الافتتاحية التي انتقدت كلام زعيم ميليشيات حزب الله حسن نصر الله، الذي أعلن تبعيته لإيران في ظل صمت القيادات السياسية، أوقعتها في مرصاد الرقابة والقمع، حيث تم استدعاء رؤساء التحرير لدى الصحيفة من قبل قسم المباحث الجنائية المركزية لانتقادها رئيس الجمهورية، ولوصفها الدولة بانها باتت دولة “خامنئي” وحزب الله.
وكتبت الصحيفة الصادرة حديثا في افتتاحيتها صباح الخميس: من “دويلة داخل الدولة” إلى “دولة داخل الدويلة”، هكذا أضحت الصورة باختصار في لبنان، بعدما أسقط نصر الله بالضربة القاضية في قبضة الولي الفقيه، مطوبا إياه وليا آمرا ناهيا على بيروت، ومنصبا إياه قائدا أعلى على حرب اللبنانيين وسلمهم، حيث لا طاعة ولا إمرة لـ”فخامة الرئيس”، إنما لـ”سماحة آية الله العظمى إمامنا وقائدنا وسيدنا السيد علي الحسيني الخامنئي”.
وأضافت الافتتاحية: “أهلا وسهلا بكم سعادة السفراء السبعة الجدد الذين قدمتم أوراق اعتمادكم في قصر بعبدا، لتكونوا سفراء بلادكم في “جمهورية الخامنئي” الحاكمة بقوة الأمر الواقع، سيما وأن نصر الله قدم أوراق اعتماد البلد برمته إلى المرشد الإيراني، بينما “صمت القبور” يكاد يضج من صمت أركان الدولة، ولم يسمع في أرجائها، أقله، أي حس مسؤول رافض للدخول في كنف المرشد”.
الصحيفة ترد: يشربون “حليب السباع” في مواجهة الصحافة
لم يتأخر رد الصحيفة على الاستدعاء الأمني والقضائي، فكتبت صباح الجمعة تحت عنوان “العهد أساس الملك”، افتتاحية قالت فيها: “لا يجرؤون على مجرد التعليق على إعلان نصر الله أن لبنان بلد يأتمر بحربه وسلمه بأوامر مرشد إيران، ويشربون “حليب السباع” في مواجهة الصحافة”.
ووصفت الصحيفة الاستدعاء بأنه “انتقاص فاضح من سيادة الدولة”، محذرة من “تحويل مطرقة القضاء إلى أداة ترويض للصحافة وتطويع لأقلامها”.
الاستدعاء “فضيحة كبرى”
ويقول رئيس قسم المحليات السياسية في صحيفة “نداء الوطن” محمد نمر، إنه “من الواضح أن هناك من يريد قمع الحريات وتحويل الصحافة إلى منبر لعهد يشهد أكثر انهيارات على كل المستويات وتحديدا السياسية والسيادية والاقتصادية”.
ويشير نمر في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، إلى أن البلاد شهدت مؤخرا “فضيحة كبيرة تمثلت بصمت العهد على حديث حزب الله ونصر الله الذي تجاوز منطق الدولة، وأعلن تبعية لبنان لخامنئي وفق خطاب واضح المعاني”.
ويلفت نمر إلى أن “سكوت العهد المنبطح أمام حزب الله لن يمنع الصحافة من التعبير عن رأي الفئة الأكبر من اللبنانيين، لأننا نشعر اليوم أننا في جمهورية خامنئي. فحزب الله يحدد مسار مؤسسات دستورية وخطف قرار الحرب والسلم ويخاطب العالم وكأنه الحاكم بأمر لبنان، ويحول لبنان إلى صندوق بريد لمصلحة إيران وكل ذلك في ظل سكوت فاضح من المسؤولين”.
