خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه
كأنّ التاريخ يعيد نفسه.لم نتعلّم ولم نتقدّم، فقط تبدّلت الأسماء..والنتيجة ستكون واحدة:خراب البصرة كما يقال، والمقصود خراب الجنوب، وربّما كلّ لبنان.
كان أبو عمّار وأبو أيّاد وكلّ أبوات الثورة الفلسطينية، بدعم “غير مدرك وغير واعٍ للمخاطر الوطنية”، كما جاء في النقد الذاتي الشهير للأمين العام الراحل لمنظمة العمل الشيوعي محسن ابراهيم في تقييمه المتأخّر لتجربة الحركة الوطنية اللبنانية وعلاقتها بمنظّمة التحرير الفاسطينية..وها نحن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة مشابهة بتوقيع حزب الله (المقاومة الإسلامية) ورديف حركة فتح التي سيطرت على قسم من الجنوب تحت إسم “فتح لاند”، والتي أعلن عن نشأتها تحت عنوان “طلائع طوفان الأقصى” ما يعني أنّ البلد أمام إحتلال جديد لقسم من أرضه وحدوده الجنوبية بمسمّى “حماس لاند”، وقد جاء في بيان لحركة حماس ما يلي:
“يا أبناء شعبنا الفلسطيني في لبنان.أيّها المجاهدون الأبطال.إنطلاقاً من قوله تعالى (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم).وتأكيداً لدور الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، في مقاومة الإحتلال بكلّ الوسائل المتاحة والمشروعة.واستكمالاً لما حققته عملية طوفان الأقصى، وانتصاراً لصمود شعبنا الفلسطيني الصابر ومقاومتنا الباسلة، وما قدّمه شعبنا من صمود وتضحيات.وسعياً نحو مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الإحتلال والإستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية.تعلن حركة المقاومة الإسلامية – حماس في لبنان، تأسيس وإطلاق طلائع طوفان الأقصى.فيا أبناء شعبنا، أيّها الشباب والرجال الأبطال، إنضمّوا الى طلائع المقاومين، وشاركوا في صناعة مستقبل شعبكم، وفي تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك”.
إنتهى البيان، وبدأت التساؤلات المقلقة:
-لماذا اختارت حماس لبنان دون غيره من دول الشتات الفلسطيني مثل سوريا الأسد مثلاً (أليس هو حليف الممانعة الأول؟) ومثل الأردن.وهل تجرؤ حركة “حماس” على اللعب في الداخل السوري والداخل الأردني، كما تسرح وتمرح في الساحة اللبنانية؟
-إذا كانت الدعوة من باب “وحدة الساحات” فحزب الله “مكفّى وموفّى” ويكاد شهداؤه يناهز عددهم التسعين في أقلّ من شهرين على اندلاع المعارك في الجنوب.وفي السياق نفسه، لماذا لا تنضمّ الساحة السورية الى هذه “الوحدة” علماً بأنّ لها الجولان المحتل، وفوق أراضيها عشرات القواعد العسكرية لإيران وحزب الله وباقي الفصائل الشيعية المستوردة؟
-أين ستكون “الأرض” التي ستشهد تجميع “الشباب والرجال الأبطال” كما جاء في البيان، وكيف سينضمّون إلى “طلائع المقاومين” أكان في غزّة أم في الضفّة الغربية؟ إذا كان سيحدث ذلك في المخيّمات الفلسطينية، فسيخلق حالة من التوتّر مع المحيط الشعبي من جهة، ومع الدولة اللبنانية من جهة أخرى، أيّاً كانت السلطة متساهلة.فما يصحّ مع حزب الله، ليس بالضرورة أن يصحّ مع التنظيمات الفلسطينية. طريق فلسطين التي لم تمرّ من جونيه وتسبّبت بحرب أهلية طاحنة، يصعب عليها أن تمرّ من هذا المخيّم أو ذاك، كما سيصعب عليها أن تمرّ من الجنوب نفسه لأنّ أهله الذين يتحمّلون على مضض حروب الحزب (لأسباب مذهبيّة وعقائديّة ولاستفادتهم من هذا النفوذ المتمادي على مرّ السنين) لن يرتضوا أن تُخاض على أرضهم حروب الآخرين، مرّة ثانية..والكلّ يذكر كيف نُثر الأرزّ على جنود العدو فرحاً بالخلاص من كاتيوشا وعمليات التظيمات الفلسطينية عبر الحدود، وفرحاً بالخلاص ممّا سمّي آنذاك “فتح لاند”.
لبنان على كفّ عفريت؟ نعم..وحزب الله يلعب بالنار على حافّة الهاوية؟ نعم..وحركة حماس مستعدّة لتكرار مأثرة “فتح لاند” من الجنوب؟ بكلّ تأكيد..ولكن ما نشهده في غزّة من موت ودمار يجعلنا مدعوين للإستفاقة من أوهام التحرير، ومن أوهام الممانعة..ومن أوهام أنّ “وحدة الساحات” تمتدّ فعلاً لا قولاً من طهران الى غزّة.وحده الشعب الفلسطيني يدفع الثمن غالياً، ولن ينقذه صاروخ ذكي من هنا، أو صاروخ بعيد المدى من هناك..أو “طلائع طوفان الأقصى” من مخيّمات لبنان!
1