ماذا يعني أن يتمّ «ترميم» التسوية السياسية في لبنان و«إنعاش» حكومة الوحدة الوطنية في غمرة الحدَث اليمني وتطوّراته التي تتطاير شظاياها في أكثر من اتجاه ذات صلة بالمواجهة العربية ولا سيما السعودية مع إيران؟
سؤالٌ شغل بيروت أمس التي كانت عيْناً على الملف اليمني «المتدحْرج» والذي اتّخذ منحى أكثر دراماتيكية مع المنعطف الكبير الذي شكّله «إعدام» الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يد الحوثيين في سياق محاولة فرْملة مسار انفلات الوضع في اليمن من يد إيران، وعيْناً أخرى على اللمسات الأخيرة التي كانت توضع على البيان الذي سيُصدره مجلس الوزراء اللبناني والذي سيسحب على أساسه رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته التي كان أعلنها من الرياض في 4 نوفمبر الماضي على وهج اشتداد الصراع السعودي – الإيراني قبل ان يتريث في 22 من الشهر نفسه في تقديمها في أعقاب عودته الى بيروت.
وبينما كانت كل الأجواء في بيروت تشير الى ان المَخْرج لرجوع الحريري عن استقالته نهائياً بات قاب قوسين من الترجمة في مجلس الوزراء تحت عنوانٍ عريض هو النأي بالنفس وفق مفهومٍ يُرضي «حزب الله» وينطوي على تراجُعاتٍ لا تمسّ في مشروعه الاستراتيجي وفي الوقت نفسه يَخدم حفظ علاقات لبنان مع العالم العربي ويؤكد الالتزام باتفاق الطائف، جاءتْ «الصدمة» اليمنية التي تمثّلتْ بمقتل صالح وعدد من قادة حزبه لتُحدِث غباراً كثيفاً حول إمكان ان تَدخل على «الشوط الأخير» الفاصل عن ولادة المَخرج تعقيدات الملف اليمني الذي بدا وكأنه بات أمام مرحلة مفصلية على وقع أحداث متسارعة يصعب رصْد آفاقها، وإن كانت تؤكد انتقال «المعركة» بين طهران والرياض الى مستوى هو الأكثر احتداماً.
وطوال نهار أمس كانت الأنظار تتّجه الى ما اذا كان الرئيس الحريري سيدعو الى جلسة لمجلس الوزراء اليوم لبتّ العودة عن الاستقالة رسمياً باعتبار أن من شأن ذلك قطْع الطريق على أيّ تفاعلات سلبية لـ«البركان اليمني» على مسار طيّ صفحة أزمة الاستقالة، وسط قلقٍ ساد أوساطاً سياسية من أن يفضي التأخير في انعقاد الحكومة إلى «جذْب» تشظيات تحوّلات اليمن الذي باتت الحرب فيه وكأنها تدور على «رقعة شطرنج» بحيث تُقابَل كل «نقلة» عليها بـ «حركة مضادة» سريعة، بمعنى أن تدْفع هذه التحوّلات الرياض الى تَشدُّد مضاعَف حيال الضمانات المطلوبة لنأي «حزب الله» بنفسه عن صراعاتِ المنطقة وضبط إيقاع أدواره في الساحات العربية.
واعتبرتْ هذه الأوساط أنّ ترميم التسوية السياسية الذي تضطلع باريس بدور محوري فيه عبر حِراك كثيف على خط بيروت والرياض وطهران هو في صلب المواجهة السعودية – الإيرانية تماماً كما كانت خطوة الاستقالة، مستحْضِرةً السقف العالي لكلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حول لبنان «المخطوف من حزب الله» واتّهام الحزب باستخدام المصارف اللبنانية لغسْل الأموال، بما يعني ان المملكة تتعاطى مع المَخرج الذي سيُعتمد على انه محطة سيُبنى عليها لخطوات لاحقة، فإما تنجح الدينامية التي أحدثتْها الاستقالة في تصحيح التوازنات لبنانياً وبدء احتواء أدوار «حزب الله» في العالم العربي وإما يتكرّس التماهي بين لبنان الرسمي والحزب فتتصرّف الرياض على هذا الأساس.
على أن دوائر أخرى بدتْ أقلّ قلقاً حيال مآل عودة الوضع اللبناني الى الانضباط تحت سقف التسوية بنسختها الجديدة، لافتةً الى أنّ تطورات اليمن على دراماتيكيتها تجعل «خياطة» البيان الذي سيصدر عن مجلس الوزراء والذي وُضعت مسودته النهائية التي كانت مدار بحث بين المعنيين في بيروت امس تحتاج الى عناية أكبر تفادياً لوضْع لبنان في «عين العاصفة» بالمنطقة، معربة عن اعتقادها ان «حزب الله» ومن خلفه طهران يرغبان في إبقاء الواقع اللبناني في دائرة «التبريد» باعتبار ان «الردّ» في ملف اليمن يحصل «على الأرض» فيها، وان الحزب الذي يتحضّر لموجة عقوبات أميركية والذي وُضع في «قفص الاتهام» عربياً وخليجياً كـ «منظمة إرهابية» يحتاج الى غطاء وطني توفّره له حكومة جامِعة.
وفي رأي هذه الدوائر ان «حزب الله»، الذي أعطى خلال الاجتماعات التي تُعقد بين المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين خليل ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري إشارات ليونة واضحة في ما خص معادلة النأي بالنفس، يحاول تصوير الأمر على انه في سياق الرغبة في «مساعدة» الرئيس الحريري وتسهيل عودته الى السرايا وتسليحه بمكْسب يقدّمه للسعوديين، في حين ان الحزب هو الذي يحتاج الى استعادة مناخ التسوية كـ «حاضنة» بوجه اي «عواصف» آتية، وهو يحاول بتقديم تنازلات لن تؤثّر في مشروعه الكبير ولا تضع سلاحه في شقّه الداخلي على الطاولة استخدام «الخط الأحمر» الذي رسمه المجتمع الدولي حول استقرار لبنان كـ «خط دفاع» بوجه أي استهداف له سواء من الداخل او الخارج او أقلّه التخفيف من حدة هذا الاستهداف.
وفي حين سيشكّل اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي تستضيفه باريس يومي الجمعة والسبت وسيحضره الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس الحريري (كرئيس حكومة «كامل المواصفات») مناسبة لمعاودة التأكيد على استقرار لبنان وضرورة تحييد نفسه عن صراعات المنطقة، فإن الأوساط السياسية تعتبر ان انعقاد مجلس الوزراء سيحصل قبل هذا الاجتماع ليكون الـ «ميني بيان وزاري» الملحق بالبيان الذي نالت الحكومة على أساسه الثقة ركيزة ينطلق منها المجتمعون لرفْد لبنان بالمزيد من الدعم الديبلوماسي المالي، معربة عن اعتقادها ان باريس يفترض ان تكون أدارت «الخط الساخن» مواكبةً للحدث اليمني وبما يحول دون قطْعه «حبْل» الحلّ في لبنان الذي يرتكز على النأي بالنفس وفق مفهومٍ يحاكي «غضبة» العرب ويحْفظ «مَساربَ» لحزب الله من بوابة التصدي للإرهاب واسرائيل.
(الراي)