئيس عون كل التوفيق والنجاح في مسؤولياته الوطنية الجسام”.
الصراف
على صعيد آخر، تابع رئيس الجمهورية مع وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف الاوضاع الراهنة في الجنوب في ضوء التطورات الميدانية التي نشأت مؤخرا، كما تناول البحث المراحل التي قطعها انشاء المستشفى العسكري وزيارة وزير الدفاع الاسترالي الى لبنان، فضلا عن اهمية القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي تنعقد في بيروت.
الدكتورة حشاش حرام
والتقى رئيس الجمهورية النائب نقولا صحناوي ترافقه الدكتورة نادين حشاش حرام من مؤسسي برنامج “بروكسيمي” Proximieإضافة الى السيد باسل عطية، مدير عام المعلوماتية في شركة CEDAR MUNDI ventures والرئيس التنفيذي للشركة السيد جوزف شلالا.
واطلعت الدكتورة حشاش حرام، وهي متخصصة في طب الجراحة التجميلية والترميم، ومقيمة في لندن، رئيس الجمهورية على نيلها ميدالية الامبراطورية البريطانية من الملكة اليزابيت الثانية، تقديرا لعطاءاتها خصوصا في مجال انشاء برنامج PROXIMIE الذي من خلاله يمكن التواصل في الوقت عينه بين مجموعة الجراحين في غرفة عمليات معينة اثناء قيامهم بعملية جراحية وطلاب واساتذة واطباء في اختصاصات مختلفة وأماكن مختلفة من العالم، الامر الذي من شأنه أن يقرب المسافات من جهة اولى ويخلق منصة تواصل وتبادل خبرات واغتناء بالمعلومات كما والمساهمة بإبداء الرأي الطبي في العملية قيد الاجراء.
من جهته عرض السيد عطية لعمل الشركة واشار الى ان حضور الدكتورة حشاش حرام اليوم الى لبنان أتى بمبادرة من شركة “سيدر ماندي فينتورز” Cedar Mundi venturesاللبنانية التي تعمل على الاستثمار في لبنان في تقنيات المعلومات من خلال لبنانيي الانتشار بهدف تثبيت الشبيبة في ارضهم وخلق فرص عمل لهم في مجال التكنولوجيا والمعلوماتية.
وهنأ رئيس الجمهورية كلا من الدكتورة حشاش حرام والسيد عطية على الانجازات المحققة معتبرا أنها تعطي صورة مشرقة عن لبنان وعن طموح اللبنانيين في عالم الانتشار، مؤكدا في الوقت عينه على ان التشديد على ربط هذه الانجازات بتثبيت الشباب اللبناني المثقف في ارضه افضل رسالة يمكن ان يؤديها لبنانيو الانتشار لوطنهم الام.