ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الميلاد على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، كابيلا القيامة، عاونه فيه المطارنة حنا علوان، ورفيق الورشا وسمير مظلوم وبولس الصياح، المونسينور دومينيك لبكي ولفيف من الكهنة، بمشاركة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير والقائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور اينان سانتوس، وخدمت القداس جوقة أرزة لبنان، في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعقيلته اللبنانية الاولى السيدة ناديا، الوزيرين في حكومة تصريف الأعمال سيزار ابي خليل وطارق الخطيب، النواب ابراهيم كنعان وسيمون ابي رميا وفريد هيكل الخازن ومصطفى الحسيني وشوقي الدكاش وروجيه عازار وحكمت ديب وشامل روكز، رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان، رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد، الوزير السابق زياد بارود، النواب السابقين نعمة الله ابي نصر وناجي غاريوس وميشال الخوري، نقيب المحررين جوزيف القصيفي، المدير العام للجمارك بدري ضاهر، المدير العام للاسكان المهندس روني لحود، المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان المهندس كمال حايك، المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار، مدير المخابرات في الجيش العميد الركن انطوان منصور، قائد الدرك العميد مروان سليلاتي، رئيس المؤسسة المارونية للانتشار شارل الحاج على رأس وفد، رئيس الرابطة المارونية انطوان اقليموس، رئيس تجمع “موارنة من أجل لبنان” المحامي بول يوسف كنعان على رأس وفد، قائمقام كسروان – الفتوح جوزيف منصور، نائب رئيس المؤسسة البطريركية للانماء الشامل سليم صفير، وحشد من الفاعليات السياسية والعسكرية والديبلوماسية والنقابية ومن المؤمنين.
العظة
بعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “أبشركم بفرح عظيم يكون للشعب كله: ولد اليوم لكم مخلص هو المسيح”، قال فيها: “فخامة الرئيس، يسعدنا جميعا أن تكونوا مع السيدة اللبنانية الأولى عقيلتكم على رأس المحتفلين بهذه الليتورجيا الإلهية في عيد ميلاد فادي الإنسان ومخلص العالم، يسوع المسيح، “الإله الذي صار إنسانا، ليؤله الإنسان” (القديس أمبروسيوس). إنكم بحضوركم، محاطين بهذه الكوكبة من أصحاب المقامات السياسية والقضائية والعسكرية والحزبية والإخوة والأخوات، تحيون عادة حميدة تبهج أسرتنا البطريركية وهذا الصرح. فيطيب لي أن أعرب لكم، فخامة الرئيس، عن أطيب التهاني والتمنيات بالميلاد المجيد والسنة الجديدة الطالعة 2019. ونسأل الله أن يبارك خطاكم ويزيدكم حكمة في قيادة الوطن الحبيب وسط ما يحيط به من صعوبات سياسية واقتصادية واجتماعية، وما يلحق به من نتائج الحروب والنزاعات الدائرة في المنطقة. نحن نشعر معكم بالغصة، إذ كنتم ترغبون أن تبهجوا الشعب اللبناني وتكملوا فرحة العيد بإهداء حكومة جديدة لوطن يطعن من الداخل، ولشعب يتآكله القلق واليأس وفقدان الثقة بحكامه. كما يسعدني أيضا أن أقدم أخلص التهاني والتمنيات بالأعياد لكل الحاضرين معنا، بل لجميع اللبنانيين مقيمين ومنتشرين. وإنا نصلي معا من أجل الاستقرار في وطننا بتأليف حكومة جديدة، والسلام في بلدان الشرق الأوسط، وعودة جميع النازحين واللاجئين إلى أوطانهم وبيوتهم، حفاظا على حقوقهم المدنية وثقافتهم الوطنية وتاريخهم”.
أضاف: “يوم ميلاد ابن الله إنسانا لخلاص العالم، كانت البشرى “بالفرح العظيم لجميع الناس” (راجع لو2: 10-11). وكان إعلانها الأول لرعاة بيت لحم البسطاء المتواضعين والبعيدين عن كبرياء وأنانية أغنياء أورشليم. فتلقوها بإيمان وحب، وأسرعوا إلى المذود، حاملين هدايا حبهم كما أنشد القديس أفرام السرياني: “ليوسف لحما نقيا، ولمريم حليبا لذيذا، وللطفل تسبيحا. وقدموا حملا رضيعا لمن سيكون حمل الفصح، بكرا للبكر، ذبيحا للذبيح، حمل الزمان لحمل الحق”. وكانت البشرى لعلماء الفلك، مجوس بلاد فارس، فقرأوها في حركة النجوم. رأوا وآمنوا وجاءوا من بعيد إلى بيت لحم على هدي النجم، وقدموا هداياهم النبوية الصادرة من قلوبهم المؤمنة والمحبة: ذهبا لمن هو الملك، ولبانا – بخورا لمن هو الكاهن، ومرا – حنوطا لذبيح الفداء”.
