الطرفُ القويّ فعلاً، أي القادر على التحكُّم بقرار الانتخابات، إجراءً أو إرجاءً، هو «حزبُ الله»، ويدعمه الرئيس نبيه بري. وأما «التيار الوطني الحرّ» فيستمدّ قدراته – الواقعية لا الافتراضية – من مدى تماسكه مع «الحزب». فبه وصل إلى رئاسة الجمهورية وبه يخوض المواجهات مع بري والآخرين، وبه يربح المشاريعَ والتعيينات في مجلس الوزراء.
وأما الآخرون، الذين انضووا سابقاً تحت عنوان «14 آذار»، فلا يمتلكون شيئاً يُذكر من قرار تعطيل الانتخابات أو إجرائها. فالحريري يبحث عن مخرجٍ من ضياعه، و«القوات اللبنانية» تُصارع عمليّة استفرادها.
المطّلعون يقولون إنّ القوى السياسية جميعاً ليست مرتاحةً تماماً إلى إجراء الانتخابات في أيار، ولكلّ منها حيثياته.
1- الطرف الشيعي، الممثل بـ»حزب الله» وحليفه الرئيس بري، لا يخشى إجراءَ الانتخابات في موعدها المقرّر. وهو درس كل السيناريوهات التي يمكن أن يقودَ إليها القانونُ المعتمَد. ولذلك، لا يناور بري عندما يتمسّك به رافضاً تعديلَ حرفٍ واحدٍ فيه.
وإذا أتقن «الحزب» توزيعَ الأدوار والمعادلات الانتخابية في المناطق وفق هو متوقّع، بحيث تنشأ منافسةٌ بين لوائحَ انتخابية تكون كلها من حلفائه الموالين لنهجه الاستراتيجي، فالنتيجةُ المنتظرَة من الانتخابات تكون محسومةً سياسياً لمصلحته، أيّاً كان الرابح.
فالمنافسة بين بري وعون في بعض الدوائر لن تكون مؤذيةً، بل على العكس، هي ستسهّل عملية استيعاب النائب وليد جنبلاط والحريري ضمن اللوائح التي يرضى عنها «الحزب»، والتي ستحظى بالغالبيةِ في المجلس المقبل، على الأرجح.
ولكن، النقطة الوحيدة التي ربما تجعل من 6 أيار موعداً غيرَ مثالي في نظر «الحزب»، هي أنّ المجلسَ النيابي الناتج منها ستنتهي ولايتُه في أيار 2022، أي قبل أشهر قليلة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وأنّ هذا المجلس لن يستطيعَ انتخابَ الرئيس المقبل للجمهورية في صيف 2022.
فإذا كانت الرؤيةُ ضبابيةً في المشهدَين الإقليمي والداخلي، في نهاية السنوات الأربع المقبلة، فقد يفضّل «الحزب» خياراً آمناً وسهلاً، وهو «التمديد التقني» للمجلس الحالي، مرة أخرى، لفترة يكفي أن تكون دون الـ 5 أشهر، بحيث يَضمن التحكّم بالآتي إلى الرئاسة الأولى، وتكون لحلفائه على مدى السنوات الـ10 المقبلة. (4 باقية لعون و6 للخَلَف).
2- «التيار الوطني الحر» يُدرك أنّ الانتخاباتِ آتية، وهو مرتاحٌ إلى استعانته بالمغتربين، لكنه ليس مستعجِلاً لأنها ستسبّب له إحراجاتٍ كثيرة، وعلى الأرجح ستنتهي بتقليص كتلته النيابية الفضفاضة في المجلس.
فـ«حزب الله» كان قد «أفتى» بإرضاء «التيار» بهذه الكتلة حين كان عون يصارع من أجل بلوغ الرئاسة، مدعوماً من «الحزب»، وإذا بـ«اتفاق الدوحة» يحرمه منها. فجاء «تكبيرُ» حجم الكتلة في المجلس والحصص في الحكومة بمثابة تعويض.
وأما اليوم، فالمطلبُ تحقّق. وإذا كان عون في بعبدا يقيم علاقةً متوترةً مع أقرب حلفاء «الحزب»، الرئيس بري، فكيف سيكون الوضعُ إذا تمكّن عون من بناءِ كتلةٍ عريضة تدعم «الرئيس القوي» في عقر دار بري، المجلس النيابي؟
كذلك، ستفجّر الانتخاباتُ علاقة «التيار» بـ«القوات»، ولن يتمكّن من الاستعاضة عنها ببناء تحالف مع «المستقبل»، لأنّ ذلك محفوفٌ بمخاطر عدّة. وستضع الانتخاباتُ رئيسَ «التيار» الوزير جبران باسيل على محكّ تحقيقِ انتصارٍ تاقَ إليه دائماً في عقر داره في البترون، حيث يكثر اليوم «أعداؤُه».
