يكرّس «حزب الله» يوم غد المكتسبات الميدانية والسياسية التي حقّقها جراء عمليتيْ الجرود على الحدود اللبنانية – السورية ضدّ «جبهة النصرة» ثم تنظيم «داعش» باحتفالِ «التحرير الثاني» الذي أعلنه أمينه العام السيد حسن الله وسيُقام في مدينة بعلبك.
ويشكّل هذا الاحتفال الذي سيتحدّث فيه نصرالله المَظهر الأكثر تعبيراً عن حال الانقسام المستعاد في لبنان على خلفية ما واكب معركتيْ الجرود اللتين حدّد «حزب الله» بدايتهما ونهايتهما رغم أن الجيش اللبناني كان المولج خوض المواجهة مع «داعش» في المقلب اللبناني.
وعلى وقع الصخب الذي رافق إبرام «حزب الله» صفقة علنية غير مسبوقة مع «داعش» ألزمتْ بنتائجها الدولة اللبنانية وجيشه الذي وجد نفسه يسمح بانسحاب قتَلة عسكرييه المخطوفين (منذ 2014) و6 آخرين قضوا في المعركة الأخيرة، بدا واضحاً أن «حزب الله» يَمضي من خلال مهرجان «التحرير الثاني» غداً نحو تأكيد سعيه إلى توظيف ما حقّقه من إنهاء وجود «النصرة» و«داعش» على الحدود اللبنانية – السورية في اتجاهين:
* الأوّل داخلي ويراد منه القول «الأمر لي» في الواقع اللبناني ومَفاصله الاستراتيجية، بمعزلٍ عن التسوية السياسية الهشّة مع الأطراف الآخرين والتي نجح في تطويعها تدريجاً، إلى جانب تكريسِ وظيفةٍ جديدةٍ لسلاحه الذي كان أرسى بعد التحرير الأول من الاحتلال الاسرائيلي العام 2000 معادلة «جيش وشعب ومقاومة»، ليثبّت هذه المعادلة بعد 17 عاماً في ساحة «التحرير من الاحتلال الإرهابي» وتالياً تقديم نفسه على أنه «الحامي للبنان» من «العدوَّيْن».
* والثاني خارجي، عبّر عنه نصر الله نفسه في إطلالته ليل الاثنين بربْطه «النصر العظيم» في الجرود بالانتصارات التي تحصل في المنطقة، الأمر الذي عزّز قناعةَ مَن يعتبرون أن المعركة ضدّ «النصرة» ثم «داعش» هي جزء من الأجندة الاقليمية لـ «حزب الله» الذي يشكّل «رأس حربة» المشروع الإيراني في المنطقة، وخصوصاً أن هذه المعركة اقترنتْ بالضغط الكبير في اتجاه جرّ لبنان الرسمي إلى تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس بشار الأسد.
وفي حين تعبّر الإطلالات الثلاث لنصر الله في أسبوع (من الخميس الماضي حتى يوم غد) عن الأهمية الاستراتيجية التي يعلّقها «حزب الله» على ما أنجزه، فإن الاستقطاب الداخلي الحاد الذي أطلّ برأسه من بوابة معركة الجرود وخصوصاً العملية ضدّ «داعش» والصفقة التي توّجتْها يُنذِر بمناخ تجاذُب سياسي لن يؤدي على حماوته الى تقويض التسوية السياسية التي تجسّدها الحكومة الحالية في ظل اقتناع خصوم الحزب بأن «لا بديل منها».
وبلغ هذا الاستقطاب ذروته في الساعات الماضية مع ما وُصف بأنه «هجوم الى الأمام» من «حزب الله» وحلفائه للتغطية على ما اعتبره خصومه الصفقة «النادرة» مع «داعش» التي وفّرتْ ممرّاً آمناً للتنظيم الإرهابي من دون أيّ محاسبةٍ له على قتْل العسكريين اللبنانيين، وهو ما كرّسه نصر الله بملاقاة مناخ التحريض على حكومة الرئيس تمام سلام وإحياء ملف اقتحام التنظيمات الارهابية بلدة عرسال في أغسطس 2014 وخطف عشرات العسكريين وعناصر الأمن. وقد دعا الأمين العام لـ «حزب الله» في هذا السياق الى إجراء تحقيق رسمي لكشف المتورّطين في السماح بأن يبقى الجنود التسعة بأيدي خاطفيهم وفي «منْع الجيش من فكّ أسْرهم حينها»، قائلاً «حقِّقوا مع أصحاب القرار السياسي الجبان، الذي كان يرى هؤلاء المسلحين جزءاً من مشروعه السياسي الكبير».
