ووفق هذه الصورة يبدو أن لا امكانية لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، لا بل يتردّد في الأروقة السياسية أنّ «حزب الله» أبلغ الى القوى السياسية القريبة منه والبعيدة عنه أنّه يعارض أيَّ طرح لتعديل أيّ بند في القانون الانتخابي الجديد. صحيح أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله كان قد التزم ذلك علناً، إلّا أنّ تكرارَ هذا الكلام من خلال القنوات الخاصة هو بمثابة تأكيد المؤكّد.
وفي تفسير لموقفه يقول «حزب الله» إنّ التعديل هنا سيعني التعديل هناك، وبالتالي الدخول في دوامة الجدل والنقاش، وهو ما سيؤدّي لاحقاً الى تأجيل الانتخابات، وهذا خطّ أحمر، وبالتالي فإنّ البرودة التي تلفّ موقف «حزب الله» من تحالفاته ورؤيته لطريقة خوض الانتخابات لا علاقة لها بحتمية حصول الاستحقاق النيابي بل بجملة مسائل أخرى هي:
1- التفاهم الإنتخابي الوحيد الذي أجراه «حزب الله» حتى الآن هو مع حركة «أمل»، فيما التحالفات الانتخابية الاخرى لا تزال تحتاج الى بعض الوقت في انتظار اتّضاح الصورة لدى القوى الأخرى، مع التأكيد أنّ التحالفات الثابتة في السياسة ستكون ثابتة في الانتخابات.
2- من المستبعد أن يتكوّن قرار حول التحالفات الانتخابية لدى «حزب الله» قبل مطلع السنة المقبلة، ريثما تكون كلّ القوى السياسية قد حسمت موقفها وحدّدت موقعها. وهذا الموقف أبلغه «حزب الله» حتى الى أقرب حلفائه من الذين اصبح مضموناً فوزهم، أيّاً تكن الظروف أو تركيبة اللوائح الانتخابية.
3- عدا السبب المتعلّق باتّضاح المواقف والمواقع الانتخابية لمختلف القوى السياسية، فإنّ «حزب الله» متمسّك بتأجيل دخوله المباشر على خطّ صَوْغ التحالفات الانتخابية الى مطلع السنة المقبلة لإقتناعه بأنّ الدخول في حمى الحملات الانتخابية المبكرة سيؤدّي الى إحداث مزيد من التصدّع في البنيان السياسي اللبناني، ربما لا أحد قادراً على ضبطه ولملمته وسط نزاعات إقليمية متفاقمة في مرحلة ترتيب الساحة السورية لإنجاز التسوية السلمية.
4- وهنالك ما هو أهم ويتعلّق بالضائقة المالية التي تخنق مختلف القوى السياسية في لبنان، كما «حزب الله»، الذي يتكلّف كثيراً جراء الحرب التي يخوضها في سوريا، وبالتالي فإنّ فتحَ باب المعركة الانتخابية منذ الآن سيعني حكماً تكلفة مالية أكبر بكثير.
في المقابل، فإنّ تيار «المستقبل» يتقاطع مع «حزب الله» في بعض نقاطه، ولو من منطلقات وزوايا أخرى. فصحيح أنّ الرئيس سعد الحريري مقتنع بالسير في مشواره التحالفي مع «التيار الوطني الحر» وترجمته بلوائح انتخابية مشترَكة، إلّا أنّ الدخول السعودي المفاجئ على الخط والغبار الكثيف الذي أحدثه، جعله يتريّث بعض الشيء ويُخفّف من اندفاعته. فالمواقفُ السعودية التي يثيرها الوزير ثامر السبهان بنبرة حادة وسقف مرتفع لا بدّ أن تطاول الواقع الانتخابي اللبناني.
ووصل الى الحريري أنّ الرياض متمسّكة بموقع زعيم تيار «المستقبل» وأنّه لا يزال حليفاً مميَّزاً للمملكة رغم كل ما يُقال أو يُشاع، إلّا أنّ الجديد أنّ السعودية لم تعد تريد حصر علاقتها بالطائفة السنّية في لبنان من خلال الحريري فقط، بل إنها ستتعامل مع جميع الوجوه السنّية وترك اللعبة مفتوحة.
قيل إنّ الحريري الذي لا يزال ينتظر موعد زيارته للمملكة ولقائه بوليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وصل اليه بالتواتر أنّ الطلبَ السعودي سيكون التمنّي بعدم التحالف مع «التيار الوطني الحر»، مع ترك الحرّية له للتحالف مع أيّ فريق أو فرقاء آخرين وفق الحاجة الانتخابية.
في المقابل، فإنّ هنالك استعداداً سعودياً للمساهمة مالياً في المصاريف الانتخابية لتيار «المستقبل»، اضافة الى ضمانات بعدم التعرّض للتسوية السياسية التي أدّت لوصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا والحريري الى رئاسة الحكومة، فالإنتخابات شيء والتسوية السياسية شيء آخر لن يجري المسّ بها، ما يعني ضمان عودة الحريري الى رئاسة الحكومة انسجاماً مع ثبات الضمانات الإقليمية.
كذلك بدا الحريري وكأنّه تراجع إزاء إدخال تعديلات على قانون الانتخابات، ما يعني أنه بات واثقاً بحصولها في موعدها المحدَّد. وبالتالي فإنّ النقاشَ الدائر حول البطاقة البيومترية أو التسجيل المسبَق قد يجري تجاوزه لمصلحة حصول الاقتراع كما كان يحصل سابقاً لهذه الدورة فقط، في مقابل التزام التحضير للبطاقة البيوميترية للدورات الانتخابية اللاحقة.
لكنّ البعض يتخوّف من أن تؤثر الضغوط الجاري تحضيرها وتطاول «حزب الله» على موعد إجراء الانتخابات النيابية خشية أن ينعكس التأزُّم الدولي خللاً في الاستقرار السياسي، وربما الأمني الداخلي. لكنّ «حزب الله» ليس موافِقاً على هذا الربط. فهو لا يرى أيّ علاقة بين الضغوط من خلال العقوبات والانتخابات النيابية.
فهو يرى أنّ الأثر الوحيد للعقوبات سيكون على الوضع المالي والاقتصادي ولكن ليس على الواقع السياسي.
ويذهب أصحابُ هذا الرأي الى أبعد من ذلك حين يقولون إنّ الذين يسوّقون للعقوبات والضغوط على «حزب الله» سيأتون في وقت لاحق لعرض تحالف انتخابي في بعض الدوائر مع «حزب الله»، مع وجود احتمالات لدى قيادة «حزب الله» للتجاوب في بعض الحالات ووفق بعض الحسابات، وأن لا عجب في ذلك، ففي النهاية كلّ هذه القوى تجتمع وتعمل وتنسّق داخل حكومة واحدة.
ويستعدّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله لشرح موقف الحزب من التطورات الإقليمية وحملة الضغوط التي تطاوله الأربعاء المقبل لمناسبة افتتاح مؤتمر حول فلسطين، على أن يُخصّص إطلالة ثانية الجمعة في العاشر من الشهر المقبل للوضع الداخلي اللبناني بكل تشعّباته في الذكرى السنوية لـ«يوم الشهيد».