درس طرابلس
#غازي_العريضي
ما جرى في مدينة #طرابلس هذا الأسبوع ومع بداية شهر رمضان المبارك اثناء توزيع مساعدات غذائية أمر مفجع ودرس جديد . كريم محيي الدين كان يســاعد أخــاه في التوزيع . حصل شجار أدى الى إطلاق نار . قتل كريم . كريم الشاب المعروف بأخلاقه واندفاعه لمساعدة الناس وحبّه لهم وإنسانيته وعزّة نفســه واعتزازه بمدينتــه وانتمائه إليها . كريم سقط شهيد هذه القيم وهو يساعد الفقـــراء المعـــوزين . المنكوبين . المظلومين . الجياع بكل ما للكملة من معنى في مدينة الأثرياء الجياع هم أنفسهم الى مزيد من الثراء واستغلال الفقراء !! والأخطر من مقتل كريم ، أنه وبعد وقوع الإشكال اقتحم عدد من المواطنين المستودع العائد للجمعية التي كانت تقدم المساعدات وسرقوا المواد الغذائية الموجودة فيها . وهذا يعبّر عن الواقع الأليم الذي يعيشه أبناء المدينة والغضب الذي يملأ نفوسهم والإحتقان الذي يؤجج مشاعرهم . المشهد بشع . فقراء في وجه فقراء . يتسابقون على الوحدات الغذائية . جياع مقابل جياع . وجعهم واحد . وخوفهم من الأيام المقبلة واحد . خوفهم على أولادهم واحد . غضبهم من تخلّي الدولة والقادرين في المدينة عنهم واحد . جوعهم واحد والجوع كافر . تهافتوا على صندوقة صغيرة . تشاجروا . سقط الآدمي المحب لهم جميعاً . كريم . ونهب المستودع المخصصة موجوداته لهم .
هؤلاء الفقراء يشعرون أنهم يعاملون أقل من لاجئين في بلدهم . من مرفأ مدينتهم تأتي المساعدات الى فقراء آخرين لاجئين . وهؤلاء لديهم بطاقات تموينية وكانوا يقبضون مساعدات مالية بالدولار ، أما الفقراء في طرابلس فمتروكون . مستغلون . مذّلون مقهورون ولا معين لهم . ولا أمل لديهم .
اتصلت بوالد كريم محمود وشقيقه أحمد معزياً وما سمعت منهما إلا الإيمان والقوة والشجاعة . وكم كان محمود كبيراً في التعبير عن تسامحه . لكن لا شيئ أبلغ من تعبيره ” لم أشبع من إبني . شاب في بداية عمره . معطاء . مات كي لا يبقى أحد جائعاً سامحهم الله ” !!
محمود محيي الدين ، ابن طرابلس المظلومة . المنكوبة . الفقيرة أحياؤها ، المتروكون أهلها . المحرومون من مقومات العيش الكريم وواجبات الدولة . لا شيئ يعوّض كريماً وهو كان كريماً أمام الله وأهله بإيمانه وتصبّره .
مشهد طرابلسي جديد مؤلم . موجع . مفجع . لكنه درس جديد للمسؤولين في المدينة وعنها . وللدولة ولكل صاحب ضمير حي . فهل يتعلمون منه ؟؟ بل هل نتعلم جميعاً من طرابلس الوفاء والوطنية والعروبة والتضحية والأخلاق والعلم والعلماء والقيم والصبر والتقوى والإيمان والتصالح والمبادئ والتسامح ، طرابلس القابضة على جمر الظلم والقهر والتخلي عنها ؟؟ هل نتعلم من تجاربها ومعاناتها وأحداثها الأليمة المتكررة وتاريخها ؟؟
طرابلس لا تستحق هذه المعاملة . وهذه الصورة المزوّرة عنها . طرابلس أكرم في عطائها من كل الأثرياء الأغنياء البخلاء ومن دولة المصالح الضيقة والرياء .
طرابلس أغنى منهم . وأغلى منهم . وأعزّ منهم . آن الأوان لتعطى حقها ويعود اليها دورها وهي العاصمة اللبنانية الثانية الغنية بطاقاتها وإمكاناتها وقدّمت للبنان أكبر رجالاتها وخيرة شبابها واهلها .
بلا ضمير . بلا وجدان . مدان باسم كل القيم الأخلاقية والوطنية والدينية والانسانية ، من يحرم طرابلس حقها . أو يعتدي عليها . أو يظلمها من أبناء جلدتها أو من خارجهم موظفين ومسؤولين أو قابعين تحت أموالهم !!
رحمة الله على كريم محيي الدين . التحية لوالده محمــــود . والوفاء لطرابلس الفيحاء الأبية . لنتعلم من مشهدها قبل أن نراه في مدن وقرى أخرى في لبنان ونحن على مشارف الانهيار .
هل يُعلّم هذا الدرس المعنيين بتشكيل الحكومة ليفرجوا عنها ؟؟
ماذا يريدون بعد ؟؟ ومعاركهم ومواقفهم وحساباتهم صغيرة صغيرة لا تمت الى أمانة المسؤولية بصلة .
محمـــود محيي الدين لم يشبع من إبنـــه وهم لم يَشبعوا من حقدهم ونكدهم وأنانيتهم وشهوة السلطة لديهم ، ولم يُشبعوا حقدهم بعد !!
www.ghaziaridi.org