خصصت «وثيقة بعبدا 2017» التي خرج بها الاجتماع التشاوري في القصر الجمهوري برعاية الرئيس ميشال عون، الجزء الثاني منها لمحاكاة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، فدعت إلى «إطلاق ورشة اقتصادية وطنية من خلال وضع وتنفيذ خطة اقتصادية شاملة، تنبثق منها الخطط القطاعية، واقرار الموازنة تأميناً للانتظام المالي للدولة، وتحقيق الإنماء المتوازن والاقتصاد المنتج وتوفير الاسواق الخارجية، ومنع الاحتكارات والاستثمار في القطاعات الاقتصادية العصرية، واعتماد سياسة تسليفية تشجيعية للقطاعات المنتجة يكون المصرف المركزي عمادها. ودعوة الحكومة الى وضع هذه الخطة وتنفيذها ومواكبتها عبر لجنة اقتصادية وزارية دائمة من خلال برنامج زمني مموّل، يلحظ تأمين الكهرباء والمياه واستثمار الثروة البترولية البحرية، وتأمين الاتصالات السريعة بأعلى جودة وأرخص الأسعار، وكذلك المواصلات، وتأمين الاعتمادات اللازمة لانهاء ملف المهجرين».
واذا كان ممكناً تحقيق ورشة نهوض اقتصادي ولو محدود خلال الاشهر العشرة المتبقية قبل الانتخابات النيابية في ايار المقبل، فإن الجانب السياسي من الوثيقة الذي تناول القضايا الميثاقية والدستورية والاصلاحية لم يشهد اتفاقاً بين المجتمعين، فتم مثلاً تحييد موضوعي إنشاء مجلس الشيوخ والتحضير لإلغاء الطائفية السياسية عن البحث ولو مؤقتاً، ما يعني ان التوافق السياسي على تحقيق البنود الاصلاحية في اتفاق الطائف لازالت دونه عقبات وحواجز سياسية وطائفية.
يبقى ان القضايا الاقتصادية – الاجتماعية – الانمائية بحاجة ايضاً لتوافقات سياسية مسبقة قبل التوافق عليها في الحكومة، بإعتبار ان الحكومة هي التي ستنفذ مشاريع النهوض الاقتصادي، وبدا من خلال الاختلاف حول ملف الكهرباء مثلاً ان التوافق دونه صعوبات وهو ليس بالامر اليسير وان كان ممكناً التوافق عليه بشروط وظروف معينة تسهيلية، وقد تكون التفاهمات المسبقة متوافرة حول بعض المشاريع وقد لا تكون متوافرة ما يعني صعوبة تنفيذها.
واذا كانت الوثيقة قد اولجت تحقيق مشاريع النهوض الاقتصادي الى الحكومة عبر تشكيل لجنة وزارية، فإن تجربة اللجان الوزارية السابقة لم تكن مشجعة كثيراً، إلا اذا اضطرت الحكومة مجبرة تحت الضغط الشعبي والانتخابي الى تقديم بعض المشاريع الممكن تحقيقها، كالطرقات أو انشاء بعض السدود المائية وتشجيع الاستثمارات لخلق فرص عمل جديدة تسهم في مكافحة البطالة المستفحلة، وهذه المشاريع بحاجة الى قوانين، فهل يجهز المجلس النيابي لإقرارها خلال الدورة الاستثنائية التي فتحها رئيس الجمهورية، علماً انها دورة طويلة ومفتوحة على كل ما هو موجود لدى المجلس من مشاريع واقتراحات قوانين او قد يُحال اليه، وليست مقيدة بجدول اعمال محدد.
وفي هذا السياق، يقول وزير التربية الوطنية مروان حمادة لـ«اللواء»: أن وثيقة بعبدا ليست وثيقة تأسيسية وليست خطاب قسم ولا بياناً وزارياً، بل هي تأكيد إعلان نوايا لتحفيز العمل الحكومي خصوصاً على المحور الاقتصادي – الاجتماعي، اما في ما يتعلق بالامور السياسية الميثاقية والدستورية فيكفينا ان نطبق قانون الانتخاب، المعقد أصلاً، بأفضل السبل وننصرف الى التحضير للانتخابات النيابية ونريح الناس من السجالات الدستورية ومن لعبة الطوائف والتوازنات.
اضاف: اما الجانب الاقتصادي والمعيشي من الوثيقة فهو من اختصاص وعمل الحكومة اذا اردنا ان نكون دستوريين ونحترم الصلاحيات، فهناك خلط للامور، النهوض الاقتصادي والاجتماعي هو من مسؤوليات وواجبات الحكومة، وأصلاً ما يحكم على عمل الحكومة هو السلطة التشريعية من الان وحتى ايار المقبل، والشعب ايضاً امام استحقاق الانتخابات في ايار.
وعن قدرة الحكومة على تحقيق الاستنهاض الاقتصادي؟ قال حمادة: اولاً إقرار الحكومة بتأمين الموارد لسلسلة الرتب والرواتب وهي موجودة على الورق، لكن المهم ايجاد الاموال في الخزينة وليس على الورق، حتى لا نعد الناس بأوهام، ثم هناك مواجهة تحديات النمو من جهة وتحديات العقوبات الاميركية المرتقبة من جهة اخرى، لأن العقوبات تؤثر على النمو وعلى قدرة لبنان على الاستدانة.
واضاف حمادة: وعلى الحكومة التروي في مقاربة الامور، وتنفيذ مشاريع قابلة للتمويل والتنفيذ، واذا كنا نعوّل على القطاع الخاص للمساهمة في ورشة النهوض، فأين القوانين اللازمة لتحفيز القطاع الخاص؟ هناك الكثير من القوانين بحاجة لإقرار وقوانين اخرى موجودة وبحاجة لتنفيذ.
وكشف حمادة ان رئيس المجلس نبيه بري اعطى خلال اجتماع بعبدا لرئيسي الجمهورية والحكومة لائحة طويلة بالقوانين غير المنفذة، وهي مقرة من سنوات. وقال: هناك مشاريع قوانين تنتظر الاقرار ومنها قوانين تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لأنه اذا كنا سنتكل على التمويل العربي فإن علاقات لبنان مع العرب ليست على احسن ما يرام حالياً، والغرب لا يملك اموالاً لمساعدتنا كما ينبغي، تبقى الصناديق العربية، والبنك الدولي لمساعدتنا على تنفيذ مشاريع الكهرياء والمياه مثلاً بقروض بفوائد متدنية جداً لا تتجاوز اثنين في المائة وهي بمثابة هبات، ولكننا لا نعلم لماذا يرفض وزراء «التيار الوطني الحر» اللجوء الى الصناديق العربية والاسلامية، ويفضلون الاستدانة مثلا لمشاريع الكهرباء ويضطر مصرف لبنان الى سد الدين بسندات خزينة بفوائد عالية تصل الى سبعة في المائة.
ويرى حمادة ان رفض «التيار» لهذه القروض يعود الى وجود رقابة من الصناديق العربية والاسلامية على الصرف والتنفيذ.
(اللواء)