وتابع: “من الرعاة والمجوس انطلقت عادة تقديم الهدايا في عيد الميلاد. وكان شعبنا اللبناني ينتظر هدية العيد: حكومة جديدة بعد انتظار سبعة أشهر كاملة، تخرجه من قلق المعيشة والأزمة الاقتصادية المتسببة بتفكك العائلة والحياة الزوجية وتدني الأخلاق وسقوط معظم شبابنا ضحايا المخدرات ومروجيها المحميين. ونعرف أن هذه كانت رغبتكم، فخامة الرئيس، ورغبة المحبين حقا للبنان وشعبه ومؤسساته. فكان أن أصحاب القلوب الفارغة من الحب والمشاعر الإنسانية، والولاء للوطن والإخلاص للشعب، خنقوا فرحة العيد وهذه الرغبة في القلوب. فكانت أول من أمس ردة فعل الشعب المحقة التي انطلقت بمظاهرات كعلامة غضب ورفض للسياسة اللامسؤولة والمهترئة بالأنانية والفساد والمكاسب غير المشروعة وبالجنوح نحو تعطيل مسيرة الدولة. وقد دعوتم منذ يومين، فخامة الرئيس، إلى التمسك بالرجاء ورفض اليأس، فلا بد لهذه الظلمة من أن تنجلي ونحن نؤمن بذلك، فعند ميلاد ابن الله في ظلمة الليل الحالك، أشرق من السماء نور الخلاص كشمس الظهيرة، وتمت نبوءة أشعيا: “الشعب السائر في الظلمة أبصر نورا عظيما، والجالسون في أرض الموت وظلاله أشرق عليهم النور”(أش1:9). ومع ذلك نعرف وجعكم واستياءكم أنتم الذين أعلنتم في خطاب القسم أن “الأهم، في مسؤوليتكم الأولى، إطمئنان اللبنانيين إلى بعضهم البعض وإلى دولتهم بأن تكون الحامية لهم، والمؤمنة لحقوقهم وحاجاتهم، وأن يكون رئيس الجمهورية ضامن الأمان والاطمئنان”.
وقال: “الفرح المعلن للبشرية بميلاد الإله إنسان، يعني عودة بهاء الإنسانية إلى كل إنسان، لكونه مخلوقا على صورة الله. إنها الأنسنة الجديدة التي لا تتعايش مع الكبرياء والتسلط والحقد والانانية والبغض والظلم والتعذيب وفساد القلب وموت الضمير بخنق صوت الله في أعماق الإنسان. فإذا عاد الإنسان إلى إنسانيته، دخلت الأنسنة السياسة فيتوقف السياسيون عن ابتزاز مؤسسات الدولة وسلب مالها العام وهدره، وعن قهر المواطنين وحرمانهم حقوقهم، ويجعلون الدستور وحده قاعدة الحكم. ودخلت اقتصاد فلا يتحول سوء استعماله لاستغلال الإنسان ورفع شأن المادة على حساب كرامته وحقوقه، ولجعل الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقرا. وإذا عاد الإنسان إلى إنسانيته دخلت الأنسنة الوزارات والإدارات العامة فترتدع عن السرقة والرشوة والهدر، وتتحرر من الفساد والمفسدين وطغيان السياسيين والمذهبيين. ودخلت القضاء فيحكم بالعدل والانصاف متحررا من الإغراءات المالية والتدخلات السياسية والحزبية. ودخلت الأنسنة الإعلام ومختلف وسائل التواصل الإجتماعي، فتكف عن بث سم الكذب والمأجورية وانتهاك الكرامات والافتراء وتوجيه الإساءات. ودخلت المجتمع فينبذ الخلافات والنزاعات وانحطاط القيم، ويعزز جو الألفة والتضامن والترابط”.
وختم الراعي: “فخامة الرئيس، أيها الإخوة والأخوات، هذه هي معاني “الفرح العظيم” الذي بشر به الملاك لجميع الشعوب ليلة ميلاد فادي الإنسان ومخلص العالم، يسوع المسيح. بهذا الفرح الذي نلتزم بنشره في حياتنا اليومية: في العائلة والمجتمع والكنيسة والدولة، نعلن بالمسرة الكبرى: ولد المسيح! هللويا!”
خلوة
وكان عون وصل الى الصرح البطريركي في بكركي عند التاسعة والنصف صباحا وكان في استقباله المطرانان حنا علوان وبولس الصياح، وتوجه فورا الى صالون الصرح الكبير حيث كان في استقباله الراعي والكاردينال صفير وعدد من المطارنة، وخلال التقاط الصور التذكارية بادر الراعي الرئيس عون بالقول: “اللبنانيون كانوا ينتظرون ان تكون العيدية حكومة” فأجابه الرئيس عون: “عدم التشكيل سببه معركة سياسية ويبدو ان هناك تغييرا في التقاليد والأعراف”.
ثم عقدت خلوة بين عون والراعي في المكتب الخاص للأخير، استمرت قرابة النصف ساعة، وقبيل توجهه للمشاركة في قداس الميلاد قال عون للاعلاميين في كلمة مقتضبة: “نعيش أزمة تأليف الحكومة، صلوا لكي تحل الصعوبات. يبدو أن البعض يخلق تقاليد جديدة في تأليف الحكومة لم نألفها سابقا ونحتاج لبعض الوقت لإيجاد الحلول لها”.
وسام وأيقونة
وفي ختام القداس، قدم الراعي لعون وسام مار مارون، وهو الوسام الأرفع في الكنيسة المارونية، تقديرا لعطاءاته.
كذلك منحه واللبنانية الأولى السيدة ناديا، الأيقونة الإلهية للعائلة المقدسة، لمناسبة اليوبيل الذهبي لزواجهما.
بعد ذلك توجه عون والراعي إلى صالون الصرح لتقبل التهاني بالعيد.
والتقى الراعي الدكتور ناصر زيدان الذي قدم التهاني بالميلاد باسم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.