يستعدّ «حزب الله» لإسقاط طائرةٍ من دون طيار (درون) إسرائيلية في الأيام المقبلة ليترك ما يكفي من الوقت للسياسيين والإعلام في إسرائيل لانتقاد سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي قوّض إستراتيجية الردع الحيوية التي اعتمدتْها إسرائيل منذ العام 1955.
وقد قرّر الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله «التدخّل» في انتخابات 17 سبتمبر الإسرائيلية ليدعم فشل نتنياهو. وحقق الحزب الخطوة الأولى المؤلفة من جزأين خلال اصطياده سيارة عسكرية يوم الأحد على الطريق الذي يبلغ طوله 3.8 كيلومتر بين بيرون وأفيفيم. وتسبب الهجوم بتدمير السيارة وإلحاق إصابات بين الجنود الخمسة داخلها، رغم نفي تل أبيب لذلك. وقد تم تصوير الضربة بواسطة كاميرات تابعة للإعلام الحربي والتي يَظهر فيها إطلاق صاروخيْن موجّهيْن ضدّ الدبابات من طراز «كورنيت».
وجاء الهجوم كردّ فعل على انتهاك إسرائيل القرار 1701 الذي ينصّ في بنده الأول على «وقف إسرائيل الفوري لجميع الأعمال العسكرية الهجومية» (العام 2006)، وذلك بإرسالها فجر 25 أغسطس طائرتيْن مسيّرتيْن انتحاريتيْن إلى ضاحية بيروت لتستهدف قدرات الحزب العسكرية، وذلك بعدما كانت قتلت (ليل 24 – 25 أغسطس) في عملية مباشرة عنصرين من الحزب في سورية. ودَفَعَ ذلك نصرالله إلى الرد بالتهديد، الأمر الذي أعطى إسرائيل متسعاً من الوقت لاتخاذ تدابير مضادة.
ومع ذلك فقد هجر الجيش الإسرائيلي مواقعه العسكرية على طول أكثر من 100 كيلومتر من «الخط الأزرق» الذي اعتمدتْه الأمم المتحدة للفصل بين لبنان وإسرائيل في عمقٍ يتجاوز 4 إلى 5 كيلومترات. وقد تم تفسير ذلك على أنه ضعفٌ للجيش الذي اهتزت سمعتُه هو الذي يُعدّ أقوى ثامن جيش في العالم.
ونتج الخوف الإسرائيلي من تصريحٍ متلفز لنصرالله الذي يقود مجموعة من الرجال لا تملك الطائرات ولا الدبابات في لبنان. إلا أن مهارته في حرب العصابات التي اكتسبها في سورية ولعقود خلت حوّلته إلى جيش منظّم وقوي غير نظامي.
وأشارت مصادر مطلعة لـ«الراي»، إلى أن «إسرائيل أخلتْ كل مواقعها وثكنها على الحدود اللبنانية خشية التعرض لقصف بصواريخ حزب الله (بركان) التي يمكن أن تحمل أكثر من 1000 كيلوغرام من المتفجرات وأن توقِع عدداً هائلاً من الإصابات». وقد استطاع نصرالله غرْز مسمارا مؤلما لتسليطه على أكثر القواعد الإستراتيجية التي بُنيت عليها إسرائيل والتي فشل رئيس الوزراء في المحافظة عليها.
ومن أهم مبادئ الوجود الإسرائيلي تحقيق التفوّق العسكري والحفاظ على ردود الفعل العسكرية غير المناسِبة لضرْب الخصم بعنف وقوة، وفرض الهيمنة، التصعيد والردع ورفْع تكلفة «الدم الإسرائيلي» إلى مستوى لا يمكن أن يتحمله أي شعب عدو. هذه في المبادئ التي قالها واعتمدها موشي ديان العام 1955 وكذلك اعتمدها أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون.
إلا أن هذه الأهداف يبدو أنها بعيدة المنال اليوم بسبب تركيز نتنياهو الأول على إعادة انتخابه. فقد استهدف مئات المرات سورية من دون تحقيق أهداف إستراتيجية. ولم ينجح بإزالة إيران من سورية، بل على العكس، أصبحت سورية أكثر ارتباطاً بإيران من أي وقت. ولم يستطِع تدمير قدرات «حزب الله» العسكرية رغم أن صاروخيْن كانا كافييْن لزعزعة صورة إسرائيل، فيما أجبر تهديدٌ تلفزيوني بسيط جيشها على مغادرة الحدود.
وكان رئيس الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال رافاييل إيتان، قال: «عندما نستقرّ في الأراضي لن يكون بمقدور العرب أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك وسيتجوّلون مثل الصراصير المخدَّرة داخل زجاجة».
… يبدو أن «حزب الله»، على عكس سورية والعراق، قد دحض توقّعات القادة الإسرائيليين ونسف رؤية إسرائيل لمستقبل العرب.
لقد ذهب نتنياهو لضرب العراق وحلفاء إيران هناك ولكن لم يحقق أي شيء سوى تفجير عدد قليل من مئات المستودعات المنتشرة هناك، ولكنه استطاع إيجاد تهديد حقيقي للقوات الأميركية الموجودة في العراق. ولا يستطيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب فعل الكثير لإنقاذ صديقه المقرّب ومستشاره في الشؤون المتعلّقة بإيران، نتنياهو.
ولا يستطيع الرئيس خوض الانتخابات المقبلة بالنيابة عن رئيس الوزراء، وبالتالي لا يمكنه منْع اهتزاز إسرائيل تحت ضربات «حزب الله». لقد اختار نتنياهو السير على حافة الهاوية لتعزيز صورته فوقَع فيها وفشل في مواصلة السير حتى النهاية.
لن تتذكّر إسرائيل كيف ضرب نتنياهو سورية والعراق، ولكنها لن تنسى أبداً كيف قوّض الردع وكيف اهتزّت سمعةُ جيشها بسبب أفعاله وقراراته.
الراي