لن تغيّر النتيجة التي أعلنها المجلس الدستوري أمس بإبطال نيابة ديما جمالي في واقع صعوبة «تشليح» الحريري نائباً من كتلته. إعلان جمالي ترشيحها، بايعاز من الحريري، بعد ساعات قليلة على صدور القرار، في مواجهة مرشح «جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية» (الاحباش) طه ناجي، وإحتمال إنضمام مرشحين آخرين الى معركة طرابلس الفرعية، سيقود الى إحتفاظ كتلة «المستقبل» بالمقعد الطرابلسي في ظل قيام «تحالف ثلاثي» متوقع بين الحريري وحليفه المستجدّ الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي.
في أيار الماضي اقترع 94047 ناخباً في دائرة الشمال الثانية (31%)، وهي نسبة متدنية يُتوقع أن تكون أقل عند حصول الانتخابات الفرعية. لائحة ميقاتي نالت 30446 صوتاً، لائحة «المستقبل» 26620، لائحة فيصل كرامي و«الاحباش» 16396، لائحة أشرف ريفي 7986، لائحة «القرار المستقل» 3307، «كلنا وطني» 2274، «قرار الشعب» 1292، «المجتمع المدني» 394.
في المحصلة، في حال تحالف الحريري – ميقاتي تكون المعركة «منتهية» خصوصاً أنها ستجرى في ظل النظام الأكثري وعلى أساس الدائرة الصغرى، أي طرابلس فقط .
يقول خبير إنتخابي لـ «الجمهورية»: «المعركة ستكون سهلة بحصول لائحة الحريري – ميقاتي على نحو 40 الف صوت، والمنافس الأول الخاسر 20 الف صوت!»
«تطيير» نيابة نائب تيار «المستقبل» شكّل «تراند» الطعون المتوقع قبولها. «جمعية المشاريع» كانت طوال الفترة الماضية تتصرّف وكأنّ قبول الطعن تحصيل حاصل، بفارق الـ 45 صوتاً بين لائحة «المستقبل» ولائحة «الكرامة الوطنية»، بينما الحاصل الثالث، في رأيها، هو من حق مرشحها، (الى جانب فيصل كرامي وجهاد الصمد)، الذي نال على لائحته 4152 صوتاً تفضيلياً في مقابل حصول جمالي على 2066 صوتاً. لكنّ «النكسة» تُرجمت في عدم إعلان فوز ناجي مقابل إبطال نيابة جمالي.
هكذا أفقد «قلم قرصيتا» نائبة طرابلس نيابتها، لكنه لن يمنح سنّة المعارضة مرشحاً إضافياً يعطي مشروعية أكبر لمعركتهم السابقة في توزير ممثل «اللقاء التشاوري» في الحكومة.
وهذا ما يفسّر إستنفار «المحور» الفائز بالطعن الذي يُسلّم بأنه سيُجرّ الى مواجهة قاسية، ظروف نجاحها أفضل بالقانون النسبي، معتبراً أنّ «الكسر الأعلى لصالحنا… وقرار المجلس الدستوري باطل». أما «تيار المستقبل» فلم يتوانَ عن إعتبار القرار بمثابة «عملية غدر سياسية».
وقد أوضح سليمان في مؤتمره الصحافي أمس أنّ «قلم «قرصيتا» الرقم 546 المدرسة الرسمية، الغرفة الرقم 5، فقد جرى العبث بمحتويات المغلف الخاص به، والذي تسلّمته لجنة القيد من دون مستندات، وبعد التدقيق في أوراق الاقتراع الموجودة في هذا المغلّف تأكد العبث بها أيضاً».
«إبطال نتيجة هذا القلم»، أضاف سليمان، «أدّى الى إبطال نيابة جمالي، وبنتيجة التصحيح احتفظت «لائحة العزم» بالمقاعد الأربعة التابعة لها، بينما أصبح عدد المقاعد التي فازت بها لائحة «المستقبل» بعد التصحيح 4.55249 أي فازت بأربعة مقاعد وبقي كسر يساوي 0.55249. أما عدد المقاعد التي فازت بها لائحة «الكرامة الوطنية» فأصبح 2.55256، أي فازت بمقعدين وبقي كسر يساوي 0.55256.
الفارق في الكسر بين اللائحتين بلغ 0.00007 أي 7 من مئة الف ما يعني أنّ الفارق يكاد يكون معدوماً أو مثابة صفر. هذا الفارق لا يعوَّل عليه، بتأكيد سليمان، لإعلان فوز أيٍّ من اللائحتين المتنافستين.
النتيجة لم تكن مرضية للجهة الطاعِنة. لكنّ التلويح بالطعن هو سياسي حيث إنّ المادة 13 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، تؤكّد أنّ قرارته «ملزِمة ومبرَمة ولا تقبل أيَّ طريق من طرق المراجعة العادية أو غير العادية».
سليمان نفى حصول ضغوط سياسية على أعضاء المجلس مؤكداً «أنهم محصّنون الى أقصى الحدود». لكنّ إنسحاب عضو المجلس زغلول عطية إحتجاجاً على عدم إعلان المجلس الدستوري فوز طه ناجي، إضافة الى إنحسار عدد المعارضين للقرار، أوحى أقلّه بحصول عصف «سياسي» داخل الغرف المغلقة سبق صدور القرار بأكثرية سبعة أصوات من أصل عشرة!