في المقابل، شنّ مناهضو «حزب الله» هجوماً مضاداً عليه متهمين إياه بالمسؤولية عن رفْض التفاوض مع «داعش» في حينه ومبادلة العسكريين بموقوفين في السجون اللبنانية، آخذين عليه أنه عاد وفاوض «داعش» لاستعادة 7 جثامين لعناصر له سقطوا في معارك مع التنظيم وأسير حيّ وجثمان عنصر من «الحرس الثوري» الايراني في عملية يُفترض أن تكون اكتملت مراحلها أمس مع وصول إرهابيي «داعش» الى دير الزور، إضافة الى تعمُّده مصادرة انتصار الجيش اللبناني ضدّ «داعش» ومحاولة التخفيف من وهج هذا الانتصار.
وفيما اعتبر رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يستعدّ للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد غد أن «(رئيس الحكومة السابق) تمام سلام أعلى من أن تصيبه سهام المتحاملين، وكنّا إلى جانبه وسنبقى… ولحد هون وبس»، مضيفاً «ما بتذكر ان المتحاملين على تمام بك سلام اليوم، انسحبوا من حكومته يومها احتجاجاً على ما يزعمونه الآن»، أعلن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط ان تحميل سلام المسؤولية «معيب».
وفي السياق نفسه، استنكرت كتلة «المستقبل» النيابية، بعد اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، بعد ظهر أمس، «استنكارا شديد اللهجة الموقف المخادع الذي اعتمده (حزب الله) تجاه الفصل الأخير من المواجهة التي خاضها ببطولة ومهنية عالية الجيش اللبناني ضد التنظيم الإرهابي (داعش) في جرود القاع وراس بعلبك»، مشيرة إلى أن الحزب حاول «جرّ الدولة اللبنانية لتنسيق علني مع النظام السوري فيما يقوم الحزب والنظام السوري بالتفاوض مع (داعش) على جثامين شهداء الجيش اللبناني، على هامش مفاوضاتهم لاسترجاع أسراهم وجثامين قتلاهم ومن هؤلاء جثمان الاسير التابع لـ(الحرس الثوري) الايراني وذلك حسب ما اذاعته وكالة أنباء (فارس). والحزب في ذلك قد عقد مع (داعش) صفقة تبادل جثث مقاتليه مقابل تأمين حرية ومغادرة عناصر (داعش) التي ضمنها مع النظام السوري والذي يبدو انه يتشارك مع (حزب الله) و(داعش) في الكثير من الأمور».
واعتبرت أن «حزب الله» بموقفه «المخادع» كشف للشعب اللبناني ان «ما يهمه هو نفسه ومصالح إيران ومصالح النظام السوري لا مصالح الشعب اللبناني».
وثمّنت الكتلة «الإنجاز الوطني الكبير الذي حققه الجيش اللبناني البطل والمتمثل بتحرير منطقة جرود القاع وراس بعلبك من ارهابيي (داعش)»، مجددة «التمسك بالدولة اللبنانية القوية والعادلة والالتزام بتعزيز دورها وهيبتها، وحصرية سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية عبر سلاحها الشرعي دون أي شريك».
بدوره، لاحظ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع في معرض سؤاله عن «سر الصفقة بين حزب الله وداعش» أن «نصر الله دعا إلى تظاهرة احتفالية الخميس بمعركة الجرود التي انتهت بالشكل الذي انتهت فيه، فيما السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يكن ما تحقق هو انتصار للشعب اللبناني حتى تتم مصادرته من حزب واحد وفي محاولة للظهور بمظهر أب الانتصار؟».
ولم تنحصر ردود الفعل الغاضبة من «الصفقة» على الداخل اللبناني، بل تعدته إلى الخارج، مع إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي «رفض اتفاق (حزب الله) لنقل عناصر تنظيم (داعش) الارهابي من حدود لبنان إلى الحدود السورية – العراقية»، مشيراً إلى «اننا لا نسعى لاحتواء (داعش) بل القضاء عليه ولا خيار أمامه إلا الاستسلام أو الموت».
وفي كلام أكثر حدة، قال النائب العراقي علي البديري إن «الاتفاق الذي حصل بين (حزب الله) والحكومة السورية من جهة وتنظيم (داعش) الإرهابي من جهة أخرى نعتبره بكل بساطة مؤامرة على العراق».
(الراي)