الاستدعاء في لحظة سياسية “مشينة”
كما يرفض نائب رئيس تحرير صحيفة “النهار” نبيل بو منصف الاستدعاء الأخير، لافتا في حديث لـ”سكاي نيوز عربية”، إلى أن “استدعاء زملاء بهذه الطريقة غير مقبول لا بالشكل ولا بالمضمون، فكيف إذا أتت هذه الاستدعاءات في لحظة سياسية مشينة في السياسة يقول فيها نصر الله إنه مرتبط بإيران وبالولي الفقيه في ظل صمتهم المريب وعدم تعليقهم على تصريحاته”.
ويضيف بو منصف متسائلا: “لم يعجبهم عنوانها، ولكن ماذا عن صمتهم المخزي؟ على الأقل فليحترموا سيادة هذا البلد ويدافعوا عنها بعد هذه التصريحات”.
ويشدد بو منصف على أنه “بغض النظر عن مضمون ما نشرته الصحيفة، فإن الموضوع القانوني واستدعاء مسؤولي الصحيفة من قبل مكتب المباحث الجنائية المركزية لا يمكن السكوت عنه بأي شكل من الأشكال”.
وأضاف: “إبان الوصاية السورية على لبنان لم نشهد مثل هذه الانتهاكات، ولن نسمح لهم اليوم بخنق الحريات في لبنان”.
حقوقيون: الدولة بوليسية
ويشير حقوقيون إلى أنه “من غير المنطقي في بلد حر وديموقراطي تخضع فيه وسائل الإعلام لمحكمة المطبوعات أن يتم استدعاء رئيس تحريرها ومديرها المسؤول إلى قصر العدل عبر رسالة من المباحث الجنائية”.
ويشهد عهد رئيس الجمهورية ميشال عون ملاحقات واستدعاءات لعشرات الناشطين والصحفيين.
وبحسب جاد شحرور، المنسق الإعلامي في مؤسسة سمير قصير لحرية الصحافة، فإنه “لم يعد سرا نشاط الدولة البوليسي ضد كل من يتكلم أو يصرح خارج مزاج العهد”.
ويقول شحرور إن “المؤسسة أحصت أكثر من 70 انتهاكا إعلاميا وثقافيا منذ بداية العام، كما تراجع لبنان مرتبتين منذ عام 2016 على فهرس الحريات، بحسب تقرير مراسلون بلا حدود الأخير”.
ويضيف: “يتحفنا العهد القوي باعتراضه على مانشيت جريدة نداء الوطن، علما أننا نعلم جيدا أن مانشيت الصحيفة حقيقي جدا وهو كلام متداول بين المحللين السياسيين في البرامج الحوارية السياسية، فما المشكلة بكتابة ما هو متداول على التلفاز على الصفحة الأولى لجريدة، وإن كان هناك من يريد أن يحمي الدولة، فعليه أن يحترم الحريات، ومعادلة الحرية مقابل الاستقرار مرفوضة. الحرية واجب قبل أن تكون حقا”.
صحافيون: لبنان يدخل مرحلة خطرة
خبر استدعاء رئيس تحرير “نداء الوطن” إلى المباحث الجنائية ليس التعدي الأول على الحريات العامة والحريات الإعلامية من قبل هذه السلطة، بحسب الكاتب السياسي في صحيفة “الجمهورية” أسعد بشارة، الذي قال في حديث لـ”سكاي نيوز عربية” إن “ما حصل يبرهن أن هذه السلطة لا تحتمل أي مساحة للحرية، وبدل أن تقوم باستعادة السيادة ومنع التعدي على وظيفتها الأساسية ها هي تلجأ الى القمع بحق وسائل الإعلام”.
ويصف بشارة هذه الخطوة بأنها “الأخطر في سجل هذا العهد”، داعيا جميع العاملين في الشأن العام أن يكونوا “يدا واحدة في مواجهة هذا القمع”، باعتبار أن “الترهيب المستمر على وسائل الإعلام سيدخل لبنان في مرحلة خطرة وظلامية يختفي فيها الصوت الآخر”.
هذا ويتوقع ان ينظم ناشطون وصحافيون وقفة احتجاجية وتضامنية مع الصحيفة خلال الأيام القليلة المقبلة.
المصدر: سكاي نيوز