واللافت أنّ مع كل المعطيات التي توافرت عن حصول تجاوزات كبيرة شابت العملية الانتخابية، فإنّ الأمر لم يكن كافياً لإعلان بطلان نيابة آخرين.
في «دائرة الحريري» بيروت الثانية تقدم بالطعون 21 مرشحاً خاسراً من بينهم زينة منذر لإبطال نيابة فيصل الصايغ ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، إضافة الى لائحة صلاح سلام التي طعنت بكل نتائج الدائرة. وتقدّم الوزير السابق اللواء أشرف ريفي على لائحة «لبنان السيادة»، بطعن لإبطال نتيجة الدائرة، بينما تقدم المرشح كاظم الخير بطعن ضد النائب عثمان علم الدين.
وفي دائرة بيروت الأولى، تقدمت جمانة حداد بطعن ضد نيابة أنطوان بانو على لائحة «التيار الوطني الحر».
وفي دائرة زحلة برز طعن رئيسة «الكتلة الشعبية» ميريام سكاف ضد نيابة ميشال ضاهر وجورج عقيص. وفي بعلبك ـ الهرمل، تقدم يحيى شمص وسليم كلاس وغالب ياغي ورفعت المصري وحسين صلح بطعن لإبطال نتيجة الدائرة بكاملها…
هي «عيّنة» من طعون ردّها المجلس الدستوري لاعتبارات مختلفة. وقد اعتبر أنّ «الطعون المقدمة في دائرة بيروت الثانية، ونظراً لعدم تضمّنها وقائع تساعد على التوسع في التحقيق، وللفارق الكبير في الأصوات بين الطاعنين والمطعون بنيابتهم، لم يجد المجلس الدستوري ثمّة مبرِّر لابطال نيابات فيها».
أما تصحيح النتائج بسبب مخالفات ارتُكبت أو أخطاء في دوائر بعلبك – الهرمل، وزحلة (قلم Ottawa)، والشوف – عاليه، و»الشمال الثالثة» فلم يؤدِّ، كما قال سليمان، الى إبطال نيابات، بسبب الفارق الكبير في الأصوات بين الطاعنين والمطعون بنيابتهم».
«الدستوري» وأهليّته!
في أيّ حال، المجلس الدستوري نفسه كان في حاجة طوال الاشهر الماضية الى مَن يبتّ بالطعن «السياسي» بـ «أهليّته» للبتّ بالطعون النيابية. فولاية جميع أعضائه انتهت في أيار 2015 بعد مضي ست سنوات على انتخابهم أو تعيينهم، لكنّ استمرارهم في تأدية مهماتهم استند الى أحكام المادة 4 من النظام الداخلي للمجلس والتي تنص على أنه «عند انتهاء الولاية، يستمر الأعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء عنهم وحلفهم اليمين».
هكذا، انتظر أولياء الأمر ولادة الحكومة الجديدة لتجديد طاقم مجلس تولّى، من خلال أعضائه المنتهية ولايتهم، البتّ بأكثر الطعون حساسية وتعقيداً وأكبرها عدداً منذ نشوئه كون الانتخابات أجريت على أساس القانون النسبي الذي أحدث أصلاً موجات ارتباك في تركيب التحالفات، ومن ثم خلال عملية الاقتراع نفسها وما رافقها من تجاوزات كثيرة لامست الفضيحة في بعض الدوائر الانتخابية و«بالصوت والصورة».
وبالتأكيد، لن يشذّ تعيين الأعضاء الجدد (خمسة ينتخبهم مجلس النواب وخمسة تعيّنهم الحكومة) عن قاعدة المحاصصة السياسية التي لا تزال تتحكّم بعقلية «إدارة» التعيينات في كافة الأسلاك!
أسباب التأخير
وكان لافتاً، من جهة أخرى، تقديم سليمان تبريرات مقنعة للتأخير في صدور النتائج تسعة أشهر. فقانون الانتخاب الذي وصفه سليمان بأنه «الأكثر تعقيداً بين الأنظمة الانتخابية في العالم» لم يكن العائق الوحيد أمام «الدستوري» للفصل في الطعون.
تحدث سليمان عن «إشكالات ناجمة عن ضعف في الخبرة وتدريب غير كاف للذين أجروا الانتخابات، وعن استعمال نظام الكومبيوتر للمرة الأولى في لبنان في اعلان النتائج»، مؤكداً أنّ «عملية التدقيق في المحاضر والتحقيق في المخالفات تأخّرا بسبب ضعف الجهاز الإداري في المجلس الدستوري وهو يضم 6 موظفين (3 فقط في الخدمة)، في حين أنه يحق له بـ 15 موظفاً. إضافة الى جلسات الاستماع الى المسؤولين الكبار في وزارة الداخلية، وعن إعداد لوائح الناخبين، والى عدد من القضاة والضباط وصولاً الى الشركة التي تولّت البرمجة وتشغيل نظام الكومبيوتر».
كذلك أشار سليمان الى «تأخّر تسلّم رئيس المجلس الدستوري تقرير «هيئة الإشراف» حتى شهر كانون الثاني 2019، والذي لم تجرِ الإشارة فيه الى مخالفات في تجاوز سقف الإنفاق المالي والإعلام والإعلان الانتخابيَّين…»