والأبرز، ربما هو أنّ «التيار»، القوي اليوم في تركيبة الحكومة، يخشى أن تطرأ عناصرُ جديدة تؤدّي إلى إضعاف تمثيله في حكومة ما بعد الانتخابات، بسبب الخصومة مع بري و«القوات». وهذا يعني اهتزازَ القدرة على التحكّم بالمشاريع وكل القرارات الأخرى في السلطة التنفيذية.
وفي ظلّ دستور «الطائف»، يصعب على رئيس الجمهورية أن يكون له وزنٌ فاعلٌ في مؤسسات الحكم، إن لم يكن له وزنٌ فاعلٌ في الحكومة والمجلس.
3- الحريري كان دائماً يرتاح الى التمديد، حتى قبل وقوعه في الأزمة الأخيرة. فليس مستغرَباً أن يسعى، وهو صاحب أكبر كتلة نيابية، إلى التمسّك بها في وجه عملية تقليصٍ مؤكّدة ستتعرّض لها في الانتخابات.
واليوم، بات المأزقُ أكبر. فالحريري واقعٌ في منخفضٍ جوّي سعودي وداخلي. وعليه أن يختارَ بصعوبةٍ تحالفاته في الانتخابات وطريقة تركيبها: ماذا عن «القوات» وسائر «14 آذار»؟ وبري؟ وجنبلاط؟ وإلى أيِّ حدٍّ ينغمس مع «التيار»؟ وكيف «يقاطع» «حزبَ الله» ويتحالف مع حلفائه؟ وماذا يفعل سنّياً في صيدا مثلاً، وفي طرابلس خصوصاً؟
وليتمكّن الحريري من الإجابة عن كل هذه الأسئلة، عليه أن ينسّقَ علاقاتِه مع حليفه الإقليمي الخارج للتوّ من أزمةٍ معه. ولذلك، يعيش الحريري في وضعيّةٍ لا يعرف فيها الأصدقاءَ من الأعداء. إنها على الأرجح وضعيّةُ «الأعدقاء»، فكيف يتحمّس فيها للانتخابات؟
وفوق ذلك، هو يحتاج إلى «أصدقاء» (حقيقيين) يُرشدونه إلى سواء السبيل، وإلى حيث يمكنه الاحتفاظُ بموقع في السراي بعد الانتخابات، فمن أين يأتي بهم؟
4- «القوات اللبنانية» لا تنتظر الأفضل في الانتخابات المقبلة إذا أصرّت على مواجهة التسوية الانحدارية المعقودة في نهاية 2016، وهي اضطُرت يومذاك إلى أن تكون جزءاً منها. ومعلوم أنّ خصومَها (يصعب تحديدُهم بدقة) ينتظرونها على «كوع» الانتخابات.
ولذلك، هي لا تتحمّس لبلوغ مغامرة من هذا النوع، على الأقل قبل استعادة الحليف الأساسي، السنّي، وضعيّته التحالفية السابقة داخلياً وإقليمياً وإطفاء النار التي اندلعت مع «التيار الوطني الحرّ».
إذاً، مَن سيفرض التزامَ موعد 6 أيار للانتخابات؟
إذا لم يكن «حزبُ الله» راغباً في التمديد للمجلس بضعة أشهر، لضمان خليفة عون، فلا شيءَ يحول دون إجراء الانتخابات في موعدها، لأنّ كلَّ الآخرين مُربَكون أو ضعفاء، ولأن لا ثمنَ يمتلكونه لمقايضة «الحزب»، ولأنّ رغبتهم في إبعاد كأس الانتخابات لا تُقدّم ولا تؤخّر.
وفي هذه الحال، يقوم «الحزب» بـ»بيع» الانتخاباتِ للقوى الدولية التي تطالب بـ«احترام الممارسات الديموقراطية»، ولو شكلاً. وهكذا، فإنّ مفتاحَ الانتخابات موجودٌ في جيب «حزبِ الله» وحده، ولا شريكَ له.