وليد شقير:
تمر العلاقة الأميركية- الروسية في مرحلة اختبارية دقيقة بفعل التطورات الميدانية على الأرض السورية، وبعد أن تبادلت الدولتان العظميان الرسائل العسكرية المباشرة وغير المباشرة، لا سيما حول الموقف من الاندفاع الإيراني نحو السيطرة على معبرين من العراق هما التنف الواقع على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، والقائم (المسمى الأبوكمال من الجهة السورية) عبر قوات «الحشد الشعبي» وسائر الميليشيات المدعومة إيرانياً من الجهة العراقية، لتلتقي مع قوات النظام السوري والميليشيات التي تقودها طهران ومعها «حزب الله» من الجهة السورية.
في 18 الجاري قصفت الطائرات الأميركية تجمعات وأرتال لقوات النظام و «حزب الله» والميليشيات الإيرانية عند محاولتها الاقتراب من الطريق المؤدي إلى معبر التنف، ثم ألحقت ذلك نهاية الأسبوع الماضي برمي منشورات تطالب هذه القوات بالعودة إلى نقطة بعيدة من التنف (حوالى 55 كيلومتراً).
وقبل يومين، قصف الطيران الروسي بالتزامن مع إطلاقه صواريخ من أسطوله البحري على مواقع لـ «داعش»، قوات للمعارضة السورية المدعومة أميركيا أثناء محاولتها التقدم نحو مواقع جيش النظام و «حزب الله». وأرفق الجيش الروسي ذلك بظهور العلم الروسي على رتل من القوات المشتركة ينضم إلى حشود قوات النظام على الجبهة الجنوبية بهدف شن معركة لاستعادة السيطرة على معبر نصيب على الحدود مع الأردن.
تعددت التفسيرات لكل من الخطوتين الأميركية والروسية. فإذا كانت واشنطن تريد الحؤول دون سيطرة طهران على الطريق من طهران إلى العراق وصولاً إلى سورية، تطبيقاً لسياستها وجوب انسحاب إيران و «حزب الله» من سورية، فإن موسكو تؤشر في خطوتها الجديدة إلى أنها ترسم حدوداً لإمكان شن هجوم من الأردن على منطقة درعا يدعمه الأميركيون، في سياق الحديث عن إقامة مناطق آمنة تبدأ من هناك.
تضع الخطوة الروسية علامات استفهام حول مدى صحة المعلومات عن أنها مستعدة لغض النظر عن توجه واشنطن لوضع حد للتدخل الإيراني في بلاد الشام، وأن شرطها كان عدم التعرض لقوات النظام السوري، إذا كان الهدف الأميركي الذي تتفهمه، ألا تسيطر إيران والقوات الموالية لها على مناطق تهدد أمن إسرائيل. لكن الخطوة الروسية الأخيرة تتجاوز عملية رسم خطوط للقوات التي يحميها كل من الدولتين العظميين في الميدان السوري، وربما لها أبعاد سياسية أكثر عمقاً. فقصف قوات المعارضة السورية جاء بعد القمة الأميركية- العربية الإسلامية التي لا ترتاح موسكو إلى نتائجها. كما جاء بعد اجتماع الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي انتهى إلى مطالبة الثاني الأول بأن يمارس نفوذه مع الرئيس السوري بشار الأسد كي يسهل محادثات الانتقال السياسي في إطار المفاوضات المفترض استئنافها في جنيف لاحقاً، في وقت تسعى موسكو إلى تعزيز المسار الموازي لمفاوضات جنيف، عبر تطوير صيغة آستانة الأمنية لتصبح بديلاً من جنيف التي تعتبر أنها لم تف بالغرض، لأنها تريد نزع ورقة بيان جنيف- 1 من أيدي شركائها الدوليين.
الخلاف الغربي الروسي كان واضحاً، خصوصاً أن ماكرون ألحق لقاءه مع بوتين باجتماع مع منسق الهيئة العليا للمفاوضات في الائتلاف الوطني السوري رياض حجاب في رسالة دعم لموقف المعارضة، فالجانب الروسي ينوي التحكم بمسار التفاوض الطويل المدى حول سورية، على وقع ما يأمله من تفاهم مع واشنطن ودول أوروبا حول رفع العقوبات الغربية عليه بفعل أزمة أوكرانيا والقرم وفي شأن الخلاف على توسع «النيتو» في دول أوروبا الشرقية. وهو أمر لن يتضح قبل اللقاء المنتظر بين بوتين ودونالد ترامب الشهر المقبل.
وبقدر ما يؤشر تبادل الرسائل بين واشنطن وموسكو عبر التناوب على توجيه الضربات للتشكيلات العسكرية «الموالية» لكل منهما إلى رسم حدود لتواجد وخطط كل من هذه القوى، فإن الخطورة في هذه اللعبة أنها تقحم سورية في مرحلة جديدة من المواجهات غير المباشرة التي لا يمكن التحكم بتحولها إلى اصطدام مباشر.
وما يزيد الأمر خطورة أن موسكو مضطرة في هذه اللعبة إلى تغطية اندفاع الميليشيات الموالية لإيران نحو ما باتت تسميه «فتح طريق طهران نحو القدس» عبر سورية ولبنان، كما يصفه الإعلام الإيراني بوضوح، فالتغيير في ميزان القوى الميداني بخفض تأثير إيران في الملعب السوري يقابله حصول القيادة الروسية على الثمن المقبول بنظرها. وطهران تدرك ذلك وتستفيد منه وصولاً إلى تحدي الملاحة الدولية في باب المندب مجدداً.
أن يحظى اندفاع إيران بمظلة موسكو، قد ينقل المواجهة إلى مستوى جديد يقحم سورية ولبنان معها.