روزانا بومنصف –
لم يتوقع ديبلوماسيون مراقبون سقفا خطابيا للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في ذكرى حرب تموز اقل من الذي اعتمده قبل ايام. كان النظام السوري في زمن وصايته على لبنان وفي اطار توجيهه الرسائل الى الاميركيين قبل سواهم يشعل الارض انطلاقا من جنوب لبنان او يفتعل اي تطور امني كبير لدى زيارة مسؤول اميركي كبير المنطقة ويستبعد سوريا من جولته من اجل لفت انتباهه لا سيما اذا كان وزيرا للخارجية الاميركية كما من اجل تذكيره بان سوريا جزء لا يتجزأ من معادلة المنطقة ولا شيء يسري من دونها نظرا لقدرتها على التعطيل. مع الحرب الروسية على اوكرانيا ومواجهة روسيا الولايات المتحدة في المنطقة تفاديا للاستغناء عن سلاح الغاز الذي تستخدمه ضد اوروبا ، يكتسب توظيف هذا الموقف بعدا يتخطى ايران التي تخشى بدورها ان تفقد ورقة الحاجة الى نفطها في حال رفع العقوبات بديلا من النفط الروسي ، ما يضعف هذه الورقة وقدرة الابتزاز لديها . وليس بريئا الاعلان عن زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى طهران للاجتماع مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الايراني ابرهيم رئيسي قبل يومين من زيارة بايدن الى المنطقة ، على نحو يهدف الى انهاء مفاعيل الزيارة سريعا والالتفاف على نتائجها . ولكن ايران لم تخف انزعاجها من زيارة بايدن وعلق الرئيس الايراني اكثر من مرة على الزيارة على نحو كاشفا لمدى الانزعاج الذي تثيره لدى طهران وتخشى تحالفا ضدها تؤمنه واشنطن . تتولى ايران توجيه الرسائل راهنا بعدما استتب لها الامر الى حد كبير في سوريا والى حد ما في لبنان في ضوء زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى اسرائيل كما الى المملكة السعودية حيث يجتمع مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وقادة كل من مصر والاردن والعراق فيما ان الاشكالية التي تمثلها ايران ومقاربتها العدائية في المنطقة بالاضافة الى الملف النووي هي احد اهم المواضيع على طاولة البحث خلال هذه الزيارة. لم تعد مقاربات الامين العام للحزب تثير الاستغراب في الواقع ، فيما تتكرر الازمة نفسها باسلوب مختلف ربطا بملف ترسيم الحدود . كان يفترض بخطابه التهديدي العالي النبرة ان يعيد المغتربين اللبنانيين من المطار فورا او يلغي زياراتهم الى اهلهم لو ان هؤلاء وجدوا ما يستدعي ذلك او خافوا من الحرب الذي يبشر السيد نصرالله بالذهاب اليها. وهذا لا يعني عدم اخذ التهديدات بالحرب على محمل الجد في رأي الديبلوماسيين المراقبين ولا الاستخفاف بهذه التهديدات اذ ان غالبية الحروب تنشأ نتيجة اخطاء فيما ان احدا لا يعلن الذهاب الى الحرب كما لو انها نزهة . وفلاديمير بوتين الذي اجتاحت قواته اوكرانيا في شباط الماضي فاجأ العالم بهذا الاجتياح على رغم التقارير الاستخباراتية التي كانت تتحدث عن ذلك اذ لم يكن احد يتوقع ” تهورا ” الى هذا الحد في الزمن الراهن . اخذ كلام نصرالله بعدا اكبر في تصويبه على منع تصدير الغاز الاسرائيلي الى اوروبا ربطا باعتبارات الصراع الروسي الاميركي في شكل اساسي ما يسمح لطهران ان تسعى الى تسجيل مكاسب على ظهر هذا الحصان بالذات .
يملك هؤلاء الديبلوماسيون معلومات تفيد بان وضع ايران في الداخل صعب جدا واكثر بكثير مما يظهر الى الخارج على رغم ان الكثير منه ينكشف من خلال الاحتجاجات ورصد الواقع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه الايرانيون حيث الارقام تتحدث عن واقع ليس سهلا. وهذا لا يمنعها من التهديد بالحرب عبر لبنان انطلاقا من الرسالة الواضحة انها قريبة من اسرائيل من جهة التي يزورها بايدن وانها تملك اوراقا تلعبها اذا اضطرت . فيما ان لبنان الفقير والجائع والمفكك يملك الصواريخ المتوافرة لدى الحزب ، ولا يملك الرغيف او احيانا القدرة على شرائه وهي لن توفرها له في احسن الاحوال في حال استخدمت لاي سبب كان. يعتبر هؤلاء الديبلوماسيون ان ايران لم تتوقف في خضم المفاوضات التي كانت تسير في فيينا وانعقدت اخيرا في الدوحة عن التفاوض على الارض وليس طاولة المفاوضات فحسب . في ما خص استخدام لبنان فهو خيار محتمل مع مخاطر كبيرة ليس على دماره ، الامر الذي لن يهمها على الارجح ، وكانت سوريا سباقة في استخدام لبنان ساحة للرسائل بينها وبين الولايات المتحدة او بينها وبين اسرائيل وحتى مع الدول العربية ، بل على انهاء الذراع الاهم لها في المنطقة وهي الحزب في حين ان المفاوضات حول ترسيم الحدود تسير وفق المسار الصحيح ولا حاجة الى رسائل تهديد قد تعطي نتائج عكسية على الارجح لان اسرائيل لن تظهر انها خضعت للحزب . والتقويم الديبلوماسي للمسيرات التي كان وجهها الحزب في اتجاه حقل كاريش تمحور حول اعتبارها طلقة خلبية لم تكن ثمة اي ضرورة لها وجرت اتصالات لمنع تأثيرها سلبا فيما لا يمكن لنصرالله الاقرار بذلك ويدفع الامور ابعد . يقول هؤلاء انه اذا وقعت اي حرب، فان العالم سيأسف على انتهاء لبنان ولكنه لن يبكيه ولن يجد من يمد له يد المساعدة في ظل عدم القدرة على الالتفات اليه اطلاقا. اذ ان الدول التي لا تزال تظهر اي اهتمام بالحد الادنى ، حملت روزنامة واحدة حتى الان هي التقيد بما نص عليه الدستور اللبناني لجهة التزام الاستحقاقات الدستورية على نحو يعاكس كل الكلام على عدم امكان الخروج من تداعيات الانهيار الا بتسوية جديدة يتم عقدها بين الافرقاء اللبنانيين او اعادة بناء صيغة البلد او نظامه . فلا هذا ولا ذاك وارد وباتت هموم الدول في مكان اخر بعد الحرب الروسية على اوكرانيا . وحتى الان فان التعويل هو على الموقف الرسمي في موضوع الترسيم واذا سار ذلك وفق ما هو مقرر فان لبنان قد يستفيد من ذلك او يضيع الفرصة التي تلوح في الافق القريب . قد يحجز الحزب لنفسه موقعا في المكسب المنتظر وفق خطاب نصرالله بحيث لا يسجل هذا المكسب لمصلحة الافرقاء الاخرين فيما يخبو وهج السلاح على ضوء توقيع اي اتفاق . ولكن اذا تعثرت المفاوضات سيحمله اطراف كثر مسؤولية اطاحة الفرصة لما يطالب هو بالاسراع به اي استخراج النفط والغاز لانهاض البلد فيما ان لبنان يحتاج الى سنوات عدة لرصد امكان الاستفادة من ذلك .